توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق وأهازيج الرياضة

  مصر اليوم -

العراق وأهازيج الرياضة

بقلم:أمل عبد العزيز الهزاني

قبل 44 عاماً نظّم العراق بطولة كأس الخليج لكرة القدم، المحفل الرياضي الذي يجمع دول الخليج مع العراق واليمن. دخل بعدها العراق في أتون اضطرابات أمنية وسياسية أبعدته تماماً عن الأنشطة الإنسانية التي تأتي الرياضة على رأسها. منتخب العراق كان منافساً شرساً، وبرزت أسماء لامعة من لاعبيه لا تزال محفورة في الذاكرة. اليوم في مدينة البصرة الجنوبية، يحتضن العراق بطولة الخليج بعد عقود من البُعد والإبعاد.

صدام حسين ضحّى بالعراق، المنارة العلمية والثقافية، من أجل رسم صورة له مشابهة لسعد بن أبي وقاص وملحمته «القادسية» التي هزم فيها جيش كسرى الفرس. والنتيجة، ثمانية أعوام من النزاع المسلح مع إيران الخميني، ومليون قتيل من الجانبين ومئات مليارات الدولارات الضائعة، ولم ينتصر أحد. لم يكتفِ، أكمل مشروعه بغزو الكويت في التسعينات، ثم أوقع العراق تحت وطأة العقوبات الاقتصادية التي امتصت حيوية العراقيين وأرغمت النخب العلمية والثقافية على الهجرة. خلال مرحلة الضعف هذه، حار الرئيس الأميركي جورج بوش الابن فيمن يضع عليه اللوم بعد الاعتداء على نيويورك، وكان السيناريو الأسهل افتعال قصة وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين، وكان ذلك ذريعة كافية لإسقاط نظامه، وللأسف إسقاط العراق في يد إيران المتربصة التواقة للانقضاض. عشرون عاماً والعراق مغيّب، بعيد عن جذوره، يعاني من التطرف الشيعي والسني، والفساد المالي الذي أحاله إلى بلد فقير.
البصرة تحديداً، شهدت خلال الأعوام الماضية موجات من الاحتجاجات والغضب العارم بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وقصور الخدمات خصوصاً الكهرباء. لكنَّ من يتابع شوارع البصرة اليوم يرى مظاهر احتفالية، ووجوهاً ضاحكة مستبشرة ومرحِّبة بالضيوف الخليجيين. مشهد لم يرَه الشباب الخليجي في حياتهم، الذين عرفوا العراق بلداً منكوباً يتخطفه التطرف المذهبي والفساد السياسي والتدخلات الأجنبية. العراقيون يعيشون هذه الأيام احتفالية وأفراحاً استثنائية لأن الرياضة قدمت لهم ما حرمتهم منه السياسة؛ متعة التنافس والمشاركة مع الآخرين بعيداً عن المخاوف والتهديدات.
حفل الافتتاح كان مدهشاً، دلالة على الجهود الكبيرة المبذولة من الحكومة العراقية لعودة العراق إلى واجهة العالم من نافذة الرياضة. ولا شك أن التدابير الأمنية كانت على رأس الأولويات من المنظمين، بحكم انتشار السلاح وانفلات الميليشيات المسلحة، مع ذلك لم تمتنع دول الخليج عن دعمها لعودة العراق للانخراط معها في النشاط الأكثر طلباً وإقبالاً وإلهاماً وهو كرة القدم. العراق بحاجة لمثل هذه المواقف من أشقائها، لا يمكن التسليم بواقع أن العراق تحت هيمنة الشراهة الإيرانية، والهيمنة الإيرانية، وأن موازين القوى ليست في صالح عراق متوازن، متشرب لكل الطوائف والأعراق خصوصاً العرب. حتى مع الاعتراف بالواقع الصعب، يظل التمسك بأطراف الجلباب العراقي العربي مطلباً وضرورة قومية تفرض على الأشقاء العرب واجب عدم النأي، وتحتم استمرار المشاركة في الأنشطة الإنسانية الثقافية والرياضية والعلمية.
كان مشهداً كافياً لفهم ما يعيشه العراق، حينما حاولت مجموعة من المحسوبين على الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تخريب حفل الافتتاح، بوجودهم قسراً في منصة كبار الشخصيات خلال حفل الافتتاح. ما الذي يهدف إليه العراقي ذو الهوى الإيراني من إحداث شغب وبلبلة خلال الحفل الذي يقدم العراق بصورة متحضرة؟ إنها رسالة واضحة تذكّر الحضور، والعراقيين الوطنيين، بأن يد إيران هي الأعلى، وأن هذا المحفل لن يغيّر من الواقع شيئاً. لا يوجد في العالم مواطن صالح يرضى بأن تكون بلاده محط انتقاد أو حرج مع دول أخرى، خصوصاً جيرانها، لكنَّ المشاغبين الذين احتلوا المنصة أرادوا أن يكون العراق في هذا الحرج، لأنهم لهم وطن موازٍ لوطنهم الأصلي، النسخة الاحتياطية التي يستخدمونها لإثبات الولاء والانتماء لنظام طهران الحاكم.
لن تنتهي مشكلات العراق بالمشاركات الرياضية والثقافية والفنية والعلمية، لأن إيران لن تقبل بعراق متعافٍ، وستظل تحرص على أن يكون التابع الضعيف. هنا تأتي أهمية المواقف الشجاعة من جيرانها ومن يهتم لمصلحة العراق، بضمان استمرار تدفق أسباب الحياة في الجسم العراقي، بالتعاون الاقتصادي والدبلوماسي، وتشجيع الأنشطة الإنسانية المتبادلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق وأهازيج الرياضة العراق وأهازيج الرياضة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon