توقيت القاهرة المحلي 14:11:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق في امتحان... حكومة وشعباً

  مصر اليوم -

العراق في امتحان حكومة وشعباً

بقلم: أمل عبد العزيز الهزاني

تشرّب العراق الوجود الإيراني أكثر مما يبدو. كل المؤسسات العراقية المهمة؛ الجيش والأجهزة الأمنية وحتى التعليم والجامعات، دبَّ فيها الإيرانيون طوال 16 عاماً كان العراق فيها مستباحاً بعد الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين.
انهيار نظام صدام وفشل الإدارة الأميركية في إدارة الفراغ كان بمثابة هدية لا تقدر بثمن للإيرانيين. من حينها وحتى اليوم، والعراق رهينة لكلمة من المرشد علي خامنئي في كل ما يخص إدارة الدولة، بما فيها الانتخابات وتشكيل الأحزاب، وبالطبع ميزانية الدولة الغنية التي ذهب نصيب كبير منها إلى خزانة الحرس الثوري.
هذه المقدمة للتذكير بأساس المشكلات التي يواجهها العراق اليوم، ودفعت بالناس للتظاهر وتعريض أنفسهم لخطر الموت للمطالبة بحقوقهم المشروعة كمواطنين، وبالعدالة الاجتماعية، وتوفير الخدمات الرئيسية والبنى التحتية، إضافة إلى مطلبهم المتكرر بمواجهة الفاسدين الذين نهبوا أموال الدولة وحولوها إلى دولة مديونة بقروض دولية بالمليارات. أن تكون البطالة في العراق 40 في المائة فهذا أمر لا يحصل إلا في الدول التي توشك على الانهيار الاقتصادي، وليس العراق الذي تتنوع موارده تحت الأرض وفوق الأرض، وأهمها موارده البشرية الفذة المهاجرة، التي لم تعد تأمن على نفسها فاضطرت للخروج آسفة على ما آل إليه العراق.
أعلى مطالبات سجلتها المظاهرات هي محاربة الفساد.
يرى العراقيون الغاضبون أن الفساد والمحسوبيات اختطفا قوت يومهم ومستقبلهم، لكن المشكلة في الواقع أن الفساد المالي في العراق ليس سرقة أو اختلاساً فقط، في الحالة العراقية الفساد المالي أساسه سياسي. بمعنى أكثر توضيحاً أن الجهات المختصة بمحاربة الفساد لا تستطيع مثلاً محاسبة شخصية أو زعيم سياسي أو حزب موالٍ لطهران، هذه الكيانات تتمتع بما يمكن تسميته حصانة المحتل. ويمكن قياس مشكلات البلد كلها على هذه القاعدة؛ البنى التحتية ضعيفة خصوصاً التي شهدت معارك ضد تنظيم «داعش»، خدمة الكهرباء والماء متردية، الوظائف شحيحة. ولا يمكن التعميم بأن من يحكم العراق هم الإيرانيون، لكن الحقيقة أن كثيراً من القيادات السياسية والعسكرية ولاءاتها بالدرجة الأولى لغير بلدهم. وإن كانت هذه هي الحال فلن تجد من يغضب بسبب زيادة نسبة الفقر مثلاً لأن انتماءهم وجدانياً ليس للعراق ولا للعراقيين.
كلنا يعرف أن المتظاهرين رغم مطالبهم المشروعة جوبهوا بمقاومة عنيفة وإطلاق رصاص حي من جماعات وقناصة ملثمين، حتى بعض أفراد الشرطة تخلوا عن دورهم في حماية المتظاهرين، وفسرها المحتجون على أنهم ليسوا عراقيين! الوضع في العراق أصعب من كل الدول العربية الأخرى التي تعاني احتراباً داخلياً أو تدخلاً أجنبياً، لأن الزمن لعب لعبته وكان أمام الإيرانيين وقت كافٍ للهيمنة على كل مفاصل الدولة العراقية مع خلو الساحة من غيرهم.
حكومة عادل عبد المهدي اليوم تتحمل عبء الفساد السياسي والإداري الذي جرى خلال الأعوام الماضية، ومطالَبة بتصحيح أوضاع تالفة من جذورها، وليس بيدها سوى تقديم الوعود ومطالبة المتظاهرين بمزيد من الوقت. حتى وعود رئيس البرلمان ومفاوضاته مع المتظاهرين ليست إلا وعود يصعب تحقيقها، أو بالأحرى يصعب تصديقها، لأن المظاهرات التي حصلت في العام الماضي مثلاً في جنوب العراق هدأت بوعود لم تُنفذ حتى الآن.
إن كانت هذه هي حال العراق فهل هذا يعني أن إيران سعيدة بهذه الفوضى؟ الحقيقة أن إيران تريد عراقاً هادئاً صامتاً راضياً بما هو عليه، وحرق الأعلام الإيرانية والترحم على نظام صدام من شيعة عراقيين فعل جريء غير مسبوق، هي تريد العراق كما تسيره منذ عقود، وتختار من سياسييه من ترضى عنه أو من يكون اختياره لصالحها. العراقيون الذين خرجوا للشارع هم من جميع المذاهب، سنة وشيعة، سئموا من عيشة الضنك لصالح سياسيين يقبضون ثمن مواقفهم السياسية. لا أحد يريد أن تعم الفوضى وتتفاقم الاحتجاجات، لكن من الضروري فهم احتياجات الناس وصبرهم الذي نفد في انتظار وعود ممن لا يملك.
الاحتجاجات الحالية هي ما يطفو فوق السطح من جبل الجليد، وفي العمق ما هو أكثر تعقيداً. إيران مثلاً، انتهزت فرصة فتوى «الجهاد الكفائي» ضد تنظيم «داعش» الذي أعلنه المرجع الديني علي السيستاني في 2015 لتشكيل فصائل مسلحة ثم تشريعها قانونياً من خلال البرلمان، وأصبح ما يسمى الحشد الشعبي، الذي هو مجموعة من فصائل مسلحة متعددة الولاءات، معظمها يدين لإيران، جهازاً نظامياً من أجهزة الدولة الرسمية وجزءاً من القوات المسلحة... هذا المثال يوضح سهولة تمرير الأجندة الإيرانية ما دام لها من يدعمها في مراكز القوى والسلطات. هذا الحشد الشعبي بفصائله التي تجاوزت ستين فصيلاً منقسم على نفسه، بعضه ولاؤه للمرجعية الدينية في النجف، وبعضه لمرجعية «قم» الإيرانية.
حينما يكون جزء من قوات الدولة المسلحة يدين بالخدمة لبلد آخر لسبب عقائدي أو غيره، فهذا يعني أن الدولة ليست مجتزأة السيادة فقط بل تعيش في خطر مستديم، وأنا أعتذر عن لهجتي المتشائمة، لكن لأننا نحب العراق نخشى عليه من استمرار الاختطاف.
أمام الحكومة اليوم حل واحد حقيقي؛ وهو أن تضع أولوية لمطالبات الناس، خصوصاً الخدمية منها وتنفذها في وقت عاجل. أما المتظاهرون الذين يطالبون بإصلاح سياسي، فهؤلاء أمامهم شوط طويل يعتمد على الحالة الإيرانية، لأنه كلما ضعف المركز ضعفت الأطراف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق في امتحان حكومة وشعباً العراق في امتحان حكومة وشعباً



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:52 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية
  مصر اليوم - ميس حمدان تصرح الظهور كضيفة شرف لا ينتقص من مكانتي الفنية

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon