بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني
نحن نوشك على بلوغ عام كامل منذ غزو فيروس (كوفيد - 19) للعالم، وفرضه قيوداً غير مسبوقة في التاريخ الإنساني في حركة التنقل والتجارة.
ومع أن الإنسان تعرض لأوبئة على مر العصور، لكن لم يسبق أن حكم أي وباء مهما بلغ عدد ضحايا قبضته على الأرض كما فعل فيروس «كورونا». السبب بطبيعة الحال يرجع إلى وسائل التنقل السريع، الذي نقل الفيروس من أطراف الصين إلى جنوب البرازيل، ومن بريطانيا إلى أستراليا. التنقل السلس والسريع جاء في غير صالح البشرية هذه المرة. حتى الحروب العالمية لم تترك هذا الأثر بهذا الشكل الأفقي والرأسي. عام كامل تقريباً ونحن نعيش تجربة «الإغلاق» في زمن الانفتاح الهائل! مفارقة عجيبة. لكن الظرف الصحي فرض أحكامه وامتثل الجميع من حكومات وأفراد. كان التحدي الأولي إنجازاً أكبر قدر ممكن من اختبارات الفحص للكشف عن الإصابة، وفشل في هذا التحدي حتى تلك الدول الغنية، لأن الطلب تجاوز العرض، والملايين اضطروا للبقاء في منازلهم منعزلين عن أحبتهم حتى يعبروا الفترة الحرجة. لا شك أنها كانت تجربة قاسية نفسياً بشكل أساسي، حتى لمن لم تلحقهم إصابة، الترقب قد يكون أسوأ من حصول الحدث نفسه، ومع الإغلاق كلنا بتنا ننظر إلى آخر النفق إن كان هناك بصيص من نور.
لكن لطف الله لا حدود له، ونحن اليوم نتسابق في نقل البشائر حول لقاحات متعددة خرجت دفعة واحدة كلها أثبتت فاعليتها في كبح انتشار الفيروس، وتعزيز مناعة الجسم ضده، من دون أعراض جانبية مقلقة. العلم وحده هو الوسيلة التي أنقذت البشرية قديماً وحديثاً، على اختلاف الحالات الظرفية. والجيد في اللقاحات أن تنوعها جاء على أساس أن كل واحد منهم يعمل بآلية دفاع مختلفة، لكنها بالنهاية تستهدف محاصرة الفيروس. ومع سقف الآمال الذي ارتفع، يترقب الناس موعد صافرة الانطلاق، للعودة للحياة الطبيعية كما كنا قبل 2020، وأهم مظاهر العودة هو السماح بالسفر، الذي كان من أهم الإجراءات التي ضبطت انتشار الفيروس رغم كل سلبياته وأضراره التي لحقت بالكثيرين.
في السعودية، أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) الماضي أن الأول من يناير (كانون الثاني) موعد مرجح لفتح المنافذ الجوية والبرية والبحرية، لكن ربطت هذا الإجراء بما تراه وزارة الصحة حينها. والسؤال لا يزال قائماً، خاصة أن موسم الإجازة النصف سنوية اقترب، والناس تواقة للسفر ليس فقط للاستجمام، بل للإحساس بأمان العودة للحياة الطبيعية، ودلالة عبور مرحلة الخطر. فهل يمكن أن نسمع قريباً قراراً بهذا الشأن؟
حتى يمكننا فقط التخمين، علينا أن نتذكر أن حالة الاستقرار التي عاشتها المملكة وسط زوبعة انتشار المرض، وجرعات الهلع منه التي نسمعها كل يوم في نشرات الأخبار لم تكن سهلة. الإجراءات كانت صارمة لدرجة أنها مسّت الحج والعمرة، الشعائر، خوفاً على حياة الإنسان التي تقدمت في أهميتها على ما عداها. إضافة لإنفاق عشرات المليارات لتغطية تكاليف الفحص والعلاج الباهظة التي تكفلت بها الدولة مجانا للمواطنين والمقيمين (30 مليون نسمة). ومن عدد إصابة يومي بلغ خمسة آلاف في منتصف مايو (آيار) الماضي، نصل اليوم إلى حاجز المائة فقط مع بداية ديسمبر (كانون الأول). رحلة شاقة وتكاليف كبيرة على الحكومة والقطاع الخاص، لكن مرة أخرى حياة الإنسان أغلى ثمناً. لم يتوقف التعليم في أي فترة رغم تحديات الأعداد الكبيرة للطلبة، لأن البنية التحتية للتقنية قوية ورفعت من حالة استنفارها، لم يكن ذلك أمراً هيناً. حتى قمة مجموعة العشرين نجحت بامتياز في جدول أعمالها ومخرجاتها رغم التباعد. امتحانات صعبة عبرت خلالها السعودية، ولم أجد، رغم المتابعة، دولة استطاعت تجاوز مثل هذه الصعاب، من التزامات دولية وحماية ملايين البشر في مساحة واسعة.
ما ينتظره الناس اليوم هي أخبار سارة، تنبئ بزوال الغمة وانقشاعها، والتمتع بحرية التصرف والحركة كما في السابق. لكن علينا التذكير، أن النجاح في الوصول إلى اللقاحات، ومن ثم النجاح في نقله إلى السعودية وغيرها من الدول، هي مرحلة مفصلية تحتاج إلى خطة عمل دقيقة لضمان التوزيع العادل، والرياض التزمت في قمة العشرين مع بقية دول المجموعة أن تنال الدول الفقيرة نصيبها من اللقاح الذي يكفل لها النجاة. المسؤولية على السعودية تشمل السعوديين وغيرهم من مقيمين على أرضها أو خارجها، وهذا قدر الكبار ولا مناص منه ولا شكوى. أما في الداخل فوزارة الصحة مع الجهات المختصة كوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والداخلية والتعليم، فستتكفل بتنفيذ الخطة إن اعتمدت هيئة الغذاء والدواء اللقاح المناسب. هذا يعني أننا نحتاج مزيدا من الوقت، ولا حاجة للعجلة، لأن العبرة دائما بالخواتيم.
سيتاح السفر وسنسعد بالعودة إلى الحياة المعتادة، لكن يتبقى علينا القليل من الصبر حتى يكون العالم أكثر أمناً، والسفر قاضٍ للحاجات وليس جالباً للأزمات. خطة توزيع اللقاح ستكون محكمة، وستكون التقنية شريكاً أساسياً في تنظيم العملية، مثلما كانت خلال هذا العام في إجراءات الفحص والمعاينة والإبلاغ عن الإصابات. شخصياً، لا أنصح بالاستعجال، النور في آخر النفق، لكن علينا أن نمشي إليه بحذر وتؤدة.