توقيت القاهرة المحلي 21:19:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جغرافيا المصالح والبراغماتية السياسية

  مصر اليوم -

جغرافيا المصالح والبراغماتية السياسية

بقلم: يوسف الديني

تحاول فرنسا جاهدة إحياء عودة إيران عن صلفها في الملف النووي التي تدرك كما باريس أنه الضمانة الوحيدة لدولة الملالي في اللعب على شره الدول الأوروبية في رعاية مصالحها الاقتصادية في منطقة يتم تجاهل الجغرافيا السياسية فيها، وتاريخ النزاعات الطويلة منذ لحظة تصدير الثورة الإيرانية ورعاية الميليشيات التي باتت لا تهدد فقط الدول المجاورة لإيران من العراق ولبنان، بل باتت تحضر في اليمن بشكل يتفوق على الفعالية في دول أخرى بسبب الرغبة في تهديد أمن الخليج.
وهو ملف لا يحضر في المفاوضات الأوروبية الناعمة مع إيران، ولذلك التناقض في النظر إلى الأزمة مع دولة الملالي ومنهجها في رعاية الإرهاب لا يمكن الركون إلى الموقف الأوروبي بشكل كبير وحتى في التذبذب الأميركي رغم قوة إدارة ترمب، بسبب أولويات أميركا في وقت ضيق لضمان أكبر قدر من المكتسبات للإدارة الحالية تمهيداً للانتخابات، وآخر تلك الإخفاقات في حصد نقاط القوة الفشل في ملف أفغانستان بعد التدخل القطري السلبي بحسب اتهامات الحكومة الأفغانية التي لا تريد لطبخة الصيغة التوافقية المستعجلة والنيئة أن يبتلع مرارتها الشعب الأفغاني.
القوى الغربية وفق سعيها المحموم لرعاية المصالح لم تدرك حتى الآن أن المنطقة ترزح تحت ركام من التحديات التي تتجاوز منطق رعاية المصالح، وبالتالي فإن تغيير الواقع بمنطق فوقي يحاول استنبات الأمن أو التغيير السياسي أو المصالحة، فضلاً عن أن أحلام الديمقراطية لا يمكن أن تؤتي أكلها في أراض غير مستصلحة لم تجف بعد من الطائفية والتشرذم والتطرف وغياب الوعي السياسي، فضلاً عن روزنامة عريضة من المشكلات الاقتصادية.
يجب للخروج من الأزمات المتراكمة في المنطقة تصحيح زاوية الرؤية لها والفصل بين المصالح الخاصة والشأن العام، أو ما يمكن وصفه بفضيلة الاستقرار السياسي في الدول التي لم تتقوض فيها مؤسسات الدولة، وأيضا في دول الاعتدال السياسي بقيادة السعودية التي تحمل على كاهلها عبء ترميم هذه الانكسارات قبل أن تولي مسألة شره ملالي طهران في اختراق حالة التجانس في الجزيرة العربية، بعد أن ذهب النظام القطري بعيداً في مجافاة التجانس والإصرار على التحالف مع الملالي بشكل براغماتي، طمعاً في تسهيل مشروعه لرعاية الإسلام السياسي والمعارضات، وإنقاذ الحليف الأساسي المتمثل في مشروع إردوغان لاستعادة العثمانية في شكلها الجديد القومي عبر يافطات إسلاموية، لا تمثل سوى بروباغندا تداعب مخيلة الجماهير المضللة بخطاب الجزيرة ونظيراتها.
الأزمة أكبر من حضور إيران، فالكيانات السياسية الغربية كما قلت تركز على الخاص - المصالح الاقتصادية وتنسى العام - ضمانة الاستقرار، فمنطقتنا تعيش بفضل شره الاقتصاد ونسيان الجغرافيا والتاريخ أكبر حالة استلاب سياسي تكاد معها تذوب الحدود الجغرافية بين الدول، بسبب ارتباك الولاءات السياسية والمواقف بدءاً من الفرد الذي بات حائراً أمام فرز هذا الكم الضخم من المعلومات والصور والفجائع وانتهاء بالمجموعات السياسية وعلى رأسها جماعات الإسلام السياسي والمعارضات السياسية التي تبحث عن استعادة الأمل في موجات جديدة من الاحتجاجات، وتقويض سلطة الدولة وتعميق ولاءاتها العابرة للوطنية والحدود.
في ظل الفراغ الكبير، الذي يمكن أن يحدثه غياب استراتيجية سياسية وإعلامية لباقي دول المنطقة (الخليج ومصر والأردن) في مواجهة مشروع الاستلاب الفكري والتضليل الإعلامي لا يمكن تعميم خطابها المعتدل سياسياً الذي لا يجد مكاناً عند الطرفين القوى الغربية المرتهنة لمصالحها الضيقة، والكيانات السياسية والفاعلين الطامحين في تقويض الاستقرار كجزء من ذلك الاستلاب، الذي يجب ألا نستخف بآثاره على المدى البعيد في ظل التمدد الإيراني والتراخي الأميركي.
إيران المحاصرة بجغرافيا السياسة وصعود أصوات ناقمة على تدخلها في العراق، وسيطرتها عليه منذ لحظة سقوط نظام البعث، تحاول الذهاب بعيداً عبر الجيوبولتيك السياسي طمعاً في امتداد جغرافيا عسكرية خارج إمكاناتها الحدودية بقصد الهيمنة العسكرية والسياسية، وهو ما يعرف بجغرافيا السيطرة، لكن ليس على طريقة الاستعمار المباشر، وإنما العمل كمظلة آيديولوجية تقويضية مستغلة التداخل الطائفي بالملفات السياسية، وانهيار مفهوم الدولة في المناطق التي تستهدفها مثل لبنان واليمن، وهو ما يعني الاستثمار في الواقع السياسي المتردي للدولتين عبر تعميق سيطرة ميليشيا «حزب الله» والحوثي، وابتلاع ما تبقى من مفهوم الدولة.
هدف إيران هو اللعب على الجيوسياسة في منطقة الخليج عبر أذرعها، ولو أدى ذلك إلى خسارة تلك الميليشيات بالكامل، لكنها نسيت في ظل غمرتها التوسعية أن اليقظة السعودية بأهدافها في المنطقة بات أمراً مكشوفاً للعالم كله، وأنها أول من سيدفع الثمن قبل ميليشياتها التي تسخرها لتحقيق أهدافها، والصاروخ الذي استهدف العاصمة السعودية هو تمهيد لتحرك القوى الدولية لإيقاف حرب مستعرة في المنطقة لا يمكن التنبؤ بانعكاساتها، لا سيما مع انتهاك نظام طهران العقوبات الدولية واتفاقات حظر الأسلحة، وتأثير ذلك على كل الإجراءات التي تقوم بها المنظمات الدولية للإشراف على الاتفاق النووي، وهو ما يطرح ضرورة المطالبة بالحصار البحري على السفن الإيرانية في الخليج أو التهريب البري عبر دول خليجية ليس في وسعها أن تبقى على الحياد بعد أن وصل الأمر إلى حالة الحرب المفتوحة.
الخيار السعودي في التعامل مع الإيراني والخطر الإقليمي هو مواجهة هذا النفوذ عبر المؤسسات الدولية والتفاهمات الدولية مع القوى المؤثرة في المنطقة، لكن حدود العقلانية السعودية مرتبط بتحرك المجتمع الدولي تجاه إيران والمشكلات التي تخلقها في المنطقة، وأي حديث عن استقرار للمنطقة خارج كف اليد الإيرانية هو حديث مرفوض، بعد أن تكشفت الادعاءات الإيرانية واللعب على خلط الأوراق.
إيران بعد العبث بالمنطقة عبر أذرعها تتجه إلى تبني لهجة دفاعية تعكس حالة القلق من ردة فعل السعودية والمجتمع الدولي، وهو ما يفسر محاولات التهدئة التي جاءت في زيارة ماكرون الذي أدان إيران في تصعيدها، وأطلق نذر القلق من مستقبل التصعيد.
حالة التصعيد في المنطقة غير مسبوقة، إلا أن الجانب المشرق في منسوب الأزمة هو انكشاف زيف الدعاوى الإيرانية ومحاولاتها في ترحيل أزمتها الداخلية إلى الخارج، ورغم كل هذا التصعيد الإيراني وخلطها الأوراق وإطلاق الأكاذيب والدعايات الرخيصة عن الشأن السعودي الداخلي، فإن السعوديين - بحسب تغريدة ترمب على يقظة المملكة تجاه المخطط الإيراني في المنطقة - «يعرفون جيداً ما يفعلون» وهو ما رأينا انعكاساته على فشل قنوات التضليل وعلى رأسها الجزيرة في محاولة الهجوم على التحالف في اليمن، والعودة إلى ملفات موسمية ومنها 11 سبتمبر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جغرافيا المصالح والبراغماتية السياسية جغرافيا المصالح والبراغماتية السياسية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon