بقلم - يوسف الديني
قبل سنوات كان الوقت للحصول على تأشيرة العمرة تأخذ عدة أيام واليوم أقل من 5 دقائق وبنقرة زر في إجراء رقمي سريع يعكس بصورة مصغرة جداً «السعودية الجديدة».
كل عام والعالم بخير... عيد لم يأتِ بأي حال هذه المرة. عيد السعوديين اليوم كبير جداً فيه رمزية «المعافاة والتعافي» من آثار جائحة «كورونا»، وكان أكثرها من الناحية العاطفية هو العلاقة بالحرمين الشريفين خلال شهر رمضان المبارك من العمرة والصلاة في المسجد الحرام إلى الزيارة إلى جوار المسجد النبوي الشريف، وصيام شهر رمضان المبارك الذي يحمل طابعاً فريداً ومتنوعاً في كل منطقة من مناطق المملكة، يعكس ثراء ثقافاتها ومنظوراً مدهشاً للعادات والتقاليد والضيافة، وهو ما تجلى في عدد هائل من ميديا المحتوى العضوي (Organic Content) وتشمل كل صور السيلفي والفيديوهات القصيرة على «السوشيال ميديا» و«الميمز» والتصاميم التي يلتقطها زوار المملكة وينشرونها على شبكات الإنترنت، حيث يعكسون إثراء تجربتهم في مملكة كانت لكثير منهم نصاً مغلقاً ومكاناً معزولاً محاطاً بالصور النمطية والكليشيهات التي لا تعبّر عن حقيقة البلاد المليئة بالقصص وثقافات الترحيب والتواصل الإيجابي مع العابرين، كما هو الحال مع قدرة شبابها الذين يشكلون اليوم أكثر من 80 في المائة باعتبارهم رأس مالها الحقيقي، على عكس صورة السعودية الجديدة التي تجلت في إدارة موسم رمضان هذه السنة كأول تحدٍ كبير ما بعد الجائحة، وفتح الحرمين الشريفين بطاقة استيعابية كاملة امتلأت الساحات وعادت الحياة، لكن الذي ساهم في نجاح واكتمال «المعافاة» التخطيط الكبير والمنتجات الرقمية المساندة وجهود رجال الأمن طوال 7/24 والعدد الهائل من المتطوعين من الكشافة والجمعيات الخيرية والأهالي... في وقت من الأوقات تحولت ساحات المسجد النبوي الشريف إلى ورشة مفتوحة للعطاء ولوحة من جمال التواصل الإنساني لم نشهدها منذ وقت طويل حتى قبل الجائحة، بسبب حالة «التعطش» والإقبال غير المسبوق على تجسيد حالة «المعافاة» من الوباء والجائحة من خلال إعادة الحياة في «رمضان» الذي افتقده الجميع خلال الجائحة.
على مدى شهر رمضان المبارك ومن أعلى هرم القيادة السياسية من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ووصولاً إلى كل القطاعات الأمنية والمتطوعين ومؤسسات الدولة، شكّل الجميع صورة مكبّرة لما تعنيه رسالة خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن والترحيب بزوار المملكة العربية السعودية على مدار العام، ومنه يمكن أن نستخلص العديد من الثوابت في ظل عالم يعجّ بالتحولات؛ أولها الأوزان السياسية وحساباتها حيث ظلت الرياض ثابتة وبوصلة لقيادة العالم الإسلامي ومرجعاً أساسياً لنموذج الحكم الرشيد والدولة العاقلة التي تمد يدها حتى للجميع ممن يرغبون في إعادة حساباتهم الضيقة أو التخلي عن مشاريعهم الآيديولوجية المقوضة للسيادة وأمن الأوطان.
أنموذج السعودية الملهم للتعافي جسّده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته الاستثنائية بمناسبة عيد الفطر المبارك لهذه السنة: «أيها المسلمون والمسلمات في كل مكان... من جوار بيت الله الحرام، كل عام وأنتم بخير... جعل الله العيد، فرصة لسمو الأخلاق، والتآلف والتآخي والتسامح والعفو... إن الشرف العظيم الذي ميز الله بلادنا به، من خدمة الحرمين الشريفين، والسهر على راحة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين وزوار، وتقديم أرقى الخدمات لهم، هو مصدر فخر لنا جميعاً، نبذل من أجله الغالي والنفيس، أداءً للمسؤولية التي اصطفانا الله لها، واستشعاراً لقداسة هذا الواجب العظيم، ونحمد الله أن وفقنا لمواصلة هذا العمل الجليل، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه)، وسارت عليه هذه البلاد، بقيادة أبنائه الملوك من بعده - رحمهم الله - ولا نزال ونبقى نفتخر، ونتشرف بمواصلة المهمة، بأعلى كفاءة وأميز عطاء بإذن الله تعالى».
القرار الحكيم رغم كل التحديات والصعوبات بإعادة استخدام الطاقة الاستيعابية من أبرز ملامح الإنجاز التي أكدتها كلمة الملك سلمان... «كان من فضل الله أن المملكة أعادت السماح باستخدام الطاقة الاستيعابية الكاملة في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولقد سعدنا بتوفيق الله لأعداد كبيرة من المعتمرين، والمصلين، والزوار، الذين شرفهم، بزيارة الحرمين الشريفين، في رمضان المبارك، ونحمد الله الذي وفقنا للعمل بأعلى مستويات المسؤولية، والجدية والابتكار، في مواجهة الجائحة، وتخفيف آثارها، مما آتى ثماره الإيجابية، على معظم مناحي الحياة، والفضل لله أولاً، ثم للعاملين في القطاعات كافة، وللمواطنين والمقيمين، الذين أظهروا وعياً عالياً والتزاماً كبيراً وسرعة استجابة للتوجيهات والتعليمات والإرشادات التي ارتبطت بالجائحة».
رغم التعب والمشقة وما بذل من جهود على الميدان طوال الشهرين الكاملين، وفي ذروة تدفق الأعداد لا شيء يمكن أن يبلسم قلوب أبطال الإنجاز مثل هذه الكلمات من أعلى سلطة كانت معهم لحظة بلحظة... «نعتز بأبطالنا البواسل، والمرابطين، في الحدود والثغور، ونشكر أبناءنا وبناتنا، العاملين بإخلاص في القطاعات العسكرية والمدنية».
في هذا العيد المبارك حمد العالم الإسلامي السرى، ولمس كل من كتب له المرور أو الإقامة طالت أم قصرت في السعودية وبالأخص بمكة المكرمة والمدينة المنورة تفاصيل هذا الإنجاز الذي تقف وراءه إرادة سياسية عظيمة أخذت زمام تحدي تجاوز الجائحة والتعامل معها بدقة وتسخير كل الإمكانات لتجاوز معوقاتها، بحيث جاءت النتائج فوق كل التوقعات والحمد لله، عيد يليق بهذه الروح الخلاقة والتجسيد العظيم لقيمنا وأخلاقنا، وكل عام والعالم والإنسانية بألف خير.