بقلم : د. سعيد اللاوندى
على غرار «الاستشراق» و«الاستغراب» نحت لنا الجغرافى العالمى جمال حمدن، صاحب كتاب مصر عبقرية المكان، مصطلح «الاستفراق»، ويعنى الاهتمام بالقارة السمراء، وتناول المصطلح مثقف مصرى هو ناجى المنشاوى، فوضع كتاباً حول القارة السمراء سماه الاستفراق، ويعنى الارتباط بالقارة من خلال خمسة فصول هى إشكالية المصطلح والمنهج، ثم تساءل: لماذا علم الاستفراق؟، وخصص فصلاً عن الوعى المصرى الأفريقى، وتحدّث عن مصر أفريقياً، مشيراً إلى أشواك وتحديات المستقبل، وختم بحديث مطوَّل عن القوى الناعمة المصرية، فكأن جمال حمدان بدأ الفكرة أما ناجى المنشاوى فقد بحث فيها ولم يتردد فى أن يضع كتاباً حول الاستفراق الذى يرى أنه دعوة للتأسيس، وقدم له الدكتور حاتم الجوهرى بمجموعة من الإشارات التمهيدية باعتباره المشرف على المركز العلمى للترجمة بالهيئة العامة للكتاب.
والحق أن دعوة الاستفراق، أى الارتباط بالقارة السمراء، جاءت فى وقتها، فعلاقتنا بقارة أفريقيا تتعرض لهزات عنيفة، ويُعتبر سد النهضة فى إثيوبيا حجر عثرة على طريق الاستفراق، لذلك كان جمال حمدان من أوائل من نبّهوا لعلاقتنا الاستراتيجية بالقارة، فوضع كتاباً عن العالم الإسلامى تحدّث فيه لأول مرة عن الاستفراق، وكان يرى أن الارتباط بهذه القارة هو بداية الرقى الذى يمكن أن يكون عنواناً لمصر فى حركاتها المقبلة.
وإذا وضعنا فى الاعتبار استقالة رئيس وزراء إثيوبيا والمظاهرات التى عمت البلاد وتأثير ذلك على مشكلة سد النهضة وحصة مصر التاريخية من المياه، علمنا أن كتاب الاستفراق جاء فى وقته، وأن مؤلفه ناجى المنشاوى وضع نقاطاً كثيرة على الحروف، مؤكداً أن لا خلاص لمصر إلا من خلال ارتباطها بالقارة السمراء باعتبارها عاصمة لأفريقيا وكانت تمثلها فى مجلس الأمن عندما تم اختيار مصر عضواً غير دائم فى الأمم المتحدة.
لقد أبدع المؤلف عندما وقف طويلاً أمام إشكالية المصطلح والمنهج، أما حديثه عن القوى الناعمة المصرية فكان واضحاً عندما قال: «لعل علم الاستفراق يبتغى تقريب المسافات بين المصريين والشعوب الأفريقية والتأكيد على وحدة الهدف والمصير وتنمية مشاعر التآخى الحميم، وهى مشاعر غير غائبة ولكنها تحتاج إلى دعم وتنمية مستمرة من كل مراكز القوى الناعمة المصرية».
كما تكلم المنشاوى عن حضارة مروى والسودان الغربى (تشاد) وغرب أفريقيا (النيجر) متجهاً إلى جنوب هضبة البحيرات (حضارة الباجندا)، بل وربما إلى منطقة روديسيا (حضارة زيمبابوى) فى أقصى أفريقيا الجنوبية.
باختصار، الاستفراق كعلم نحن بحاجة إليه، فالوعى المصرى الأفريقى به فى حاجة إلى تطوير، سيما وأن المؤلف اعتمد على مجموعة من المراجع تؤكد أن قارة أفريقيا ما تزال حاضرة فى حياتنا.. فقط ينبغى أن تعود مصر إليها كما كانت فى زمن منظمة الوحدة الأفريقية.
الدعوة للاستفراق تعنى العودة للأصول، والقارة السمراء هى أصل مصر الذى يجعلها تعانق دول العالم وتتقدم المسيرة نحو التنمية والإصلاح.
نقلا عن الوطن القاهريه