بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني
الجاذبية الشخصية آسرة. وهي هبة من الله وليست مكتسبة، مهما حاول صنعها رواد تنمية الذات وتطويرها. قد تُصقل، لكنها لن تأتي من العدم؛ هي جزء من جينات الإنسان يولد بها. والكاريزما بطبيعتها تؤثر في عاطفة الناس أكثر من عقولهم، لذا نجد لها حيزاً كبيراً في رسم انطباع الناس في المنطقة العربية الذين تستهويهم الشخصية الجذابة المنمقة المفوهة، ويميلون إليها ميلاً كبيراً، وأينما ذهبت ذهبوا. الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان لديه تأثير على وجدان الشارع المصري خصوصاً والعربي عامة، لكن ليس أبعد من ذلك، لأن العالم الواسع لا يقيم ظاهر الشخصية، وخطاباتها، وسلاسة حديثها سوى أنها قشور، إنما المحك الحقيقي هو الفعل. بن لادن أيضاً مثال آخر، وتشي غيفارا، وغيرهما.
الكاريزما مفتاح للقلوب، إن كان صاحبها خطيباً أو شاعراً أو معلماً، لأن الإلهام هو معيار نجاح عملهم. لكن في السياسة الموضوع يختلف. الشخصية السياسية الجذابة عدا عن كونها نادرة، لأن السياسيين غير محبوبين عند العامة بالإجمال، فهي مطالبة بأكثر من الإلهام، رغم أهميته. يظل المقياس الحقيقي في الإنتاج، في القدرة على صنع التغيير الصحيح، في خلق مخرجات تتسق مع لغة الخطاب الملهمة. في التاريخ العربي الحديث، عبرت جملة من الشخصيات السياسية والفكرية تركت أثراً هائلاً على مبادئ المجتمع العربي وقيمه، سواء كانت هذه الشخصيات الكاريزمية عربية أم لا. حتى إننا بتنا نقيم الشارع والمثقف العربي على أنه سريع التأثر، مهووس بالشعارات الرنانة، سهل الانقياد لشخصية خطابية جذابة مهما كان منهجها أو أجندتها، لذلك توجع العرب كثيراً لأنهم سايروا شعورهم بالانجذاب للشخصية على حساب الواقع.
في مساحتي هذه، اخترت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، نموذجاً للإجابة عن سؤال مهم؛ هل تكفي الجاذبية الشخصية والقدرة على إثارة الإعجاب لخلق قائد ناجح؟
محمد بن سلمان ظهر في الإعلام ثلاث مرات خلال الشهر المنصرم؛ الأولى حينما وقف مطلقاً مشروعاً غير اعتيادي اسمه «ذا لاين»، وهي مدينة تشبه المدن في أفلام الخيال العلمي؛ يتم بناؤها وفقاً لمتطلبات العصر، من حيث النظافة البيئية وفق المعايير العالمية، والبنية التحتية المتكاملة، وفرص الترفيه. ظل الناس بعدها منبهرين بإطلالته لكنهم كانوا أيضاً يتحدثون عن المدينة الجديدة؛ كم تكلفتها؟ ومن سيسكنها؟ ومن المستثمرون...إلخ. كان المشروع نفسه محط تساؤل، وهذا هو الأمر الجوهري. الظهور الثاني كان لشرح الاستراتيجية الخمسية للصندوق السعودي السيادي، والكشف عن العمل لوصول أصول الصندوق بعد خمس سنوات إلى 4 تريليونات ريال، مع ضخ 3 منها للاستثمار و1.8 مليون وظيفة. الظهور الأخير كان خلال مقابلة في معرض فعاليات الدورة الرابعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي أعلن فيه أن العاصمة الرياض ستكون عاصمة المستقبل، وأن التركيز سيكون عليها لأنها تمثل ربع قوة العمل في المملكة، وحوالي نصف الناتج غير النفطي، واختيار الرياض لتكون جاذبة للناس، وبالتالي متطلبة للخدمات الجيدة، كما في نيويورك وطوكيو، حسب حديث ولي العهد، لأن البنية التحتية لمدينة الرياض قوية، بعد حوالي 50 عاماً من إدارة الملك سلمان لها. والواقع أننا لو قسنا الرياض بأي مدينة من مدن الشرق الأوسط من الناحية الخدمية والبنية التحتية فهي تتصدر باحتضانها أفضل الجامعات، وأقوى المدن الطبية، وأجود وسائل النقل والمواصلات والتقنية. هذا يعني بعبارة أخرى أن الرياض مهيأة لتتصدر مدن العالم في الجذب للعمل أو السياحة.
لماذا ذكرت ظهور ولي العهد السعودي وما علاقته بموضوع الكاريزما؟ كل وسائل الإعلام تفاعلت مع كل المناسبات الثلاث، عربياً وعالمياً، من المظهر الشخصي للأمير محمد وحتى التفاصيل الاقتصادية للمشاريع. الشباب، ليس في السعودية فقط بل في كل المنطقة، سارعوا لشراء قطعة شتوية كان يرتديها الأمير محمد بن سلمان في ظهوره الثاني، حتى إن الشركة المصممة أصدرت تصريحاً تشكر فيه الأمير محمد أنه وضع اسمها تحت الضوء، وهو شكر مستحق، إذ لم يتبق قطعة للبيع بعد انتشار اسم الشركة. الأمير محمد يملك لغة جسد مميزة، جريء، صوت أجش، مهيب، ثقة بالذات شاهدناها منذ توليه منصبه في لقاءاته مع كبار قادة العالم بكل أريحية وثبات. شخصية كاريزمية ملهمة وقوية. لكن لنلحظ أمراً مهماً؛ وهو أن ولي العهد السعودي لم يتحدث مرة واحدة عن تطلعات يفرضها على دول أخرى، ولا عن طموحات قيادية للمنطقة، ولا تدخل في شأن أي دولة بأي شكل كان، ولم يتطرق لنصرة أي آيديولوجيا، ولم يقلل من شأن أي دولة أو يحكم عليها، ولم ينادِ بالحشد والإبهار بالشعارات. شغله الشاغل هو إنهاء ما بدأه من مشروعات تخدم بلاده والبدء بما وعد به. الإعلام الخارجي شرقاً وغرباً كان جل تركيزه على حديث ولي العهد، عن ماهية المشروعات، وكم هي فرص المشاركة فيها، وقيمة المخرجات، لأن هذه الجوانب هي النجاح الحقيقي، هي المحتوى المطلوب.
كاريزما القائد الإداري، أي إداري، سواء في إدارة دولة أو مزرعة أو دكان، هي نقطة جذب إليه، وتخدمه، لكن ستبقى مجرد قشرة يمكن كشطها بفعل الزمن والمواقف الكاشفة. الأفعال، القدرة على التغيير الإيجابي، والعزم على ذلك، هي من يصنع المستقبل.
أما أن السعودية تملك قائداً يتمتع بالجاذبية الشخصية، وكذلك لديه القوة والاستطاعة على تحقيق حلمه وحلم مواطنيه بأن تكون بلاده متصدرة للتصنيفات العالمية في التنمية، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.