بقلم - أمل عبد العزيز الهزاني
رغم ما يبدو على السياسة العمانية من هدوء وحذر في المواقف والتصريحات، لكنها في حقيقة الأمر هي الدولة العربية الوحيدة التي تملك علاقات جيدة مع الأطراف الرئيسية المؤثرة في المنطقة: دول الخليج، إيران وإسرائيل. والذي يميز السلطنة عن غيرها من الدول التي حاولت أن تتخذ الوضع نفسه، أنها واضحة، وتمارس سيادتها في منهجها السياسي علناً دون إخفاء أو مراوغة أو تبرير لأحد، بعلاقات في النور وبشكلها الرسمي. وهذه العلاقات مع الأطراف المتناقضة تمارسها السلطنة لأهداف قد لا ترضي الآخرين ولكنها كافية بالنسبة لها.
ولأن مسقط في هذا الموقع، فهي تحاول أن تؤدي دور الوسيط في القضايا الرئيسية؛ الحرب في اليمن، القضية الفلسطينية، والعقوبات الاقتصادية على إيران. أهم ثلاث قضايا على الساحة. وسواء نجحت أم أخفقت في هذا الدور فهذا لا يغير من واقع أن السياسة العمانية لها رؤية مختلفة حول ما هو محظور وما هو مقبول بالنسبة لعلاقاتها الدولية. وعلى هذا الوجه، تختلف مسقط عن معظم دول الخليج في الموقف من إيران؛ العدو المباشر لمعظم الدول الخليجية، لكنها ماضية في علاقة تنظر إليها أنها علاقة تاريخية منذ عهد الشاه محمد بهلوي الذي قدم مساعدة إلى السلطنة أسهمت بشكل مباشر في استقرارها. وفقاً لهذا الأساس، تسير السلطنة في علاقتها مع إيران رغم كل ممارساتها العدائية ضد دول المنطقة، وسوء سمعتها الدولية.
زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته إلى مسقط قبل أيام هي جزء من الصورة الخاصة التي تنفرد فيها عمان عن بقية الدول. الزيارة بثتها القنوات التلفزيونية الرسمية، في مشهد قلما يندر أن نراه.
إقامة علاقة مع إسرائيل ليس هو لب المشكلة، فهي أمر واقع، وجزء من منطقة الشرق الأوسط، وللعرب معها خلاف يفترض أن تحاول كل الدول العربية والقوى الدولية حسمه أو الخوض فيه، كل دولة بحسب ما تستطيع أن تقدمه، وبالنهاية حل المشكلة هو لصالح الفلسطينيين والعرب بالدرجة الأولى. وقد سرت الكثير من الشائعات حول المغزى العماني من دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة مسقط؛ هل هو بهدف حلحلة الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مشروع المبادرة العربية أو ما سمي بصفقة القرن؟ أم لأجل الوساطة لصالح إيران قبل أقل من أسبوع على فرض عقوبات أميركية غير مسبوقة عليها؟
فيما يخص القضية الفلسطينية، فيمكن القبول بوسيط عربي مثلما نقبل بالوسيط الأميركي أو الأوروبي، وإن افترضنا جدلاً أن القضية الفلسطينية من ضمن أجندة مسقط مع نتنياهو، وأيا كان مشروع السلام المطروح، فإن مصر حجر أساس في المفاوضات المنشودة، والسعودية أساس في القبول بالحل النهائي فيما يتعلق بوضع القدس. لكن تظل أي خطوة من أي طرف عربي أو غير عربي في اتجاه السلام مقبولة ومقدّرة.
ولا نستطيع أن نتجاهل أن الزيارة الفريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي جاءت في توقيت حساس للمنطقة، نظراً لاقتراب موعد العقوبات الاقتصادية على تجارة الطاقة في إيران، ومراقبة منافذها لفرض حصار على التصدير، والتي يبدو أنها تستجدي التريث الأميركي من خلال الوساطة العمانية، بعد محاولات تهدئة فاشلة في لهجة التصريحات الإيرانية مؤخرا واستعدادها للحوار مع واشنطن، حتى إن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف صلى من أجل القتلى اليهود في حادثة بنسلفانيا الأخيرة.
من وجهة نظري، أن الوساطات أياً كان نوعها وفي أي ملف كان، بالإمكان إتمامها سراً بعيداً عن الأضواء الإعلامية ودون أن تتعرض المسألة لنقد الشارع العربي، لكن ربما تريد مسقط بناء صورة ذهنية جديدة عن دور عماني في القضايا الكبرى بدءاً من كسر حاجز الممنوع بينها وبين إسرائيل، وأن تظهر شجاعة في تبيان مواقفها، بخلاف مثلا قطر التي تكتمت عن علاقتها بإسرائيل قبل عشرين عاماً، وبعد أن تكشفت مع الوقت اضطرت لتبريرها بأنها صلات تجارية من خلال المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة، وأن هذه العلاقة ستصب في مصلحة الفلسطينيين. وبطبيعة الحال لم تصب، بل حفرت هوة بين الفلسطينيين أنفسهم بانحياز نظام الدوحة إلى الفصائل المسلحة كالجهاد الإسلامي وحماس مع الإبقاء على علاقات وطيدة تجارية مع تل أبيب، علاقة بلا مبدأ.
بالنهاية، لا أحد من حقه المزايدة على الآخرين سواء عمان أو غيرها، في القضايا القومية أو الوطنية، طالما لم تمس مصالح الغير ولم تتضرر. سلطنة عمان لها أن تختار من الأصدقاء من تشاء، وأن تكون شريكاً في أي عمل سياسي، لكن يبقى الخط الفاصل هو مراعاة الأمن القومي لأي دولة أخرى.
نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع