توقيت القاهرة المحلي 15:22:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحج بين المثوبة والسلامة

  مصر اليوم -

الحج بين المثوبة والسلامة

بقلم - أمل عبد العزيز الهزاني

منذ كانت هاجر تحمل طفلها إسماعيل عليهما السلام، وتركض به ذهاباً وإياباً بين صخرتي الصفا والمروة في منطقة قاحلة جافة غير ذي زرع في مكة المكرمة، عرفنا أن هذه الشعائر تنطوي على مشقة مهما تغيرت الظروف والأحوال. الوصول إلى مكة المكرمة أمنية حقيقية تعيش في وجدان كل مسلم، حيث يدخر من ماله طوال عمره لينتهي به المقام في مكة وهو كهل مريض؛ لأن المشاعر المقدسة مهوى فؤاده ومنتهى كل أمانيه. لهذا السبب لا نستغرب حين نسمع عن إجراء عشرات من عمليات القلب المفتوح ومئات القسطرات القلبية في المشاعر المقدسة كل موسم حج، فمعظم من يصلون إليها هم من كبار السن والمرضى. هل سبق أن سمعتم عن وقوف في عرفة داخل سيارة إسعاف؟ لأن الحج عرفة، تضطر وزارة الصحة السعودية إلى نقل المرضى من المدينة المنورة ومكة المكرمة إلى عرفة داخل سيارات الإسعاف، ليؤدوا ركن الوقوف، وبعضهم خرج في سيارة مجهزة للعناية المركزة لصعوبة حالته. في كل عام، تبتكر الحكومة السعودية وسائل للحماية والإسعاف والتنقل معتمدة على التطور في التقنية. في هذه السنة، قدم الهلال الأحمر السعودي أسطولاً إسعافياً بلغ 370 سيارة إسعاف، وسبع طائرات إسعاف جوي، وطائرتي إخلاء طبي، و150 عربة غولف، و150 «سكوتر كهربائية»، و15 دراجة نارية، وعشرة باصات. ومع توفر بطاقة المعلومات لكل حاج حول معصمه، والرقابة على الخيم والمساكن، وتوفر المياه الباردة والمثلجات، تضع الحكومة السعودية في حسبانها توقعاً للوفيات بنسبة ضئيلة.

هذا العام تفاجأنا بأن الوفيات وصلت إلى 1380 حالة، وكان العالم الإسلامي قد سمع عن وجود نحو 400 ألف شخص قدموا للحج بلا تصريح من الحكومة السعودية. هذا العدد الكبير ليس ضمن قاعدة بيانات الحجيج في وزارة الحج، وبالتالي ليس محسوباً ضمن الخدمات الصحية والنقل والسكن والغذاء. دخل هذا العدد إلى مكة قبيل بدء الحج بأيام، في وقت حرج، اضطرت الحكومة السعودية معه للسماح لهم بالوقوف في عرفة، لكنها أبلغتهم بأنهم يعرضون أنفسهم للخطر. وما كان متوقعاً حصل. درجة الحرارة وصلت إلى 50 درجة مئوية، ورغم ضخ كل القدرات الطبية والإسعافية، حصلت 1000 حالة وفاة من الحجاج غير النظاميين، والحقيقة أنه عدد قليل بالنظر للعدد الإجمالي الدخيل الذي خضع معظمه للرعاية الصحية. مهما بلغ حجم أي منظومة صحية لا يمكن بأي حال أن تقدم عمليات إنقاذ لنحو نصف مليون إنسان خلال 5 أيام؛ ما أثقل كتف وزارة الصحة، لأنه خارج نطاق قدراتها. ومن حسن الحظ أن الاستعدادات كانت ضخمة بحيث تجنبنا حصول كارثة إنسانية.

معظم الحجاج المخالفين كانوا من جمهورية مصر، وبعضهم من الأردن وتونس. سارع مجلس الوزراء المصري باستصدار قرار بسحب تراخيص 16 شركة للحجيج تعمل في مصر، أوهمت الناس بأن الحصول على فيزا للسياحة يكفيهم لأداء فريضة الحج، وهو الأمر الذي يخالف الواقع، وبدأ التحقيق معها بعد تشكيل خلية أزمة. كما أقالت تونس وزير الشؤون الدينية، وأصدر الأردن مذكرات توقيف. الفساد في إدارة مكاتب شؤون الحجيج واستغلال مشاعر الناس ورغبتهم الملحة بالقدوم للحج؛ الأمر الذي أدى إلى هذه النتيجة المؤسفة.

السعودية، حكومة وأفراداً، ينبرون لخدمة الحجيج منذ اليوم الأول لانتهاء الموسم، تحضيراً للموسم الذي يليه. الوزارات والهيئات والكشافة، بل حتى الأسر السعودية ترسل أبناءها للتطوع في خدمة ضيوف الرحمن. أقل ما يمكن أن تقوم به الدول الإسلامية أو الدول التي ترسل مواطنيها لأداء الحج أو العمرة أو الزيارة، هو الالتزام بقوانين وأنظمة المملكة العربية السعودية، التي تبذل جهوداً تفوق التصور لحصول كل حاج على فرصة لأداء هذا النسك بأقل جهد وبأعلى درجات السلامة الأمنية والصحية، حتى إنها استخدمت تقنية الاستمطار في اليوم الثالث هذا العام، ومع هطول المطر انخفضت درجة الحرارة ثماني درجات مئوية. السعودية لا تسيّر الحجيج وزوار الأماكن المقدسة فوق جسور متهالكة، أو تكدسهم في أماكن لا تسع عددهم، أو تتركهم في العراء، كل حاج هو مسؤولية الدولة حتى يعود إلى بلده، لكنها لا تستطيع تغيير التضاريس والمناخ، ولا التقليل من الجهد البدني الذي تفرضه المناسك، وليس من مسؤوليتها تصحيح خطأ دخول الحجاج المخالفين.

للحج في العام المقبل وضع مختلف، تتحمل فيه كل دولة مسؤولية ما يحصل على أراضيها من تنسيق لأعداد الحجيج، ستكون القوانين صارمة فيما يخص دخولهم وأعدادهم، لكنها بالتأكيد قوانين في صالح الإنسان كقيمة وكرامة وحياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحج بين المثوبة والسلامة الحج بين المثوبة والسلامة



GMT 05:45 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

للأسف... وداعاً جو

GMT 05:42 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

عالم يركض كما نراه... هل نلحق به؟

GMT 05:37 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

مارك روته ومستقبل «الناتو»

GMT 05:33 2024 السبت ,29 حزيران / يونيو

ماذا لو حدث!

GMT 02:33 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

عن قرنين من تغريد

درّة تتألق بفستان من تصميمها يجمع بين الأناقة الكلاسيكية واللمسة العصرية

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - أفضل أنواع النباتات التي تمتص الحرارة في المنزل

GMT 11:48 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

العيش بالقرب من المطار قد يصيبك بالسكري والخرف
  مصر اليوم - العيش بالقرب من المطار قد يصيبك بالسكري والخرف

GMT 12:54 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

هناك فرق ؟! وهاهم أحفاد 56 !

GMT 08:25 2021 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

بلباو يهزم ريال مدريد ويتحدى برشلونة في الدوري الإسباني

GMT 10:31 2021 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

رموش مميزة سر شهرة الكلبة "مابل" على تيك توك

GMT 06:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكد أن بكتيريا الأمعاء تلعب دورا في محاربة كورونا

GMT 18:59 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

برج العقرب وأسرار لا تعرفونها عنه ستدهشك

GMT 00:18 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة المصري يُجري تعديلات على لائحة عقوبات الدوري

GMT 08:51 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

الحضري يكشف النجم تفاوض معه وظروف منعته من القيادة

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

علي غزال يظهر في نادي سموحة بعد انضمامه إلى الفريق بشكل رسمي

GMT 20:32 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

الصين حاربت مرضا بلغ مصابوه 20 ضعفا تزامنا مع ظهور كورونا

GMT 21:42 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تساؤلات حول اعتراف تونس بالزواج الثاني للفنانة درة

GMT 10:03 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أول تعليق من باتريس كارتيرون بعد إصابته بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon