توقيت القاهرة المحلي 20:29:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المرأة كمعيار للتحضر

  مصر اليوم -

المرأة كمعيار للتحضر

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

في يوم من الأيام، من قديم الزمان، حصل أن وقعت أحداث متتالية أثارت نقاش المجتمع في المملكة العربية السعودية، وكانت مثار جدل لدرجة ولَّدت النزاع، والتشرذم، والتحزب. وقد يقول قائل إن مثل هذه الخلافات أمر طبيعي؛ بل وصحي أن يكون في أي مجتمع حراك ثقافي وفكري؛ لكنه في المملكة لم يكن كذلك. كان تحزباً أخذ الاتجاه الأقصى من التشدد حول كل ما يمت للمرأة بصلة. ورغم قراءتي لتاريخ المرأة في حضارات وبلدان كثيرة، تعرضَتْ خلالها للتهميش والإقصاء؛ خصوصاً في التعليم وفرص العمل؛ فإن الحقيقة أن هذه المظالم لا تشمل كل النساء ولا حتى في كل المجالات. كانت هناك نسبة - وإن كانت ضئيلة - يتاح لها على الأقل التنفيس للمطالبة بحقوقها.
قرأت في كتاب قيم عن مكانة المرأة في حضارات الأمم خلال 18 قرناً، ومكانتها في مناطق مختلفة من العالم. كانت النساء يتفاوتن في قيمتهن المجتمعية بحسب الجغرافيا. مثلاً - بحسب الكتاب - كانت المرأة الجرمانية هي الأولى مكانة بين نساء العالم؛ كانت مضرب مثل، ليس في صفاتها الشكلية فقط، بل في مشاركتها الرجل بإخلاص ووفاء، مع بأس شديد في شخصيتها، إلى الدرجة التي كانت فيها تبث في زوجها المحارب روح القتال، وكانت له بمثابة الروح للجسد. ثم جاءت في المرتبة الثانية نساء بلاد الغال، فرنسا وبلجيكا حالياً، ثم الرومانيات. وكانت الجغرافيا الأسوأ التي تعيش فيها المرأة هي قارة آسيا، وقد أشار ابن خلدون لذلك في مقدمته.
هذا تاريخ الأمم؛ المرأة تزهر بالعطاء في مجتمع يحترمها. وقوانين المجتمع صنيعة رجال مستنيرين، يرون ما لا يراه الإنسان البسيط. لذلك من الواجب على المؤرخين اليوم توثيق ما يحصل للمرأة السعودية من تحولات جذرية في مكانتها الاجتماعية والعملية؛ لأنها ليست تحولات سطحية، والأهم أنها تحصل بفعل إرادة قوية لا بيد مرتعشة.
انتشرت قبل حوالي شهرين صورة لأول امرأة سعودية تم تعيينها في الحرس الملكي، وبصراحة لم أصدق الصورة، ظننتها مفبركة، رغم صدور قرار تعيينها وتجنيدها في القوات المسلحة منذ العام الماضي، ودخولها أهم وزارة سيادية، وهي الدفاع، جواً وبحراً وأرضاً، حتى في مجال الصواريخ الاستراتيجية. لكن الصورة التي ظهرت فيها المرأة بجانب زميلها الرجل خلال حراستهما لمدخل في القصر الملكي، كانت تكفي لنفهم أننا نعيش نقلة نوعية بمعنى الكلمة، وأن كل ما كان يقال عن عدم قدرتها على امتهان بعض الوظائف بسبب طبيعتها كأنثى غير صحيح؛ بل وإجحاف في حقها.
وحتى لا نكون متجهين بحماسة تجاه تفعيل عمل نصف المجتمع دونما تمحيص ودراسة لتاريخنا المعاصر، كان لا بد من سن تشريعات تؤطر العلاقة بين المرأة والرجل في مكان العمل؛ لأن من دون هذه التشريعات قد تتعثر هذه القفزات. ومع أن مثل هذه القوانين التي تنظم العلاقة بين العاملين بجنسَيهم، موجودة في كل دول العالم، فإنها مثلت أهمية مضاعفة في المملكة، بسبب تاريخ طويل من التباعد بين الجنسين. هذا التباعد أفقد الجنسين عفوية التعامل بعضهما مع بعض، وتقديم سوء النية، وإضمار الخوف، كل منهما من الآخر.
كانت بدايات فتح مجالات العمل للسعوديات في أماكن مختلطة، كالأسواق، أو حتى في الأمن العام، مثل الشرطة ومكافحة المخدرات والسجون، كلها أوجبت «تمرحلاً» ضمنياً في إطار العمل المشترك بينهما، وفي ظل تشريعات الحماية وتنظيم العلاقة. بمرور الوقت، ذابت هذه المخاوف، وحل محلها الاحترام والخطوط الحمراء التي يتفهمها الطرفان. لم يعد حضور المرأة السعودية لمكان عمل مختلط أمراً مريباً أو مثيراً، وصداقات العمل حلت محل الخوف والتربص. كان خطأ جسيماً أن ظلت المرأة منفصلة عن الرجل لعقود؛ لأن التأثير السيئ لم يطل فقط المجال الاقتصادي؛ بل حتى اجتماعياً وُضعت في إطار «العيب» وكسر الخصوصية، حتى ضاعت حقوقها شيئاً فشيئاً. ووصل التأثير حتى للعلاقة الزوجية؛ كون الرجل لا يعرف من النساء سوى والدته أو شقيقته، وهي علاقة مختلفة تماماً عن العلاقة الزوجية الخاصة التي تفترض فيها الشفافية والإقبال على الآخر. والواقع المحزن أن هذا التباعد بينهما دمَّر بيوتاً كان يفترض أن تكون قائمة، وشتت أُسراً لم يعرف ربان سفينتها كيف يقودها، مع إنسانة نشأ وشب على أنها إما أنها صيد لغرائزه، وإما ضربة حظ قد تصيب وقد تخيب.
نحمد الله على أن المرحلة السيئة قد عبرت، وأُعيد الاتزان للعلاقة بين الطرفين؛ بل وإن هذا التغيير أشاع روحاً من التحدي والحماس للنجاح وإثبات الذات.
فكرة أن المرأة من كوكب الزهرة والرجل من المريخ، فكرة من فنتازيا المؤلفين. كلاهما من الأرض، واختلاف الطبائع يصنع البدائع؛ خصوصاً في مجتمع متعلم، متأهب لمزيد من التطور، مع الرهان على وعيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرأة كمعيار للتحضر المرأة كمعيار للتحضر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:59 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند
  مصر اليوم - تصريحات فيفي عبده تتصدر التريند

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

أنجلينا جولي تكشف عن شعورها تجاه عملها بعد رحيل والدتها

GMT 15:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

ليونيل ميسي يختار نجمه المفضل لجائزة الكرة الذهبية 2024

GMT 13:55 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

اتفاق رباعي علي خارطة طريق لإيصال الغاز إلي بيروت

GMT 06:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الشكشوكة التونسية

GMT 19:44 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل العثور على "سوبرمان هوليوود" ميتاً في صندوق

GMT 04:38 2019 الثلاثاء ,09 تموز / يوليو

تعرفي على 9 موديلات مميزة لتزيّني بها كاحلكِ

GMT 22:22 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

مستوى رمضان صبحي يثير غضب لاسارتي في الأهلي

GMT 04:46 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

إليكِ أفكار سهلة التطبيق خاصة بديكورات المطابخ الحديثة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon