توقيت القاهرة المحلي 17:48:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعودية وقوتها الناعمة

  مصر اليوم -

السعودية وقوتها الناعمة

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

استغلال القوة الناعمة، أو استحداثها، واصطناعها، هو أهم ما يمكن أن تقوم به دولة تمتلك رؤى استراتيجية حول مستقبلها، مقدرة المخاطر التي قد تمر من خلالها، وتستبق الأزمات قبل حدوثها بأرضية صلبة.
القوى الناعمة أدواتها كثيرة، والجيد أن لا حدود لحصرها. وخلال كل عقد زمني، ستظهر لنا أوجه جديدة منها، سيلتقطها الفطِن، ويستثمرها لصالحه في زمن تتغير فيه الأحداث بشكل متسارع، فإما أن يلحق بالقطار أو يركض لاهثاً بجانبه، لكن لا مجال للانتظار في المحطة.
القوة الناعمة بشكل عام هي القدرة على توصيل ونقل مفاهيم وقيم معينة إلى العالم، سواء كان جمهور الناس أو الدول ومؤسساتها، طبعاً في حالة ما إذا كانت لديك فعلياً أدوات لتقديم هذه المفاهيم. القوة الناعمة، التي منها وسائل الاتصال والإعلام بكل أدواته غنية عن التعريف، لأنها مباشرة ومجربة، وكل دولة تجتهد لتقديم نفسها للشعوب الأخرى باستخدام إعلامها الذي يعكس هويتها والتوجه السياسي لقيادتها.
أكبر دولة رأت أنها بحاجة لاستخدام القوة الناعمة للتأثير على الشعوب الأخرى بقيمها ومفاهيمها وثقافتها هي الولايات المتحدة، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وهي أيضاً الدولة الأكثر نجاحاً في هذا الجانب. استخدمت أميركا الثقافة بما فيها ترجمة الكتب والمنح التعليمية، والفنون من خلال صناعة الأفلام، والسياحة والترفيه، وغيرها، لتحسين صورتها ونقل ثقافتها إلى كل شعوب العالم. إن كانت أميركا قامت بإنفاق مليارات الدولارات لتضع نفسها في مقدمة العالم ثقافياً وعلمياً وفنياً، وهي الدولة العظمى، فكم هي حاجتنا نحن في الشرق الأوسط لبث ثقافتنا وللاتصال بالجماهير والشعوب اتصالاً إيجابياً، والأهم تعزيز المصالح المشتركة التي تؤسس لعلاقات عميقة يصعب خلخلتها تحت أي ظرف طارئ أو أزمة.
السعودية نموذج واضح جداً لإعادة صياغة استراتيجية الاتصال والتخاطب مع الآخرين. ولن أبتعد، سأعطي مثالين حصلا خلال الأسبوع الماضي فقط. الأول كان قرار الحكومة السعودية عزمها إيقاف التعاقد مع أي شركة ومؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة غير أرض المملكة، وسيسري القرار بعد ثلاثة أعوام. مدة كافية للشركات للإعداد والتجهيز اللوجيستي. وبالفعل، أعلنت 24 شركة عالمية خلال منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار عن نقل مقراتها الإقليمية إلى العاصمة الرياض. كيف نقرأ هذا القرار؟ أول قراءة موضوعية أن السعودية بذلت جهداً كبيراً لتعزيز بيئة الاستثمار خلال السنوات الماضية، لجذب رؤوس الأموال، وأهم وسائل التعزيز نقطتين؛ التشريعات، والمشروعات. التشريعات التي تحفز الشركات على الدخول للسوق السعودية مثل إعفاء هذه الشركات من ضريبة الدخل. أما المشروعات فهي ضخمة وتستوعب عمالقة الشركات العالمية في أكثر من مجال، مثل مشروع نيوم، والبحر الأحمر، و«ذا لاين»، ومشروعات الرياض العاصمة التي اختيرت من قبل ولي العهد السعودي لتكون من أكبر 10 اقتصادات في العالم. هل استقطاب المراكز الإقليمية للشركات يدخل ضمن استخدام القوة الناعمة؟ قطعاً نعم. هذا يعني الاتصال والتواصل مع العالم من خلال محركات اقتصادية ضخمة، وبالتحديد تجذير المصالح المشتركة بيننا وبين دول العالم. لاحظنا كيف هرعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتهدئة الأوضاع في هونغ كونغ عندما نشبت فيها المظاهرات، ووعدت واشنطن، بكين، بأن لا تتدخل. لماذا؟ لأن هونغ كونغ مركز لشركات كبرى أميركية وأوروبية سيلحق بها ضرر وشيك في حال تزعزع استقرارها. الشركات هناك يمكن أن نطلق عليها ما يسمى «جماعة المصلحة». هذه الجماعات هي قوة ناعمة للتواصل مع الجمهور وللاتصال مع الحكومات.
المثال السعودي الثاني، هو استضافة الرياض لكأس السعودية العالمية لسباق الخيل. ما حصل هو تجمع عالمي على درجة عالية من التنظيم، وقيمة فوز مالية هي الأعلى في العالم. كان الحضور متعدد الجنسيات وبتغطية إعلامية كبرى. ولأن السائد في مثل هذه السباقات ارتداء الحضور للزي الوطني للبلد المضيف، وجه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بارتداء السعوديين للباسهم الوطني بتنوعه الجغرافي المناطقي. لذلك كانت أبرز صورة ظهرت في وسائل الإعلام هي حضور النساء السعوديات بأزياء وطنية شعبية خلابة، فائقة الجمال، أضفت على الحفل هوية البلد المضيف في صورة بهية غير مسبوقة. الرسالة التي وصلت للعالم، ليس أن الحكومة السعودية مكنت المرأة من العمل وقيادة السيارة والنظام العدلي فقط، بل قدمت المرأة السعودية شريكاً في التعريف الثقافي بالموروث الوطني، والتواصل مع الحضور الأجنبي بالهوية السعودية بكل تفاصيل جمالياتها، إضافة إلى حضور الموسيقى السعودية وفنون النحت والأكلات الشعبية.
أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها السعودية متعددة وتلامس عدة مناحٍ، ومع الثورة الإصلاحية التي تمر بها الدولة في كل اتجاه خلال رحلة «الرؤية 2030» سيولد مع كل مشروع فكرة، ومع كل استراتيجية مبادرة، لمزيد من الانفتاح على العالم، بشكل متحضر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية وقوتها الناعمة السعودية وقوتها الناعمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon