توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السنوار السياسي البراغماتي

  مصر اليوم -

السنوار السياسي البراغماتي

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

أبدأ فيما انتهيت به في مقالي السابق: هل سيتعامل السنوار مع غزة، وحل الدولتين، والمفاوضات الجارية، بالعنجهية المعروفة عنه؟ هل هو الاختيار الأمثل للإسرائيليين في هذه المرحلة؟

بنيامين نتنياهو يحلم بخبر اغتيال السنوار، يريد، ويحتاج إلى خاتمة تعطيه لقب المنتصر وتخرجه من المعركة متبختراً، وتمهد له معركته القضائية الداخلية التالية بأقل الأضرار، فهو الوطني المخلص الذي قضى على حركة «حماس» الإرهابية وأذل قياداتها، وهو شأن كبير سيؤخذ بالاعتبار إذا، وإذا فقط، دخل المحكمة. حاول نتنياهو ونجح في معظم محاولاته اصطياد قيادات «حماس» و«الجهاد الإسلامي» خلال السنوات الماضية، بعضهم من الصف الأول مثل محمد الضيف، رئيس أركان «كتائب القسام»، والصديق المقرب للسنوار، ومع ذلك يظل هذا الأخير حالة فريدة؛ السنوار هدف تكتيكي لا يشبه أي حالة سابقة حتى خالد مشعل. لماذا؟

باختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة «حماس»، تلاشت تماماً فكرة الفاصل بين الجانبين السياسي والعسكري للحركة. كانت بعض الدول العربية والغربية تحاول الحفاظ على الفارق بين الجناحين لترك الباب موارباً للتفاوض مع الجانب السياسي، على أمل التقدم للأمام خطوات وإن بدت قصيرة في حل النزاعات وفض التشابك. والحقيقة أن الفكرة نجحت في صناعة مجموعة من الهُدن الزمنية الطويلة بين إسرائيل والفصائل المسلحة، تركت لأهل غزة فسحة من الراحة والعيش بسلام، بل ونما وتطور قطاع غزة في البنيان وجودة الحياة، وتنفس سكانه هواء نظيفاً لا يلوثه غبار الهدد ورائحة البارود، كل ذلك جاء نتيجة لهذه الأوقات المستقطعة من الهدوء والسلام.

شكلياً، انتهى هذا العهد، اختلط السياسي بالعسكري؛ لأن يحيى السنوار رجل سلاح، قاسٍ وشرس، وله تاريخ في تخصص تعذيب وقتل الفلسطينيين المتهمين بالتخابر مع إسرائيل، عنيد وشجاع، لكن كل هذه الصفات ذات أهمية لإنجاز دوره، لكنها ثانوية عند أهم ما يحتاجه السنوار اليوم، وهي الشخصية البراغماتية، وهو بالفعل كذلك. السنوار لا ينظر باتجاه واحد كما يبدو، ولا يغلق خطوط الرجعة، ولم يتقدم كرئيس للحركة ليموت في غارة، ولم يتقدم كرئيس للحركة ليبقى خارج اللعبة السياسية التي تعطيه قيمته كقائد فعلي في المكان الذي يعتقد أنه يستحقه، وكان ينتظره منذ عقود، على الأقل ليس بهذه البساطة.

السنوار معروف بحديته في التفكير والقرار، لكن وقائع كثيرة تشهد بأنه عكس ذلك. يوماً ما، في حادثة مرضه خلال سجنه، أنقذه طبيب إسرائيلي من الموت بعد مرض أصاب مخه، وعاد الطبيب لزيارته في المستشفى واستقبله السنوار بامتنان كبير، بل قال له إنه مدين له بحياته. رجل بهذه العقلية، ذكي للدرجة أنه يعرف متى يرفع سلاحه وأين يصوبه. حتى خلال عمله كقائد للحركة في غزة منذ 2017، نجحت مساعيه السياسية فيما فشل فيه الآخرون، حيث حقق المصالحة مع النظام السوري بعد قصة خروجهم الشهيرة من دمشق في 2011، أيضاً وطد العلاقة مع النظام المصري وأصبح من الشخصيات القريبة منه، بل وأكثر من ذلك، كان عرّاب محاولات التقارب بين «حماس» والرياض.

كما يقول المثل الأميركي «ليست الأشياء كما تبدو».

إنما، السنوار الرأس المدبر لأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لن يقفز فجأة لكرسي الحكم ويمارس صلاحياته السياسية، وأكتوبر الذي أتى به إلى قمرة القيادة، سيظل مسجوناً بداخله طوال عمره. لكن من قال إن قيادات «حماس» أو «حزب الله» يشتكون من الاختباء تحت الأرض؟ الإشكال الكبير الذي يواجهونه هو أن إسرائيل قررت الانسحاب من الاتفاق الضمني بعدم المساس بقيادات الصف الأول، الذي كانت تحافظ عليه لسبب أهم من الالتزام مع واشنطن، وهو أنها لا تريدهم موتى في ذلك التوقيت. وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في عام 2021 صرّح بأن يحيى السنوار ومحمد الضيف هدفان مشروعان للاغتيال. رد عليه السنوار بخروجه مشياً إلى شوارع غزة متجولاً في طريقه إلى بيته وهو يتحدى غانتس أن يقصفه بصاروخ من طائرة إف-16. لم يفعل الوزير، رغم أن الهدف كان مكشوفاً، فهل كان غانتس يخشى من السنوار؟ القصة في التوقيت وقيمة الاغتيال.

في ظل كل هذه المعطيات، ما المتوقع من مفاوضات وقف الحرب في غزة؟

المصالح متباينة سواء السياسية أو الشخصية بين الرجلين؛ نتنياهو والسنوار. نتنياهو يطمح إلى هتافات النصر والنجاة من المحاكمات، والسنوار يريد التتويج على كرسي حكم غزة مدى الحياة، التي يسعى أن تكون طويلة. الوسطاء هم من سيعالجون متطلبات الطرفين، وبالتحديد الولايات المتحدة؛ السنوار يطلب ضماناً بعدم التعرض لحياته، وحياته هي الهدف الذي يسعى له نتنياهو ليضع عنواناً لانتصاره، وهو اليوم مزود برادارات أميركية دقيقة لتحديد موقعه واقتناصه، لذلك السنوار الآن تحت ضغط تهديد حياته، والصحيح أن من يرصده ويقدم المعلومات للاهتداء بها هي واشنطن. على السنوار الخضوع للمطالبات الرئيسية؛ إطلاق كل المحتجزين الإسرائيليين، ووقف كل العمليات المسلحة بهدنة مفتوحة.

ماذا عن نتنياهو، ما الذي سيرضيه؟ تقديم المزيد من الأسلحة الأميركية النوعية لا يخدمه شخصياً. التمسك بالبقاء في محور فيلادلفيا ورقة ضغط ستسبب له القلق أكثر من المصلحة، لكنه قد يتمسك بها كورقة وحيدة يرفضها الفلسطينيون، حالة مؤقتة، ممنياً نفسه بها، حتى يتغير رجل البيت الأبيض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السنوار السياسي البراغماتي السنوار السياسي البراغماتي



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon