بقلم - أمل عبد العزيز الهزاني
الوضع في غزة متأزم، وقابل للانفجار. هذا ملخص تشخيص الوضع الإنساني والأمني في غزة. إنسانياً، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، تعاني أزمة مالية في ما يخص الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية بعد أن قلصت الولايات المتحدة معظم هبتها من 365 مليون دولار إلى 60 مليوناً لهذا العام، كوسيلة للضغط لدفع عملية السلام، ما جعل الوكالة الدولية في موقف حرج اضطرها إلى تسريح العشرات من موظفيها الفلسطينيين بعد أن أبرمت معهم عقود عمل دامت لسنوات. ولا أحد يعرف إن كانت المدارس ستفتح أبوابها للطلبة الفلسطينيين العام الدراسي المقبل نظراً إلى عدم قدرة الوكالة على دفع مرتبات المعلمين. هذه الأجواء القاتمة قد تكون شرارة لمزيد من التوتر والعنف خصوصاً في القطاع.
منتصف الشهر الحالي تسربت أنباء عن خطة مبادرة مصرية برعاية الأمم المتحدة لإرساء حل لقطاع غزة، ورفع الحصار عنه. أطراف المبادرة هم السلطة الفلسطينية وحركة «حماس» وإسرائيل، ومحاولات حثيثة من الرعاة للدفع بالمبادرة إلى مرحلة التنفيذ. خلال تسرب أنباء المبادرة، عمد قناص فلسطيني إلى استهداف جندي إسرائيلي على الحدود الجنوبية من قطاع غزة، والذي توفي لاحقاً في أثناء إسعافه، فاشتعلت غزة بنيران القصف الإسرائيلي جواً وبراً كما لم يحصل منذ الحرب الإسرائيلية على غزة في عام 2014، قُتل ثلاثة عناصر من كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، إضافة إلى مدني وعشرات الجرحى. ردت الحركة على القصف بإطلاق ثلاثة صواريخ أحدها وقع في منطقة غير مأهولة بالسكان والاثنان الآخران دمّرتهما منظومة القبة الحديدية. سيناريو مكرر لأحداث بتنا نعرفها ونعرف تداعياتها.
لكننا اليوم أمام أبرز قضية إنسانية في الوقت الراهن، وهي حصار غزة الذي فرضته إسرائيل عقب تولي حركة «حماس» السلطة في القطاع عام 2006، خشية تهريب أسلحة إليها وكوسيلة لتكبيل يدي الحركة عن القيام بزعزعة الحالة الأمنية على الحدود مع البلدات الإسرائيلية.
المبادرة، إن نجحت، فستكون المفتاح السحري لحل أزمة القطاع الإنسانية، لأنها تتضمن رفع الحصار عن القطاع وتأهيله من ناحية إعادة إعمار البنى التحتية المهترئة أو المنعدمة، مع هدنة طويلة لوقف النار بين إسرائيل و«حماس»، وعودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع.
شكلياً تعد بنود المبادرة سهلة التطبيق، فهي لم تتطرق إلى قضايا شائكة كتبادل الأسرى وجثث القتلى بين إسرائيل و«حماس»، وتسليم «عز الدين القسام» سلاحه. وفي رأيي أن نجاح هذه المبادرة يعني بالضرورة أن مثل هذه القضايا العالقة سيتم حسمها لاحقاً مع تغير إدارة القطاع وإمساك السلطة بزمام الأمور فيه، أو على الأقل ستكون السلطة الفلسطينية مسؤولة أمام المجتمع الدولي عن هذه القضايا. المبادرة ممتازة وسترفع القيد عن القطاع وستمكّنه من أن يتنفس بعد أكثر من عقد من التضييق عليه، إذ ستعود الحياة إلى طبيعتها ويصبح الوضع في القطاع يشابه الضفة بل ربما أفضل لانتفاء وجود الاستيطان؛ المعضلة التي عرقلت التفاوض. جميع الأطراف تعلق الآمال على نجاح هذه المبادرة، لكن لا بد من الإشارة إلى أن أصعب بنودها في شكلها الحالي هو عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع، ما يحتم مصالحة بين السلطة والحركة، وتشكيل حكومة تراضٍ بموظفين من الجهتين. هذا يعني عملياً العودة إلى ما قبل 2006، أي قبل تولي حركة «حماس» سلطة القطاع بعد فوزها بالانتخابات التشريعية.
ما الصعوبات التي تواجه تنفيذ المبادرة؟ وهل الأطراف ذات العلاقة مؤيدة لبنودها؟ ليس تماماً. من الجهة الإسرائيلية يحاول الفريق اليميني المتشدد بزعامة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الدفع لمواجهة عسكرية واستخدام أقصى درجات القوة حسب تهديده ضد مطلقي القذائف من غزة، لكنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظهر بالمظهر الأقل تعصباً مع ضغوط أممية تجاه التمهيد لتنفيذ المبادرة. الجانب الفلسطيني، خصوصاً من حركة «حماس»، يعلن أنه مستعد لأي تسوية تخفف العبء عن أهالي القطاع. كلام حكماء، ولكنّ الفعل تشكِّك فيه الأيام الماضية وستحسمه الأيام القادمة. الورقة المصرية للمصالحة تبدو في طريقها للحل، وأهم مضامينها عودة وزراء الحكومة الفلسطينية إلى غزة حتى البدء في مشاورات تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة خلال خمسة أسابيع. تعمل ورقة المصالحة الفلسطينية برعاية القاهرة بشكل موازٍ مع المبادرة المصرية الأممية، وهذا يفرض على الجانب الفلسطيني سواء منظمة التحرير أو حركة «حماس» العمل جدياً في سبيل المصالحة لتمكين المبادرة من النجاح. إذا فترضنا أن المبادرة تمت ونجحت كما نأمل، فستكون المرة الأولى التي يستقر فيها القطاع منذ خطة فك الارتباط الأحادية وخروج إسرائيل من أراضيه في صيف عام 2005، وهذا الاستقرار سيوفر أرضية مناسبة لعودة المانحين لإعمار غزة، بما فيهم الولايات المتحدة.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع