بقلم - أمل عبد العزيز الهزاني
صناعة «الدرونز» تشهد تطوراً سريعاً وغير مسبوق في مختلف دول العالم، لا يشابه أي تسارع في تطور أي قطع عسكرية أخرى. حجمها الصغير واعتمادها على التقنية جعلا منها متاحة للتصنيع في كل مكان حتى في تلك الدول التي لم يُعرف عنها إنتاج عسكري.
أما الدول المهتمة بالصناعة أو الحيازة فهي تعتمد بشكل كبير على التطور التقني في إنتاج أجيال حديثة الصنع من الأجسام الطائرة المحلقة من دون طيار. لا أحد من جنرالات الحرب العالمية الثانية مثلاً، تصور أن المستقبل سيكون لسلاح صغير بحجم صندوق الحذاء، قادر على التجسس وجمع المعلومات والرصد وحمل مواد متفجرة والطيران بها بعيداً عن أعين الرادارات، ومن خلال تحكم عن بعد يصل إلى ما وراء المحيطات، مثلما كان الإنتاج السينمائي لأفلام الخيال العلمي يتحدث عن أجسام طائرة معادية.
أحد مشاهد فيلم Top Gun الأخير، حوار جدلي بين المارشال والكابتن عن بدء عهد جديد من الطائرات لا يحتاج إلى تدريب طيارين ولا طائرات باهظة التكلفة، لكن الكابتن خالفه، وظل مصراً على أن مهارة العنصر البشري في القتال الجوي لا يمكنها أن تنتهي، وأثبت ذلك من خلال نجاحه في تدريب طلابه على القيام بعملية نوعية عالية الدقة. فهل من الممكن أن تتقدم «الدرونز» على غيرها من القطع القتالية وتحل محلها؟ الأكيد أن الجواب لدى أجهزة الدول الاستخباراتية وملفاتها السرية التي تتضمن آخر ما توصلت إليه قدراتها في تطوير خصائص هذه الطائرات، من حيث تفاديها رصد الرادارات، وسرعتها، ودقة توجيهها عن بُعد، وكفاءتها كحامل للمواد المتفجرة، وطبيعة هذه المواد.
في ظروف كالتي تعيش فيها إيران، من حيث الجغرافيا الواسعة، وتوزيعها للمنشآت النووية في جميع أنحاء البلاد، يُنظر لـ«الدرون» على أنها حل أمثل لاختراق أمني لاستهداف منشآت حساسة، كما حصل قبل يومين بضرب مصنع عسكري في أصفهان. ومهما قيل في الإعلام الإيراني عن فشل الضربة، فإن نجاحها مبهر لأسباب عدة؛ أولها أنها الأداة التي كانت طهران تهاجم بها دول المنطقة، ومن الإنصاف أن يعود الشر على صاحبه.
أيضاً من الصعب تصور خيار آخر أكثر سهولة من استخدام «درون» في ضربات من هذا النوع، لأن فكرة التحليق بطائرات «F – 35» أو أخواتها تحتاج إلى خطة دقيقة مدروسة، ووقت، ونفقات تصنيعية ولوجستية، إضافة لعنصر المخاطرة.
مستقبل «الدرونز» يتوقف على مدى تطورها وتجاوز العوائق التي تواجهها، كالوزن، ومدة الطيران، ومصدر طاقة التشغيل، وتفادي الرصد، والتصادم مع قطع أخرى. العجيب أن كل هذه العيوب تجاوزتها الصناعة العسكرية بفضل تقنيات الذكاء الصناعي، وتبرز الولايات المتحدة وروسيا والصين في صفوف الدول التي تتنافس على التصنيع المتقدم لأهم قطعة عسكرية في الوقت الراهن.
إيران من ضمن الدول التي تصنع هذه المسيرات صناعة تقليدية، من خلال تقنيات روسية، وتمتلك عدداً غير معلوم منها، ولكن وجود شظايا هذه الطائرات في أوكرانيا أكد أن إيران دخلت طرفاً في الصراع الدائر، بجانب الروس، ما جعل الأوروبيين يتخذون موقفاً متشدداً ضد طهران، وتهديدها بإدراج «الحرس الثوري» في قائمة المنظمات الإرهابية.
لم يكن من مصلحة إيران ولا أي دولة غير طرف، التورط في رحى الحرب الدائرة؛ لأنها شاقة وطويلة ومعقدة. ومع صعوبة التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي، وإعلان إيران أنها رفعت منسوب التخصيب إلى مستوى محظور، تبقى عين إسرائيل على كل التحركات الإيرانية حتى في الخارج، في سوريا ولبنان والعراق، وفي البحر الأحمر والبحر المتوسط. خلال العامين الماضيين، نفذت إسرائيل ضربات موجعة على أهداف إيرانية محلية وخارجية، باستهدافها مواقع عسكرية حساسة، ومصافي نفطية وشاحنات نقل أسلحة وصواريخ. وسواء أعلنت إسرائيل أنها وراء هذه الأعمال أم تكتمت، ستظل هي الطرف الأبرز والأقرب لتنفيذ مثل هذه العمليات، لأنها تملك الدافع، والوسيلة، والمبرر. ولن تتوقف عن استخدام كل وسائل الردع، وستمتلئ سماء إيران بكثير من القطع المسيرة التي ستعجز عن رصدها وصدها.