توقيت القاهرة المحلي 09:03:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم التأسيس... يوم الاحتفاء والوفاء

  مصر اليوم -

يوم التأسيس يوم الاحتفاء والوفاء

بقلم:أمل عبد العزيز الهزاني

تحتفل السعودية اليوم بذكرى وطنية كبيرة، هي تأسيس الدولة السعودية التي نعيشها اليوم. تأسيس الأمس هو واقع اليوم، وتطلعنا للمستقبل. يوافق يوم التأسيس اليوم الذي تولى فيه الإمام محمد بن سعود إمارة «الدرعية» عقب توتر وقتال بين أعمامه، ذلك في العام 1727م. ولم تكن حالة عدم الاستقرار خاصة بالدرعية، فكل المناطق والقرى كانت عرضة للصراع بين شيوخها، وبعضها كانت صراعات دامية، ومنافسات شرسة بين أبناء العمومة على الإمارة. لكن الطابع العام أن كل منطقة كانت تحت حكم شيوخها (أسر ملكية صغيرة)، تضمن بالقدر الذي تستطيع الأمن على النفس، والأمان من الجوع للسكان. مع ذلك كان الخطر قائماً، وفرص التجارة محفوفة بالمخاطر، لأن قطاع الطرق يتربصون بالمرتحلين. ظلت كل بلدة كمستعمرة يحكمها أحد أبنائها، حتى تأمر الإمام محمد بن سعود على الدرعية، وكبر طموحه السياسي لإنشاء دولة آمنة تتوسع خارج الدرعية، فبدأ بمراسلة الأقربين لنفسه من الأمراء والشيوخ لينضموا تحت إمارته، لأن حزمة العصي يصعب كسرها، عكس العصا الواحدة، كما كان يُقال. ولمروءة الإمام وشخصيته المتدينة، وسمعته الطيبة، استجاب له عدد من مشيخات نجد، فتأسست الدولة وتوسعت. استطاع الإمام محمد بن سعود، مع ازدياد المنضوين تحت إمارته، أن يحقق حلمه بالتوسع الجغرافي، وهو هدف سياسي بحت، وكان يعلم أن ثبات حكمه منوط بتأسيس جيش للدفاع، وحراسة للأمن، وضمانة لحفظ النفس والمال والعرض. وأن يعم العدل، لأنه أساس الحكم. نقطتان أساسيتان كانت تعاني منهما منطقة نجد؛ الافتقار للأمن، والمظالم. ولأنه ابن منطقته، ويعرف عناصر الوهن فيها، انعكس ذلك على سياسته في الحكم، فاختار من يثق بحنكتهم وأمانتهم لتولي شؤون الناس في الأسواق ومجالس الفصل في النزاعات وحراسة قوافل التجار.
تخصيص يوم «التأسيس» خطوة هيكلية لبناء الذاكرة التاريخية للنشء، للاطلاع على جذورهم كيف نشأت، بلا تزييف، ولا تطويع للمعلومة. بل المعرفة النقية من الشوائب والتلبيس والتغرير.
ومثل كل دراسة تاريخية عن الأحداث والوقائع، يلتزم المؤرخون أمانة البحث والتوثيق، والرصد الدقيق، والانتباه لسيرورة الأحداث ومنطقية تسلسلها، ويلزمهم أيضاً جرأة تقويم الاعوجاج في المعلومة، وبث العلم الصحيح المنصف وتوخي الحذر في النقل، حتى نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من تشييد للمتاحف التي تتضمن الوثائق والمراسلات والمخطوطات الشعرية، وإقامة المراكز البحثية وكراسي الأبحاث في الجامعات التي يقوم عليها المختصون في سبر أغوار تاريخنا الحديث والمعاصر.
ولقلة المصادر التاريخية الموثوقة، وردت إلينا معلومات خليطة بين الصحيح والخاطئ، والمعقول والدخيل. ورغم ما يبدو من سلبية لأمر، فإن مثل هذه التحديات تعد تربة خصبة للمولعين بدراسة التاريخ، وهذه المهمة النبيلة يعرج عليها اليوم من السعوديين المختصين كهدف من أهداف حياتهم، لإحساسهم بعظيم المسؤولية تجاه الحقيقة، ومن حسن الحظ أنهم بيننا، ومعاصرون للاحتفال بيوم التأسيس، مثل الدكتور سعد الصويان، والدكتور راشد العساكر. مع ذلك، يستطيع القارئ العادي للتاريخ أن يستنبط قيم المجتمع المتزامنة مع حقبة الإمام محمد بن سعود من خلال قراءة الشعر المحفوظ.
نعلم أن منطقة «نجد» من أهم الأراضي العربية غزارة بالشعر، منذ شعراء المعلقات؛ امرئ القيس، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، وعنترة، وغيرهم من الفطاحل كالأعشى، والنابغة الذبياني. ثم برزت في التاريخ الحديث أسماء لشعراء منطقة «نجد» مثل محسن الهزاني في بلدة «الحريق»، وجبر بن سيار في بلدة القصب، وبن لعبون في بلدة «حرمة»، وغيرهم كثيرون. الشعر كان أهم وسيلة إعلامية اجتماعية تتداول من خلالها الأخبار، وهو ناقل موثوق للمراسلات بين المناطق والقرى والبلدات. لذلك ينظر إليه من حيث البحث والتوثيق وتدوين المراحل الزمنية كأداة من أهم الأدوات المرجعية. من خلال الشعر تستطيع قراءة أحوال الناس، وفهم ثقافتهم، واهتماماتهم، ومعاناتهم، وهمومهم. والميزة التي لا ينافس الشعر عليها أحد، أن عذوبة القصيدة سبب كبير لتداولها على نطاق واسع، وتكرارها، وحفظها، فتُكتب لها الحياة أزماناً طويلة تالية، بخلاف المراسلات الاعتيادية التي قد تُفقد كمخطوطة، وينتهي أمر التحقق منها. الشعر في تلك الأزمنة هو الثقافة والإعلام والترفيه، هو مرآة المجتمع والمتحدث باسمه. وتنقل لنا قصائد الشعراء أهم ما يمكن أن تعرفه عن أي شعب من شعوب العالم، وهي مبادئه وقيمه...
مثال ذلك ما كتبه أمير بلدة «القصب» في وصيته لابن أخيه بعد نقل السلطة إليه، توضح قيم الحكم التي حرص عليها خلال إمارته، في الفترة التاريخية المتزامنة لحكم سعود بن محمد بن مقرن وابنه الإمام محمد بن سعود، وهي قصيدة طويلة، أختار منها...
عليك بالتقوى هي أفخر ملبس
تنجيك في غد من لظى نيرانها
وعامل لسكان البلاد بشيمه
بسهالةٍ ترجى بها غفرانها
لا خير في قومٍ تشب وشاتها
وتجميعها الميلان من جيرانها
الجار جسر للحروب مبادر
ياما يصادم بالوغى عيّانها
اخفض عصاة الذل منك تواضع
للجار مهما تستشين بشانها
واجعل لهم نصف الكتاب شريعة
ينقاد كرهٍ سبعها مع ضانها
واجعل لهم بالوجه منك عباسة
وبشاشةٍ لإصلاحها في شانها
ثم الصلاة على النبي محمد
ما روجعت عجما الطيور ألحانها
ومن أشهر القصائد النجدية لشاعر نجد الكبير محسن الهزاني، قصيدته العظيمة التي تضمنت أسماء الله الحسني وتضرعه بها لطلب الأمطار، بعد أن شحت في بلدته «الحريق». القصيدة تظهر الجانب الديني لدى الشعراء على كافة مشاربهم، ومبادئهم في الحياة، وثقافتهم، وبالتالي تعكس ثقافة المتلقي حينها...
دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صل
واستقم في الدجى وابتهل ثم قل
يا مجيب الدعا يا عظيم الجلال
يا لطيف بنا دايم لم يزل
واحد ماجد قابض باسط
حاكم عادل كل ما شا فعل
ظاهر باطن خافض رافع
سامع عالم ما بحكمه ميل
أول آخر ليس له منتهى
جل ما له شريك ولا له مثل
بعد لطفك بنا ربنا افعل بنا
كل ما أنت له يا إلهي أهل
يا مجيب الدعا يا متم الرجا
وأسألك بالذي يا إلهي نزل
به على المصطفى مع شديد القوى
أسألك بالذي دك صلب الجبل
الغنى والرضا والهدى والتقى
والعفو والعفو ثم حسن العمل
شعراء نجد كان لهم فضل كبير في توثيق التاريخ، كما كان لرجال الحرب فضل في استتباب الأمن منذ عهد الإمام محمد بن سعود، حتى عهد الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، الذي أسس المملكة العربية السعودية... أثر ممتد إلى العصر الزاهي الحالي للملك سلمان بن عبد العزيز. هذا يدفعني وغيري للدعوة إلى الاحتفاء بيوم يحمل اسم «يوم الشهيد»، لتكريم وتخليد الرجال الذين عاهدوا وصدقوا، وكانوا ركناً أساسياً من أركان بناء الدولة السعودية، بمراحلها الثلاث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم التأسيس يوم الاحتفاء والوفاء يوم التأسيس يوم الاحتفاء والوفاء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon