بقلم - أمل عبد العزيز الهزاني
محافظات عراقية خرج أهلها محتجين على سوء الخدمات والإهمال الحكومي للتنمية في محافظاتهم، يطلبون الماء والكهرباء بعد أن قطعتها عنهم إيران، ويبحث رئيس وزراء حكومتها حلولاً بديلة لدى الجارة السعودية.
لا يوجد تعتيم وخبايا هذا واقع الحال ببساطة. للمتظاهرين مطالبات محقة ومستعجلة منها عودة التكييف ومياه الشرب النقية لبيوتهم في أجواء مناخية ساخنة أشبه بالأفران. أثارت إيران حنق العراقيين بالتضييق عليهم في فترة الصيف لتهرب إلى الأمام في أزمتها الحالية والمرتقبة مع الولايات المتحدة لا يفترض أن يتحمله الناس، وحتى لو اندس خلال هذه الاحتجاجات مخربون عملاء لإيران أو تنظيم داعش، هذا لا ينفي حق المتظاهرين في مطالباتهم، وتبقى المسؤولية على الحكومة في تأمين المظاهرات وتلبية المطالب.
المفارقة العجيبة في الموضوع العراقي أن مسؤولين في الدوحة يشعرون بالقلق على العراقيين! يرسلون إخباريات ورسائل للمحتجين في جنوب ووسط العراق يناصحونهم بأن عليهم ألا ينساقوا للمحرضين وأصحاب الأجندات السياسية! ويكررون بأن ما يحصل في العراق من احتجاجات هو بسبب تدخل دول خليجية لا تبغي الاستقرار للعراقيين. طبعاً هم لا يقصدون سلطنة عمان أو الكويت بل يشيرون بشكل مباشر للسعودية.
علينا أولاً ألا ننسى أن يوسف القرضاوي، مفتي النظام القطري، خرج بجسارة قبل عام مفاخراً بأن قطر هي من دعمت الثورات في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا، وأن الفضل يعود إليها في خروج الناس وقلب أنظمة الحكم، لأن الدعم المالي والسياسي والإعلامي القطري لم ينقطع في تلك المرحلة. ربما يكون هذا التباهي من القرضاوي أصدق ما قاله من حديث.
فمع علمنا بأن قطر هي الصرافة الإلكترونية التي دعمت كل الفوضى في المنطقة منذ 2011، وسوقت إعلامياً لهذه الثورات، وساقت التهم ضد معارضيها، يبدو من المستغرب أن قطر الممولة والمحرضة تخرج برداء الحملان تدعو المحتجين في البصرة وكربلاء والنجف للتهدئة والتزام منازلهم. موقف قطر السلبي من خروج المتظاهرين العراقيين للشوارع لا يقدم ولا يؤخر، ولكنه تسجيل موقف لكسب المزيد من ود طهران، وتغطية للصفقة الفضيحة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ بعد أن كشف غطاءها أكثر من مصدر إعلامي غربي، وهي صفقة المليار دولار التي قدمتها الدوحة لحزب الله العراق ولبنان وجبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، وقاسم سليماني، مقابل الإفراج عن رهائن قطريين ذهبوا للصيد في جنوب العراق قبل عامين. لا المال فحسب، بل شملت الصفقة أيضاً هدايا عينية من شقق في بيروت وساعات رولكس للوسطاء والمرتزقة الذين انتهزوا فرصة حلب البقرة.
مليار دولار هي ميزانية حزب الله في سنتين، أكبر ميليشيا إيرانية في المنطقة، تقاسمتها التنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية في أيام. ومع أهمية المال في الدعم اللوجيستي والشخصي للإرهابيين، ترافق مع الصفقة كذلك تسويات راح ضحيتها سكان قرى سوريين هجرّوا قسراً من بلداتهم لتغيير ديموغرافية سوريا، إضافة لإطلاق سراح متبادل لأسرى بين جبهة تحرير الشام والحرس الثوري الإيراني ضمن تسوية الصفقة التي كان سمسارها سفير الدوحة في بغداد زايد الخيارين. دعم مباشر للإرهابيين، طائرة محملة بأكثر من مليار دولار نقداً تقاسمتها الميليشيات التي أجرمت في حق العراقيين والسوريين واللبنانيين وعاثت في البلدان العربية قتلاً وتشريداً.
أن تأتي نصائح من القطريين للمحتجين على قطع الماء والكهرباء في العراق أمر مثير للسخرية، من دولة داعمة للإرهاب والجماعات المسلحة وتسببت في دمار دول وتغييب مستقبلها.
قطر اليوم متهمة بأسوأ تهمة في الوقت المعاصر وهي الإرهاب. رسم لها نظامها الحاكم صورة ذهنية سيئة بين دول العالم، حتى إن بعض دبلوماسيها على قائمة المحظورين من دخول دول تخشى على نفسها من نشاطات تدعم الإرهابيين، كما هو حال السفير زايد الخيارين الذي رفضته أذربيجان سفيراً للدوحة لديها.
الدولة التي أشعلت المنطقة بالتحريض الإعلامي ودعمت الانقلابات والاحتراب في الدول العربية مالياً وسياسياً تعاني اليوم في داخلها من غضب شعبي عاجزة عن دفعه، يحمي شوارعها من المتظاهرين والغاضبين جنود مستوردون من دول أخرى، يسافر حاكمها لبلدان غربية لتحسين صورته بصفقات تسليح فتستقبله شعارات وملصقات تذكره بصفقة المليار دولار؛ الصفقة العار.دولة تبيح لنفسها إسداء نصائح للآخرين وتنظّر في الولاء للأوطان، وهي التي قننت الخيانة وشرعت الخطاب المتطرف.
الأيام دول. النكوص والخوف وترقب المستقبل بحذر جرعة مرّة سقاها النظام القطري لغيره، وعليه أن يتحمل اليوم مذاقها لأنه لا يملك أن يلفظها.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع