بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني
ليس بالإمكان أفضل مما سيكون. كان هذا رأيي بخصوص بيان وزارة التعليم في السعودية حول الآلية التي اعتمدتها مع بدء العام الدراسي الجديد، وهي التعليم عن بُعد.
بالنسبة لوزارة التعليم فهي تدرك أهمية الحضور الفعلي للطلبة في الفصول الدراسية، ولكن من الأم أو الأب الذي سيخاطر بإرسال أطفاله إلى المدرسة يواجهون قدرهم، ويختبرون حسن حظهم بالسلامة!
في لقاء انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ذكر فيه أحد المتخصصين في الصحة في بريطانيا أن خطر عدم ذهاب الطلبة للمدارس أكبر من خطر ذهابهم، لأن الإصابات بفيروس كورونا بين الأطفال قليلة، ولأن تفويتهم للدروس سيضرهم نفسياً وذهنياً. حسناً، لنوضح هنا أمرين، الأول طبي، نسبة الإصابة الضئيلة للأطفال بفيروس «كوفيد - 19» لا تعني أن الإصابة مستحيلة، ناهيك عن قدرتهم على نقل الفيروس إلى بيوتهم. الأمر الآخر تربوي، وأنا أتفق معه عن الضرر النفسي والذهني جراء عدم تلقي التعليم، خاصة في الصفوف الأولية، لكن هذا الأمر ليس عاماً، بل يتوقف كلية على قرار كل دولة حول كيفية التعاطي مع هذه القضية، في ظل هذا الظرف الاستثنائي.
لذا، أنا أدعوكم للبحث في محرك «غوغل» عن منصة اسمها «مدرستي»، هذه المنصة تم إعدادها خلال الأشهر الماضية لتكون فصلاً دراسياً افتراضياً لطلبة التعليم العام في السعودية. وكما رأيت وتابعت تطبيقات المنصة، أود أن يطالع المهتمون بهذا الموضوع ما تقدمه من برامج وملفات، وكأنك في مدرسة تفاعلية. الحقيقة أني لم أتوقع أن تكون بهذا المستوى المتميز، لأن تجربتنا خلال الفصل الدراسي الثاني مع بداية الجائحة كان يشوبها عدم الاستقرار ومستجدات كثيرة متلاحقة، لأننا انتقلنا، بمعنى الكلمة، بين يوم وليلة، إلى نظام تعليمي مختلف. ومع أن الوزارة بذلت جهوداً كبيرة للخروج من العام الدراسي بأفضل ما يمكن من مخرجات، فإنها من خلال المنصة الجديدة أسست لبنية تحتية في التعليم الإلكتروني، ليس لها مثيل حسب ما أعرف سوى نموذج كوريا الجنوبية. وما ذكره بيان الوزارة أن هذا النظام مدته 50 يوماً ثم يُعاد تقييمه بناء على مستجدات إنتاج اللقاح، أعتقد أن فيه إجحافاً بحق هذا المنجز. المنصة الجديدة تصلح لأن تكون باكورة البنية التحتية للتعليم المدمج؛ الفعلي والافتراضي، خاصة أنها أخذت في الاعتبار الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنها متاحة للمدارس الأهلية. حتى إن وجد اللقاح الآمن والفعّال، ما من بد في أن تكون التقنية إحدى أهم أدوات التعليم الحديث. والمميز في هذه المنصة أنها صنيعة محلية من كوادر سعودية جيء بهم من الجامعات لتأسيس هذا المشروع، وبالتالي لم تكن لها تكلفة مادية تذكر سوى عقد إطاري مع «مايكروسوفت» لتوفير برامج المكتب لكل طالب. وللطلبة الذين لا يملكون أجهزة ذكية أو شبكة اتصال، فلهم الدخول على 20 قناة تلفزيونية تعليمية بديلة.
أعتقد أن الوزارة قامت بأفضل ما يمكن في هذا الجانب. لكن أحد الموضوعات الشائكة الذي أصبح الشغل الشاغل بين أولياء الأمور من ناحية، والوزارة من ناحية أخرى، في الفترة الراهنة، هي رسوم المدارس الخاصة. والقصة أن الأسر تطالب الوزارة بالتدخل لإجبار المدارس على تخفيض رسومها الدراسية، كون التعليم عن بعد يوفر على صاحب المدرسة، وهو هنا المستثمر، التكلفة التشغيلية. الوزارة بدورها ترد أن هذا الأمر ليس من شأنها، لأن العلاقة بين المدرسة وولي الأمر علاقة تعاقدية بناء على العرض والطلب. الخلاف قانوني، لكنه يؤكد على أهمية النصوص التنظيمية من حيث تفسيرها وظروف نشوئها.
في عام 2008، أصدر مجلس الوزراء قراراً بأن تتولى وزارة التعليم تنظيم عملية الرسوم المدرسية، وهذا القرار جاء بعد توجيه ملكي من الراحل الملك عبد الله - رحمة الله عليه - رفع الحد الأدنى لأجور المعلمين، حتى لا ينعكس ذلك على الأسرة من خلال رفع المدرسة لرسومها الدراسية. لكن في مضمون النص، دور الوزارة هو في مراقبة رفع الرسوم، بحيث يتم ذلك بعلمها وموافقتها بعد دراسة الحالة، ولا علاقة قانونية تلزمها تخفيض الرسوم الأصلية، وإلا سينسحب كثير من المستثمرين من هذا القطاع، خاصة المدارس المتميزة ذات المخرجات النوعية.
والواقع أن كثيراً من المدارس بادرت بتخفيض رسومها بشكل ملحوظ من دون تدخل من الوزارة، هذا يدل على أن المستثمر يهمه العميل (الطالب) بالدرجة الأولى، ويخشى من انسحابه إلى مدرسة حكومية، خاصة أن التكلفة التشغيلية للمدرسة معظمها (أكثر من 70 في المائة)، مرتبات للهيئة الإدارية والتدريسية، والتي ستقوم بعملها وفق نظام رصد ومتابعة. كما أن المعلم مطالب بالحضور يوماً واحداً في الأسبوع على الأقل، وفي المتوسط يومين إلى 3، هذا يعني كلفة إضافية للصيانة والأمن. من المهم أخيراً التذكير، بأنَّ قرار الوزارة باعتماد التعليم عن بُعد ليس قرارها وحدها، بل كان إجماعاً من لجنة تضم وزارات الصحة، وتقنية المعلومات، والموارد البشرية.
الحقيقة أن هذا الظرف الاستثنائي فرض إجراءات لم تكن في الحسبان، لكنه أيضاً منحنا فرصة كبيرة للمراجعة وإعادة التفكير في كثير مما كان يعتبر من المسلمات، ومنها نظام التعليم.