توقيت القاهرة المحلي 11:11:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الابتعاث... الوسيلة والهدف

  مصر اليوم -

الابتعاث الوسيلة والهدف

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

  الابتعاث للدراسة في الخارج فرصة ذهبية لا تقدَّر بثمن؛ فهي لا تعطي تعليماً نوعياً في دول متقدمة فحسب، بل تنمّي مهارات فردية قد لا تتوفر الظروف لتنميتها في داخل البيئة الأصلية وبيئة الأسرة. على رأس هذه المهارات الشعور بالاستقلالية الشخصية، التي تجرّ معها الإحساس بتحمل المسؤولية والعواقب. كذلك الاختلاط بثقافات مختلفة، وهي ما يمرن النفس على تقبل الآخرين كما هم.

في كل زيارة أو رحلة ملكية، لا يفوت العاهل السعودي أو ولي عهده أن يتذكروا أبناء وطنهم في الخارج، ضيوف دور التعليم في هذه البلدان، ويقدموا لهم هدية تفرحهم وتعينهم وتسهل عليهم سير أمورهم في أثناء رحلتهم الدراسية. وفي زيارة ولي العهد للمملكة المتحدة والولايات المتحدة، رُفع إلى خادم الحرمين الشريفين للموافقة على ضم المبتعثين على حسابهم الخاص، وعددهم نحو 8 آلاف طالب وطالبة، إلى برنامج خادم الحرمين للابتعاث بعد تحقيقهم معايير الالتحاق، وهذا يعني رفع عبء كبير كان يُثقل كاهل الطلبة وأهلهم للإنفاق على رسوم التعليم وتكلفة المعيشة الغالية. لذلك عمّ الفرح ليس فقط الطلبة في الخارج بل وذويهم داخل المملكة بعد الموافقة الملكية الكريمة. إضافة إلى هذا الخبر المفرح، مكافأة 2000 دولار لكل طالب وطالبة في كل الدول. وإذا عرفنا أن عدد الطلبة المبتعَثين في كل الدول فاق 180 ألفاً، فهذا يعني أن مبلغ المكافأة نحو مليار ونصف المليار ريال سعودي.

والواقع أن رحلة ولي العهد حملت أنباء سارة حول الإصلاح الاقتصادي الذي يقوده من خلال الاستثمار وعقد الشراكات مع أسماء كبيرة في عالم المال والأعمال. أموال هنا لدعم الطلبة المبتعثين وهناك لدعم اقتصاد الدولة، استثمار بشري واستثمار في المشاريع، وفي كلتا الحالتين الدولة رابحة.

هنيئاً لمن تتوفر له فرصة السفر للتعليم وخوض تجربة فريدة من نوعها، والتعرف على مجتمعات مختلفة والتجانس معها. لكن الحقيقة أن هذا الحظ بكل أسف غير متاح للجميع، رغم الطلبات الكثيرة التي يتلقاها برنامج الابتعاث من الطلبة المتحمسين. تظل هناك فئة من الراغبين في إكمال دراستهم العليا لدرجة الماجستير والدكتوراه لا تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية بالسفر، سواء ذكوراً أو إناثاً. وهذا أمر وارد وطبيعي.
الابتعاث وسيلة لتحقيق هدف تنموي، وليس غاية في حد ذاته.

أقول ذلك لمؤسسات التعليم التي تفرض الابتعاث قسراً على الطلبة، وتحرمهم من إكمال دراستهم العليا في مؤسساتهم التعليمة داخل المملكة عقاباً على عدم مقدرتهم على السفر.

وحتى لا أعمِّم، فهذا ليس منهجاً متّبعاً في كل الجامعات، فقبل يومين سمعنا خبر تأسيس أكاديمية مدينة الملك سعود الطبية للدراسات العليا لطب الأسرة، ومؤسسات أخرى غيرها تمنح اهتماماً بالمخرجات كأولوية. لكن تظل بعض الجامعات تمارس دوراً غير مفهوم برفضها قبول استكمال طلبتها الخريجين من المتفوقين لدراستهم العليا داخل المؤسسة، والأسوأ من ذلك تهديد المعيدات والمحاضِرات بطي قيدهن إن اعتذرن عن السفر للدراسة في الخارج، أو إحالتهن للعمل الإداري! والحقيقة أن هذا الأسلوب لم نعتدْه في إدارة مؤسساتنا في المملكة؛ الحرمان أو الإذعان!

من هؤلاء الطلبة الذين يعانون من هذا الإجحاف، متفوقون، ربما أكثر تفوقاً ممن غادروا للدراسة على حسابهم الخاص ثم أُلحقوا ببرنامج الابتعاث مع القرار الملكي الأخير، وأعرف من الطالبات مَن سجلت براءة اختراع، وأخرى حصلت على جائزة الطالبة المثالية على مستوى جامعتها، وأخريات نشرن أبحاثاً علمية في مجلات دولية، لكن بكل أسف لم يشفع لهن كل ذلك لنيل فرصة الدراسة داخلياً.
لماذا قد تختار أي جامعة أو مؤسسة تعليمية التخلي عن طلبتها المتميزين؟ الحقيقة فكرت كثيراً في هذا السؤال ولم أصل إلى إجابة.

الدولة تحتاج إلى كل أبنائها، وهم يحتاجون منها إلى الدعم والتمكين. كان يفترض أن تقوم الجامعة بدراسة كل حالة طلابية على حدة، لتفهم الأسباب الاجتماعية والأسرية التي تَحُول دون قدرة الطالب على السفر، بدلاً من هذا التعامل الفظّ اللاإنساني، الذي تمكّن منهم وجعلهم يرزحون تحت وطأة القلق والإحباط. ولأن الجامعة التي تنفذ هذه الأجندة ترتكب خطأ فادحاً، فإن الخطأ يجر وراءه سلسلة من الأخطاء؛ فبخلاف خسارة الطلبة الأكْفاء، فإن الفساد والمحسوبية يزدهران وينموان في هذه الأجواء. ولا أستطيع أن أصف شعور طالب متفوق يرى زميلاً له ربما أقل منه أكاديمياً، ينال مقعده في الدراسة العليا في الجامعة لأنه يحمل ورقة شفاعة أو حصل على وساطة تليفونية. شعور مر، بالمظلمة والعجز.

شخصياً، أتمنى لو أن كل الطلبة يُبتعثون إلى الخارج، ومَن منّا لا يتمنى. لكن كيف لطالبة لديها قضية جارية في المحكمة أن تتركها وتسافر، وأخرى خيّرها زوجها بين السفر والطلاق وهجر أبنائها، أو طالب لديه أبوان عاجزان مسنّان يرعاهما... كيف لهؤلاء وغيرهم ممن لا حول لهم ولا قوة لتغيير ظروفهم أن يُتركوا ليواجهوا مصيرهم دون أن نمدّ إليهم يد المعونة والتشجيع، بل والاجتهاد لتعويضهم بمنحهم فرصاً تعليمية داخلية في أفضل المراكز البحثية، وفي جامعتهم أو جامعات متميزة منها الأهلية، والبذل ليحظوا بما يستحقون إنسانياً، وبما يحق لهم نظاماً؟!

في النهاية علينا أن نتذكر، حتى وإن كان الابتعاث فرصة العمر الذهبية للشباب، فإن السعودية ليست كغيرها من دول المنطقة، فلديها مراكز بحثية متقدمة، ومدن طبية متطورة للتدريب والتعليم، وجامعات لها صدى دولي.
الابتعاث يا سادة جسر للعبور إلى الضفة الأخرى من العالم والتعلم منها وفيها، ولكنّ هذا لا يعني أن نخيّر طلابنا بين عبور الجسر ورميهم في النهر!
 
نقلاً عن الشرق الآوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الابتعاث الوسيلة والهدف الابتعاث الوسيلة والهدف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon