توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أصدقاء الأمس خصوم اليوم

  مصر اليوم -

أصدقاء الأمس خصوم اليوم

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا السابق، الرجل الأكثر دهاءً داخل دائرة أصدقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عندما قرَّر الانشقاق عن صديق الرحلة، كان يعرف إردوغان أن يوماً ما سيكشف أوغلو مهندس السيناريوهات الشعبوية، وعلى مراحل أسراراً دفينة، وسيفتح الصندوق الأسود وسيظهر المستور على الملأ. أحمد أوغلو ليس عبد الله غُل الحكيم، إنه الرجل الطموح صاحب دكاكين الأسرار التي صنعت شعبوية مزيفة للرئيس، الذي استطاع بجدارة هدم كل ما بناه خلال 12 عاماً، وأولها نموذج تركيا المعتدلة صاحبة الخصومات الصفرية.
أوغلو ليس على عجلة من أمره في كشف حقيقة زيف الشخصية الإردوغانية الطامعة، التي دفعته حتى لتهميش رفقاء النجاح، وتقزيم أدوارهم بعد أن ارتقى على ظهورهم. وحتى نفهم الأثر الكبير لحماقته في خسارة أصدقائه المخلصين، انظروا إليه اليوم، متخبطاً بين تداعيات مغامراته الطائشة، وكلما شعر أن قدمه تنزلق في مكان، قفز إلى منزلق آخر حتى وجد نفسه في حقل من الحفر الوحلة.
إحدى القصص الشعبية التي كشفها أوغلو عن صديقه الجحود، الموقف الشهير لإردوغان في منتدى دافوس عام 2008، حيث كان على منصة الحوار مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، ودار نقاش بينهما حول الحرب على غزة في تلك الفترة. إردوغان اتهم إسرائيل بقتل الأطقال وطالب بأن تكون حركة «حماس» منخرطة في العملية السياسية، وهي الحركة التي يراها الغرب إرهابية. رد عليه بيريز مدافعا عن الموقف الإسرائيلي: ماذا لو كانت الصواريخ تسقط كل ليلة على إسطنبول؟ وعندما أراد بدوره الرد لم يمنحه مدير الجلسة وقتا كافيا فجمع أوراقه ووقف محتجا قائلا إن المنتدى انتهى بالنسبة له ثم خرج. بعدها ثارت زوبعة كبيرة ليس في تركيا وحدها التي استقبلته جماعته فيها استقبال الأبطال، بل حتى في الشارع العربي ذي الميول الإسلاموية وخاصة من جماعة «الإخوان المسلمين». كانت حملة دعائية ممتازة لصالح إردوغان، ونتذكر كيف كان المحسوبون على جماعة «الإخوان المسلمين» من العرب يعايرون حكام الدول العربية بأنهم لم ولن يجرؤوا على ما قام به إردوغان البطل، وأنه الوحيد الذي ألجم رئيس دولة إسرائيل في منتدى كبير تحت نظر العالم.
هذه المسرحية التي أداها إردوغان على المسرح كشف حقيقتها مؤخراً كاتب السيناريو أحمد داود أوغلو. ببساطة، وقف أمام مؤيديه قبل أيام مستذكراً الحادثة. قال إنه قام بعملين متضادين؛ الأول أنه اتصل تلك الليلة بشمعون بيريز من هاتفه ليتمكن إردوغان من الاعتذار له! ولماذا من هاتفه؟ على اعتبار أنه مستشار الرئيس الخاص ومن الطبيعي حصول اتصال من المستشار على أي فرد كان. اعتذر رجب طيب إردوغان لشمعون بيريز في تلك الليلة، وخرجت وكالة الأناضول في اليوم التالي تقول إن بيريز اتصل على إردوغان معتذراً! ونفت الرئاسة الإسرائيلية نفياً قاطعاً هذه الرواية.
الأمر الآخر الذي فعله أوغلو من الجانب الآخر، أنه كتب بنفسه وهو في الطائرة في طريق عودتهم إلى إسطنبول خطاباً موجهاً للشارع التركي والعربي: (على الأطراف الأخرى التفكير فيما تعتقد تركيا، ومن الآن فصاعداً لن نتصرف بناء على ما يقوله هذا البلد أو ذاك).
أوغلو مدرك أن إردوغان اختار المنهج الشعبوي ليكسب تعاطف الشارع العربي، وهو يعزف على تاريخ البطولات والفتوحات الإسلامية القديمة التي انتهت مثلما انتهت بطولات غيرهم من الأقوام والحضارات الأخرى الأكثر قوة ومجدا. لكنه وجد أذاناً مصغية من الشارع العربي المتعطش تطرب لهذا التاريخ، وتنتشي بسرده، فملأهم بالدراما التاريخية، والخطابات الشعبوية حتى صدقوا أنه المخلّص المنتظر.
ولا شك أن إردوغان نجح نجاحاً كبيراً في خلق قاعدة شعبية له داخل طيف واسع من العرب على هذا الأساس. لكنه طار وارتفع حتى وصل لأعلى نقطة يستطيع فيها التحليق بهذه الشعارات، وعليه أن يتأهب لانعكاس الاتجاه ضده، ليس من أوغلو فحسب. علي باباجان الذي انشق هو الآخر وقد كان وزيرا للاقتصاد يقول إن إردوغان تسلم بلداً كان يقرض الصندوق الدولي، والآن يمد يده للشعب للتبرع عبر حساب مصرفي! أما محافظ البنك المركزي السابق دورموش يلماز فقام بتكذيب إردوغان الذي قال إن البنك الدولي طلب قرضاً من تركيا بقيمة 6 مليارات دولار، وقال: من الصعب عليّ استخدام كلمة كبيرة، لذلك سأكتفي بالقول إن هذا كذب...
الليرة التركية اليوم تساوي 7.39 دولار في هبوط قياسي، خلال قراءة هذه الساعة. ولأن الأموال القطرية التي يبتزها إردوغان من النظام القطري لا تكفي للنهوض بالاقتصاد المنهار، اتجه إردوغان إلى التنقيب في مياه قبرص عن الغاز، يصول ويجول منذ أشهر أمام مرأى ومسمع من دول الاتحاد الأوروبي، حتى تدخلت الولايات المتحدة مؤخراً معلنة مشاركتها قبرص في عمليات التنقيب، وهنا وضعت واشنطن علامة «ممنوع الاقتراب» بالنسبة لإردوغان. بقيت أمامه أموال ليبيا، التي يجتهد في الحصول عليها عبر شركاته المشغلة للموانئ بعدما تأخر دخول مدينة سرت النفطية.
باختصار، اختار إردوغان الدخول إلى الغابة السوداء، بكل مخاطرها طمعاً في الهتافات وإشباع الذات المتعالية، رغم أن الطريق الآمنة لم تكن بعيدة، وأقوى من سيواجه هم خصومه في الداخل، حيث يمثل كل منهم قوة لا يستهان بها، وأدوات ستكون سلاحاً ضد بالون إردوغان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصدقاء الأمس خصوم اليوم أصدقاء الأمس خصوم اليوم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon