توقيت القاهرة المحلي 21:08:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السنوار السياسي البراغماتي

  مصر اليوم -

السنوار السياسي البراغماتي

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

أبدأ فيما انتهيت به في مقالي السابق: هل سيتعامل السنوار مع غزة، وحل الدولتين، والمفاوضات الجارية، بالعنجهية المعروفة عنه؟ هل هو الاختيار الأمثل للإسرائيليين في هذه المرحلة؟

بنيامين نتنياهو يحلم بخبر اغتيال السنوار، يريد، ويحتاج إلى خاتمة تعطيه لقب المنتصر وتخرجه من المعركة متبختراً، وتمهد له معركته القضائية الداخلية التالية بأقل الأضرار، فهو الوطني المخلص الذي قضى على حركة «حماس» الإرهابية وأذل قياداتها، وهو شأن كبير سيؤخذ بالاعتبار إذا، وإذا فقط، دخل المحكمة. حاول نتنياهو ونجح في معظم محاولاته اصطياد قيادات «حماس» و«الجهاد الإسلامي» خلال السنوات الماضية، بعضهم من الصف الأول مثل محمد الضيف، رئيس أركان «كتائب القسام»، والصديق المقرب للسنوار، ومع ذلك يظل هذا الأخير حالة فريدة؛ السنوار هدف تكتيكي لا يشبه أي حالة سابقة حتى خالد مشعل. لماذا؟

باختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة «حماس»، تلاشت تماماً فكرة الفاصل بين الجانبين السياسي والعسكري للحركة. كانت بعض الدول العربية والغربية تحاول الحفاظ على الفارق بين الجناحين لترك الباب موارباً للتفاوض مع الجانب السياسي، على أمل التقدم للأمام خطوات وإن بدت قصيرة في حل النزاعات وفض التشابك. والحقيقة أن الفكرة نجحت في صناعة مجموعة من الهُدن الزمنية الطويلة بين إسرائيل والفصائل المسلحة، تركت لأهل غزة فسحة من الراحة والعيش بسلام، بل ونما وتطور قطاع غزة في البنيان وجودة الحياة، وتنفس سكانه هواء نظيفاً لا يلوثه غبار الهدد ورائحة البارود، كل ذلك جاء نتيجة لهذه الأوقات المستقطعة من الهدوء والسلام.

شكلياً، انتهى هذا العهد، اختلط السياسي بالعسكري؛ لأن يحيى السنوار رجل سلاح، قاسٍ وشرس، وله تاريخ في تخصص تعذيب وقتل الفلسطينيين المتهمين بالتخابر مع إسرائيل، عنيد وشجاع، لكن كل هذه الصفات ذات أهمية لإنجاز دوره، لكنها ثانوية عند أهم ما يحتاجه السنوار اليوم، وهي الشخصية البراغماتية، وهو بالفعل كذلك. السنوار لا ينظر باتجاه واحد كما يبدو، ولا يغلق خطوط الرجعة، ولم يتقدم كرئيس للحركة ليموت في غارة، ولم يتقدم كرئيس للحركة ليبقى خارج اللعبة السياسية التي تعطيه قيمته كقائد فعلي في المكان الذي يعتقد أنه يستحقه، وكان ينتظره منذ عقود، على الأقل ليس بهذه البساطة.

السنوار معروف بحديته في التفكير والقرار، لكن وقائع كثيرة تشهد بأنه عكس ذلك. يوماً ما، في حادثة مرضه خلال سجنه، أنقذه طبيب إسرائيلي من الموت بعد مرض أصاب مخه، وعاد الطبيب لزيارته في المستشفى واستقبله السنوار بامتنان كبير، بل قال له إنه مدين له بحياته. رجل بهذه العقلية، ذكي للدرجة أنه يعرف متى يرفع سلاحه وأين يصوبه. حتى خلال عمله كقائد للحركة في غزة منذ 2017، نجحت مساعيه السياسية فيما فشل فيه الآخرون، حيث حقق المصالحة مع النظام السوري بعد قصة خروجهم الشهيرة من دمشق في 2011، أيضاً وطد العلاقة مع النظام المصري وأصبح من الشخصيات القريبة منه، بل وأكثر من ذلك، كان عرّاب محاولات التقارب بين «حماس» والرياض.

كما يقول المثل الأميركي «ليست الأشياء كما تبدو».

إنما، السنوار الرأس المدبر لأحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لن يقفز فجأة لكرسي الحكم ويمارس صلاحياته السياسية، وأكتوبر الذي أتى به إلى قمرة القيادة، سيظل مسجوناً بداخله طوال عمره. لكن من قال إن قيادات «حماس» أو «حزب الله» يشتكون من الاختباء تحت الأرض؟ الإشكال الكبير الذي يواجهونه هو أن إسرائيل قررت الانسحاب من الاتفاق الضمني بعدم المساس بقيادات الصف الأول، الذي كانت تحافظ عليه لسبب أهم من الالتزام مع واشنطن، وهو أنها لا تريدهم موتى في ذلك التوقيت. وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في عام 2021 صرّح بأن يحيى السنوار ومحمد الضيف هدفان مشروعان للاغتيال. رد عليه السنوار بخروجه مشياً إلى شوارع غزة متجولاً في طريقه إلى بيته وهو يتحدى غانتس أن يقصفه بصاروخ من طائرة إف-16. لم يفعل الوزير، رغم أن الهدف كان مكشوفاً، فهل كان غانتس يخشى من السنوار؟ القصة في التوقيت وقيمة الاغتيال.

في ظل كل هذه المعطيات، ما المتوقع من مفاوضات وقف الحرب في غزة؟

المصالح متباينة سواء السياسية أو الشخصية بين الرجلين؛ نتنياهو والسنوار. نتنياهو يطمح إلى هتافات النصر والنجاة من المحاكمات، والسنوار يريد التتويج على كرسي حكم غزة مدى الحياة، التي يسعى أن تكون طويلة. الوسطاء هم من سيعالجون متطلبات الطرفين، وبالتحديد الولايات المتحدة؛ السنوار يطلب ضماناً بعدم التعرض لحياته، وحياته هي الهدف الذي يسعى له نتنياهو ليضع عنواناً لانتصاره، وهو اليوم مزود برادارات أميركية دقيقة لتحديد موقعه واقتناصه، لذلك السنوار الآن تحت ضغط تهديد حياته، والصحيح أن من يرصده ويقدم المعلومات للاهتداء بها هي واشنطن. على السنوار الخضوع للمطالبات الرئيسية؛ إطلاق كل المحتجزين الإسرائيليين، ووقف كل العمليات المسلحة بهدنة مفتوحة.

ماذا عن نتنياهو، ما الذي سيرضيه؟ تقديم المزيد من الأسلحة الأميركية النوعية لا يخدمه شخصياً. التمسك بالبقاء في محور فيلادلفيا ورقة ضغط ستسبب له القلق أكثر من المصلحة، لكنه قد يتمسك بها كورقة وحيدة يرفضها الفلسطينيون، حالة مؤقتة، ممنياً نفسه بها، حتى يتغير رجل البيت الأبيض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السنوار السياسي البراغماتي السنوار السياسي البراغماتي



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon