توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستراتيجية السعودية: التحرر من القيود السياسية والاقتصادية

  مصر اليوم -

الاستراتيجية السعودية التحرر من القيود السياسية والاقتصادية

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

قمة جدة التي انتهت قبل أيام، تلخصت في البيان الختامي كعادة كل القمم، لكن الملاحظة العامة أن لغة البيان تختلف ولأول مرة عن أي سابقة. كانت لغة ندية، أقرت بشكل واضح أن ما اتفق حوله الملك عبد العزيز وفرانكلين روزفلت حول تأسيس علاقة بين البلدين يعني ألا ترجح كفة أي منهما على الآخر، ولا يد عليا لأحدهما فوق يد الآخر، وأن المصالح المشتركة هي الأساس؛ لا القيم. على هذه القاعدة طار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى جدة، تحقيقاً لمصلحة بلاده وليس لمناقشة توحيد القيم والثقافات. أراد التأكيد عملياً على أن قراره بإدارة ظهره لملف الشرق الأوسط كان خاطئاً، لأن دول الشرق الأوسط، كما يؤكد الواقع، ليست معزولة بجدران عن بقية العالم، ومن السذاجة التفكير في فصل المصالح الدولية عن بعضها.
العالم كله، والأميركيون تحديداً، تابعوا تفاصيل رحلة رئيسهم إلى مدينة جدة السعودية، لم يشعروا بالرضا منذ الدقائق الأولى، حيث فرضت «دبلوماسية القبضة» نفسها على المشهد، والجميع شعر بأن القيادة السعودية جادة في إعادة تموضعها في العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة واتخاذ موقع الند، والرفض لسياسات إدارة بايدن حول المنطقة، وحول الرياض تحديداً، خلال عامين من إدارته للبيت الأبيض.
«القمة كانت مهمة، وإن لم تكن رائعة»... هذا الموقف المعتدل للسياسيين والإعلاميين الأميركيين، وهذا هو الموقف البراغماتي الصحيح، لأن الظروف متقلبة، والقرارات لا تأخذ العواطف في الاعتبار، في وقت يمر فيه العالم بمرحلة حرجة قد يعود فيه إلى مرحلة حرب القطبين، الغربي والشرقي.
الاستقطاب الذي مر به العالم في القرن الماضي بين الغرب والشرق انعكس بشكل كبير على المنطقة العربية، التي انقسمت منحازة إلى أحدهما. هذه المرة، الدول العربية ليست كما كانت حينها، لأن الدرس كان واضحاً؛ الانحياز يعني أن القطب المختار سيسلب من الدولة قرارها ويأكل من سيادتها، علاوة على أن الدول العربية فقدت شهيتها في هذا الاتجاه، وهي تصبو اليوم لتعزيز تنميتها واستقطاب الفرص لا المواقف السياسية. الحقيقة أن أهم ما خرجت به القمة رسالتها للعالم بأن دول المنطقة ترفض الاستقطاب، وأن العالم كلٌّ لا يتجزأ، بعد عقود من العلاقات الاقتصادية المجدية، والابتعاد عن العقائد السياسية بمختلف أطيافها. حتى إيران، الدولة الشقية، دعتها القمة للانخراط في عالم يستهدف التنمية وتعزيز الأمن.
الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية عن أهمية وجود الولايات المتحدة في المنطقة لئلا تترك فراغاً تملأه الصين وروسيا حديث غير دقيق. تعليق بعض الساسة من واشنطن بأنهم يفضّلون أن يشاهدوا ولي العهد السعودي يستقبل بايدن بقبضة يد على مشاهدته يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الصيني شي جينبينغ، فيه شيء من عدم الواقعية. الاستراتيجية السعودية الجديدة اختارت توسيع علاقاتها أفقياً لتشمل الصين وروسيا والهند، سواء كانت أميركا في المنطقة أو لم تكن فيها. وبالفعل، حتى في فترة رئاسة الرئيس السابق دونالد ترمب كانت العلاقة السعودية مع الشرق في قمتها؛ زيارات رسمية متبادلة، وتفعيل لمجالس أعمال تنسيقية تعمل على تعميق العلاقات الاقتصادية. الرياض تحررت من القيود السياسية بهذا المنهج، وتحررت من القيود الاقتصادية بالعمل على تنويع مصادر دخلها برفع نسبة صادراتها غير النفطية. هذه القرارات لا علاقة لها بموقف رئيس أميركي يجلس على كرسي متحرك، بل هي نابعة من تفكير استراتيجي يحمي السعودية من متغيرات قد لا نستطيع أن نقرأها اليوم لكنها متوقعة، ومن الأفضل أن نكون مستعدين لأي تقلبات قادمة.
وباء «كورونا» لم يكن متوقعاً، لكنه حصل وهزّ العالم، وأرهقه اقتصادياً، والحرب الأوكرانية رغم عدم استقرار الأوضاع في تلك الجغرافيا لم تكن كذلك محسوبة، بدليل الارتباك الحاصل في أسواق الطاقة. كيف لأي رئيس أميركي أن يضع أولوية وحيدة في سياسته باتجاه الصين، ويستبعد الشرق الأوسط، في حين أن بكين تستورد ثلثي احتياجاتها النفطية من الرياض؟ حسناً، اتضح أن هذا القرار لم يكن موفقاً، وجاءت الزيارة لتصحيح مسار العلاقة، وعلى الرئيس بايدن أن يتحمل غضبة إعلام اليسار الذي استقبله حال وصوله للبيت الأبيض، وأعضاء من الكونغرس ديمقراطيين أو جمهوريين شعروا بأن بايدن أحرجهم، وعليه أن يجيبهم عن السؤال الكبير: ما العائد عليهم من هذه الزيارة؟
أتابع معكم الحديث في المقال المقبل...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستراتيجية السعودية التحرر من القيود السياسية والاقتصادية الاستراتيجية السعودية التحرر من القيود السياسية والاقتصادية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon