توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا بين حسابات الشرق والغرب

  مصر اليوم -

ليبيا بين حسابات الشرق والغرب

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

بكل شفافية، أوفد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وزير ماليته محافظ البنك المركزي، صهره براءت ألبيرق إلى طرابلس مرافقاً لمدير المخابرات ووزير الخارجية. في ظروف كالتي تمر بها ليبيا من تصاعد للعنف المسلح، لا يوجد مكان لوزير مالية، لكن إردوغان لم يأبه لا بالعرب ولا بالمجتمع الدولي وأرسل مسؤول الجباية إلى فائز السراج رئيس الحكومة المنتهية صلاحيتها. تركيا تريد النفط الليبي، هذه خلاصة أولى لكل المجهود الذي تبذله تركيا لتحويل ليبيا إلى سوريا أخرى.
الخلاصة الثانية تكمن في نزعة السيطرة التي تعتمر صدر إردوغان وهي تبدو جليّة، والتاريخ مليء بشخصيات تشعر أنها الأعظم والأقوى فيفوتها مراجعة حسابات مهمة.
من أهم الحسابات أن الحرب السورية المستعرة منذ تسعة أعوام استنزفت كثيراً من قوى أطرافها؛ النظام السوري، والميليشيات الداخلية «داعش» و«جبهة النصرة»، وحتى الروس. سوريا استهلكت المجهود الحربي لكل الأطراف، بسبب طول مدة الاحتراب والإنفاق الهائل عليها، ومن الصعب أن تتكرر الحالة السورية في ليبيا.
ونذكر أن الرئيس فلاديمير بوتين صرّح قبل عام بأن «روسيا ليست فرقة إطفاء ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء»؛ قالها في معرض الحديث عن أصدقائه الإيرانيين بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي. لكن التدخل الروسي في ليبيا له جذور تاريخية. العلاقة الروسية - الليبية قديمة، وعلاقة بوتين بالديكتاتور معمر القذافي كانت متينة، وقبل اغتياله في 2011 كان القذافي قد أباح الموانئ الليبية في طبرق ودرنة للروس، وكانت روسيا الحليف الأكبر له، وربما لو كان حياً لتردد بوتين كثيراً قبل التدخل في سوريا الفقيرة بالموارد النفطية. الروس في ليبيا اليوم من خلال شركة فاغنر العسكرية التابعة لبوتين، تؤمّن مقاتلات منذ يناير (كانون الثاني) هذا العام، وهذا ما حمل الأميركيين على استخدام شراهة إردوغان للتوسع، وميله لجماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا، لأن يتدخل بما يملك من إمكانات لخلق توازن أمام الدعم الروسي للمشير خليفة حفتر، خشية من وجود دائم للروس في المنطقة.
عدد سكان ليبيا منخفض (سبعة ملايين نسمة)، ومساحتها شاسعة (1.8 مليون كلم مربع)، لذلك يفتقر الجيش وحتى حكومة السراج إلى مسلحين، ويحاول الطرفان تحقيق التوازن العددي من خلال الاستعانة بقوى خارجية.
بشكل عام هذا هو الوضع في ليبيا اليوم، فمن القوة الغالبة في ساحة التسابق الليبية؟
في رأيي أن لا أحد يريد حرب مواجهة حقيقية بين الطرفين الليبيين، لا الغرب ولا الروس. أما تركيا التي تستعرض قوتها في شمال العراق وشمال سوريا وغرب ليبيا، فهي في الحقيقة لم تخض حرب مواجهة حتى ضمن تدخلاتها المتطفلة في سوريا. تركيا دخلت عفرين شمال سوريا من دون مواجهات فعلية، بدليل أن ضحاياها معظمهم من المدنيين الأكراد، لا تنظيم «داعش»، الذي يعدّ حليفها، ولا جيش النظام السوري الذي لا تتجرأ على مواجهته خشية من الروس. وتستخدم لذلك مرتزقة سوريين، وكذلك تفعل في ليبيا، تضرب بطائرات الدرونز وتقاتل على الأرض بمرتزقة سوريين، وفي شمال العراق تضرب بالمدفعيات أو المقاتلات الجوية ثم تعود أدراجها... فعلياً لم يخض الجيش التركي معركة حقيقية على الأرض. فهل تفعلها تركيا في ليبيا؟
الأرجح أن الموقف المصري الحازم الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي سيغير كثيراً في المعادلة، بعد تلويحه بالتدخل العسكري، ما يحتم مواجهة مصرية - تركية عسكرية لا تريدها أنقرة، لأن القاهرة لن تتدخل لإقامة قواعد عسكرية ولا لنهب النفط الليبي بل دفاعاً عن نفسها. كما أن الموقف العربي الذي بدأ يشكل لغة رفض للوجود التركي على الأراضي العربية سينعكس كثيراً على الموقف الغربي، وربما الموقف الفرنسي مثال واضح على أن أوروبا لن تقبل بوجود تركي مقابل شواطئها. حتى الولايات المتحدة كسرت صمتها وبدأت تتحدث عن حل سياسي ووقف فوري للنزاع المسلح.
بالعودة إلى تركيا التي تعاني من ضائقة اقتصادية منذ 2018 إثر قضية توقيف القس الأميركي وضغط الرئيس ترمب على أنقرة اقتصادياً للإفراج عنه، فإن تأثير ضرب الليرة التركية لم يبرأ منذ ذلك الحين، بل إنها واصلت التراجع الحاد حتى وصلت اليوم إلى 6.8 مقابل الدولار.
وإضافة لأوجاع الليرة التركية، فإن الإنفاق العسكري خارج حدودها كان له تأثير بالغ على الحالة المعيشية للأتراك، هذا ما جعلها تؤسس قاعدة عسكرية لها في قطر، لتكون الدوحة رافداً مالياً مهماً لتسديد الفواتير الباهظة لمغامرات إردوغان. لكن في الحقيقة، ورغم أن قطر بدأت لأول مرة بإجراءات تقشفية داخلية خاصة مع أزمة جائحة «كورونا»، فهي لم تعد مصدراً كافياً من الناحية الاقتصادية، مع أهميتها السياسية كون الأتراك يستخدمون الورقة القطرية ضد السعودية والإمارات ومصر. تركيا تريد مدينة سرت الليبية وتسعى جاهدة للاستيلاء عليها ليكون النفط الليبي مورداً دائماً لها. من دون غاز قطر ونفط ليبيا لن تستطيع تركيا أن تصمد لا داخلياً ولا خارجياً.
المفارقة أن إردوغان يحتقر فكر «الإخوان المسلمين»، ونصحهم يوم تولوا حكم مصر في تلك السنة اليتيمة بأن يحذوا حذوه بتبني النظام العلماني، لكنه في الوقت نفسه يستخدمهم مطية لتحقيق أحلامه التوسعية؛ يتظاهر لهم أنه الملاذ الآمن، يستقبلهم في تركيا ويسمح لهم بفتح قنوات فضائية للتحريض ضد أي معارض للجماعة، وهو في قرارة نفسه سعيد بأن هذه العقيدة التي يزدريها هي من تدغدغ عواطفه باسم خليفة المؤمنين العثماني، وتدفع فواتير مغامراته.
وللموضوع الليبي عودة بمقال لاحق...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا بين حسابات الشرق والغرب ليبيا بين حسابات الشرق والغرب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon