توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من الميليشيات إلى القبائل: استنبات الثورة وتجريف الهويات

  مصر اليوم -

من الميليشيات إلى القبائل استنبات الثورة وتجريف الهويات

بقلم - يوسف الديني

جزء من فهم تضخم عسكرة المنطقة وتحول عدد من العواصم العربية، التي ابتلع جزءاً كبيراً من سيادتها نظام طهران، يقودنا إلى تحولات تتجاوز بناء الأذرع والميليشيات المدعومة إلى تجريف الهويّة وإعادة تشكيل المجتمعات وفق استثمار طويل الأمد، لخلق قواعد عميقة مبنية على رافعات متجذرة ومنها «القبائلية» السياسية.

«الحرس الثوري» المؤسسة الأبرز في استراتيجية تصدير الثورة - الذي وصفه الخميني ذاته بقوله: «لو لم يكن حرس الثورة ما كانت الدولة، إني أوُقر الحرس وأُحبهم وهم جيشنا العقائدي وعيني عليهم» - ينشط في سوريا، وتحديداً في منطقة القبائل العربية في الشرق على تطوير مشروع تحالف ضخم لا يسلط عليه الضوء عادة مع تركز الاهتمام على الأحداث، وليس المشاريع التقويضية التي لا تتخذ طابع الحرب وتتغذى على أرقام الضحايا، وهو أمر متفهم إذا ما أخذنا في الاعتبار الصناعة الخبرية والإعلامية، لكنه ألا يجب أيغفل عنه الباحثون والمحللون لجزء من أزمات المنطقة ووقوعها أمام حالات انسداد سياسي متعددة الأوجه؛ الكيان الإسرائيلي من جهة، والسلوك الإيراني من جهة أخرى، في ظل أزمات وارتكاسات عربية.

شرق سوريا اليوم هو نموذج مستنسخ من تجربة «الحرس الثوري» في حلب يقوم على إعادة إنتاج الحالتين اللبنانية واليمنية، عبر خلق مناخ استثمار في البنى والقوى المجتمعية والاقتصادية وإدارتها وتدريبها بشكل مباشر.

اللافت أن حالة الاستقطاب والاستثمار انتقلت من مرحلة استيراد مجموعات تطوعية من جماعات الإسلام السياسي الشيعي، والتنظيمات المتطرفة المنبثقة منه من الخارج، إلى محاولة تدشين حواضن اجتماعية قبلية، من تلك الميليشيات التي تم جلبها من «لواء أبو الفضل العباس»، و«لواء الإمام الحسين»، بهدف إدارة المناشط الدينية والثقافية والتوجيه العسكري والأمني، وهي وظيفة مزدوجة ساهمت في التوسع في النطاق الجغرافي لما أصفه بمشروع «استنبات الثورة» وليس تصديرها، وشمل ذلك في الحالة السورية مناطق مثل حمص وحلب ودير الزور، رغم أن الفوارق الثقافية ساهمت أيضاً في مشاريع نبذ مضادة، لكنها بسبب افتقار موقف عربي موحد في التعاطي مع المسألة السورية ومشاريع الهويّة، أصبحت أكثر حضوراً في سوريا، إحدى عواصم العروبة والقومية، وهنا نتحدث عن نفوذ غير مسبوق في حلب ذات الأكثرية السنية، التي تحولت قبائل فيها ومنها قبائل البقارة إلى الإسلام السياسي الشيعي، منذ اشتداد سنوات ما سمي بالربيع العربي وما بعدها، وغدت هذه القبائل المتحوّلة هويّاتياً وسياسياً منخرطة في العمل السياسي والاجتماعي وإدارة الحكم المحلي.

وبحسب ورقة بحثية كتبها كايل روبرتسون، المتخصص في الملف السوري ونشرت في معهد واشنطن لتحليل السياسات، تحدث فيها عن انشقاقات لزعماء القبائل العربية في بدايات الثورة، ثم عودتها مع الاستقرار النسبي، لكن مع تحول صوب الميليشيات المستنبتة، ومنها لواء الباقر أكبر ميليشيا تابعة لقبيلة البقارة، وهي الملاحظة ذاتها على ما يتعزز من معلومات عن منطقة شمال غربي سوريا وتعمق نفوذ «الحرس الثوري» برافعات قبائلية عشائرية تحت شعار «فيلق المدافعين عن حلب»، ويتبعه آلاف الأعضاء الموالية لطهران كجزء من ردات الفعل والتحولات بعد عودة الاستقرار النسبي لتلك المناطق، واندحار التنظيمات الإرهابية المحسوبة على السنة في سياق التحشيد التي يحضر مشروع تجريف هويّتها أيضاً وفق رؤية طويلة الأمد، وذات امتدادات اجتماعية وثقافية لا ترصدها مؤشرات الارتهان لحوادث العنف أو الأخبار الإعلامية المثيرة، وهو مشروع يمتد اليوم إلى دير الزور ويتردد صدى «قوات القبائل» والعشائر العربية على مناطق واسعة من أرياف الحسكة والرقة في الشمال، كجزء من مناكفة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقع فريسة هذا الامتداد ومحاولة السيطرة على مخيمات فلول «داعش»، في ظل سياسات التخلي والإهمال الغربية من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتنصلة من عائلات الإرهابيين المنتسبين إليها.

ما علاقة هذا بما يحدث في غزة؟! ولماذا يتم طرحه في هذا التوقيت الذي يركز العالم إلى منع كارثة بشرية بسبب الصلف الإسرائيلي والتعنت الأميركي في اتخاذ موقف، هو أننا في ظل تفاقم الأزمة وتبعاتها أمام خيارات صعبة وقاسية جداً، فيما يتصل بحالة التحشيد والتجييش وعسكرة المنطقة وتصارع المشاريع التقويضية، وتجريف الهويّات يتجاوز ثنائية الضحية والجلّاد، إلى حالة عربية تتجه إلى تحولات قاسية ونكبات أبعد من الحروب لها تداعيات طويلة الأمد؛ وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الميليشيات إلى القبائل استنبات الثورة وتجريف الهويات من الميليشيات إلى القبائل استنبات الثورة وتجريف الهويات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon