توقيت القاهرة المحلي 03:28:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

باكستان والدعايات التركية

  مصر اليوم -

باكستان والدعايات التركية

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

آمنت أنقرة بفشل استراتيجياتها مع أوروبا التي تستعد لفرض عقوبات عليها بسبب سلوكها الاستعدائي، وبفشلها مع المنطقة العربية التي همشتها بسبب سلوكها الاستعلائي، ومحاولة زج نفسها في ملفات عربية حساسة. ولأن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، رجل حالم، خرج من دائرة الواقع، تراه يبحث في كل الاتجاهات عن بدائل من الحلفاء، ومزيد من العلاقات التي قد يكون لها ثمن لا تستطيع تسديده في المستقبل، مثلما تفعل الآن في جنوب وسط آسيا مع القارة الهندية.

أهمية القضية لإردوغان ليست كما يحاول أن يبديها، بدعم المسلمين في تلك المناطق، بقدر ما هو تسويق لحلمه الشخصي حول قيادة العالم الإسلامي بالدرجة الأولى، إضافة إلى حرصه على أن تكون تركيا جزءاً من طريق الحرير الجديد، الذي يبدأ من العملاق الصين، ويمر عبر باكستان وإيران ثم تركيا إلى أوروبا، ومنافع لا حصر لها من مشروعات تتخذ هذه الدول محطات توقف.

تركيا اختارت النفاذ إلى آسيا من خلال باكستان، حيث تتوفر فيها كل مقومات التدخل؛ كونها بلداً مسلماً، ولها قضية عالقة، وهي كشمير. أي أنها بلد لديه نزاع، مثلما الوضع في سوريا وليبيا والعراق واليونان. النزاعات مدخل سهل، لأن تركيا تجيد فن الاصطفاف، وارتداء وشاح الدفاع لكسب موطئ قدم لها. هذا ما يفسر تطور العلاقات الباكستانية - التركية في السنوات الأخيرة، اقتصادياً وعسكرياً. كما أن باكستان دولة مهمة للغرب في ملف مكافحة الإرهاب، والعلاقة مع أفغانستان، إضافة لكونها قوة نووية إسلامية وحيدة. لكنها من جهة أخرى، تعاني إسلام آباد من وضع اقتصادي ضعيف نتيجة شح الموارد، ولديها ديون مستحقة للبنك الدولي، وهي تحاول الآن الاستعانة بالصين لإقراضها، رغم أن الدول العربية المسلمة كانت دائماً هي الداعم الاقتصادي لها. إردوغان لم يتعامل على المستوى الحكومي فقط، بل بدأ بالشارع الباكستاني، بالقوة الناعمة من خلال مسلسل «أرطغرل» الذي تابعه أكثر من 50 مليون باكستاني، متصورين أن أحداث المسلسل هي الوجه المثالي للقيادة الإسلامية التي يتوق لها كل مسلم. دغدغة مشاعر المسلمين بالدراما المتعلقة بزمان القوة العثمانية ليمنيهم بسراب عودة ذاك الزمان. واجتهد إردوغان أكثر، من خلال تقديم منح تعليمية حتى لمسلمي الهند ليتحولوا في توجهاتهم السياسية داخل تركيا إلى التصميم الذي يخدمه.

معضلة باكستان أنها تختزل مشكلاتها في كشمير، وترى العالم وتقيم علاقاتها مع العالم من هذه النقطة. القضية مهمة، لكن حلها في المحاكم الدولية وليس دبلوماسياً، لأن الهند، الخصم اللدود، لديها علاقات قوية وتزداد قوة مع دول إسلامية عربية، يأتي على رأسها المملكة العربية السعودية. الرياض مثلاً لم تجعل حرب اليمن ميزان قياس لتحالفاتها الدولية، لأن دبلوماسيتها بعيدة النظر.

إردوغان يحاول مع لعبة الوقت والاتفاقيات أن يوهم إسلام آباد أنها مضطرة للاختيار بين السعودية وبينها، واضعاً أمام باكستان تصريحاته النارية حول تأييده لها حول قضية كشمير، الوتر الحساس، حتى أن رئيس الوزراء الباكستاني رد له الجميل بإطلاق تصريحات مباشرة حول تأييده لتركيا في تحركاتها بشرق المتوسط وضد اليونان، ودعمها سياسياً ضد أرمينيا وشمال سوريا. وصل الأمر بإردوغان أن وعد بدعم قضية كشمير عسكرياً بإرسال مرتزقة من سوريا إليها، كما فعل في إقليم ناغورني قره باخ، وليبيا. هذا المشهد المعقد يوضح كيف صنع هذا الرجل شبكة من العداوات لتركيا في كل اتجاه، متناسياً أن الهند ليست قوة اقتصادية كبرى فحسب، بل عسكرياً أيضاً. نيودلهي ليست الوطية ولا عفرين، واستمرار استفزازها قد يصل لخط اللارجعة، وإن كنت لا أرجح أن تجازف تركيا بالدخول في مواجهة مماثلة، لأن تدخلاتها العسكرية عادة ما تكون في المناطق الرخوة، والهند لاعب مهم في آسيا، وعلاقاتها مع الدول العربية الكبرى وأوروبا والولايات المتحدة تعطيها قوة سياسية معززة.

ما الخيارات أمام باكستان؟ هل تسلم لتركيا، حتى وإن كان الثمن خسارة دولة مثل السعودية؟ هذه مجازفة كبيرة لمن يقرأ المشهد في الشرق الأوسط خلال العقد المنصرم. العلاقة السعودية الباكستانية عميقة، بحكم قيادة المملكة للعالم الإسلامي إضافة إلى أنها بلاد الحرمين، والتعاون العسكري بين البلدين منذ عقود، وباكستان مشاركة في التحالف العسكري الإسلامي، والتعاون الاستخباراتي كبير في ملف مكافحة الإرهاب. هذه العلاقة استراتيجية ليست آنية، وعلى المدى المتوسط والبعيد، ستدرك إسلام آباد أن الدعايات التركية ستورطها في مواجهات تعتقد أنها ستنجح مثلما نجح «أرطغرل» في زماناته. الظرف مختلف، التعاطي مع الواقع السياسي والجيوسياسي هو ما يحدد مصائر العلاقات والتحالفات وليست الدراما الدعائية. كشمير قضية مهمة لكل الدول الإسلامية، لكن جعلها معياراً للعلاقات مع الدول هو تحجيم لشأن باكستان، وإضرار بمصالحها الاستراتيجية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باكستان والدعايات التركية باكستان والدعايات التركية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024
  مصر اليوم - قائمة الفائزين بـجوائز الكرة الذهبية 2024

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon