توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار

  مصر اليوم -

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار

بقلم - يوسف الديني

كثر الحديث اليوم عن التحولات في المنطقة، ليس فقط على مستوى الانتقال من مرحلة المشاريع غير المتجانسة المتجاورة إلى تصارع الآيديولوجيات لا سيما بين النظام الإيراني والكيان الإسرائيلي، بل أيضاً عن محاولة من محور الاعتدال بقيادة المملكة العربية السعودية للاستجابة السريعة لحجم المخاطر ولعب دور التوازن الاستراتيجي عبر مناشدة جميع الأطراف ضرورة خفض مستوى التصعيد وحل جذر الأزمة بضرورة إيقاف الحرب ضد المدنيين في فلسطين.

لكن أحد أهم التحولات الذي لا يتم الحديث عنه اليوم هو التحول في مفهوم «الحرب» وانتقالها من حيّز التكافؤ إلى التكلفة والسمعة واستبدال مفهوم الهزيمة بالقدرة على استقطاب التكتلات الدولية بتوازن حساس مع الداخل، عطفاً على مؤشرات جديدة ليست من بينها تكلفة الضحايا فحسب، وإنما التأثير العام في الاقتصاد والحياة اليومية ومنسوب الأمن إضافةً إلى الصورة الذهنية عن أطراف النزاع.

من هنا يمكن أن نفهم أن كل القراءات غير السياسية، وهذا أكثر الأوصاف حيادية، وقعت في فخ المؤامرة أو وصف ما يجري بمسرحيات ممنهجة بسبب غياب قراءة هذه التحولات في مفهوم الحرب ضمن سياق التلبّس بمفهوم الدولة الوطنية، وما يعني ذلك من استحقاقات في الداخل من الشعور القومي والحفاظ على الشعور بالأمان، وعدم انزلاق الشارع إلى الفوضى، وبين استحقاقات الخارج من الالتزام بموازين القوى خصوصاً العلاقة بالولايات المتحدة والصين وروسيا، أكثر الاكتراث بشكل كبير بالقوانين الدولية وما يمثلها من مؤسسات.

من هنا يمكن أن نفهم تحرك إيران كماً وكيفاً للعب توازن على مستوى الاستحقاقين الداخلي والخارجي من دون أن يكون له أي علاقة بالسابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وإن كان يتم توظيفه عبر الاستثمار في السياق العام للأزمة لا سيما على مستوى تكليف الوكلاء والأذرع، بحكم أن الميليشيات والكيانات المسلحة المرتبطة بإيران لا تتلبس قناع الدولة وليست لها أي استحقاقات داخلية بحكم أنها مهيمنة على سياقها الاجتماعي والسياسي ولها اقتصاداتها المستقلة والموازية، كما أن الكيان الإسرائيلي يشتغل على ذات التحولات باستدعاء دعم الولايات المتحدة غير المحدود في التسليح إضافةً إلى مسألة مهمة تتصل بمنع تمدد الصراع إلى جبهات أخرى والتغطية أو الشرعنة لضربات نوعية من شأنها استهداف «الحرس الثوري» وأذرع إيران. لكن عملية السفارة غيَّرت سياق التحولات إلى سياق جديد أيضاً يتصل باستباحة الداخل لكن بتكلفة بشرية محدودة وعوائد شكلانية ودعائية ضخمة مع ضمان حالة التسخين المستمر لتوتير الحالة الأمنية للمنطقة. ويمكن القول مثلاً خلال أقل من 5 أشهر وجّهت القيادة المركزية في الولايات المتحدة ضربات عسكرية مركّزة وموجّهة ضد الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا واليمن تتجاوز ما تم القيام به خلال السنوات الثلاث من رئاسة بايدن، وذلك ضد ما يتجاوز 200 ضربة تقريباً من أذرع طهران في المنطقة مع بقاء حالة الهيمنة والتهديد والاستهداف بين الطرفين، وهو ما يؤكد نظرية تحولات مفهوم الحرب من زاوية التكلفة على التدمير والدعاية على حساب معالجة الأزمة.

الأكيد أن هناك تساؤلات كبيرة عن أداء المشروعين الإيراني والإسرائيلي، تكشف بشكل كبير لمراقبي ومحللي الأداء المرتبط بقواعد البيانات للضربات والتقييم العسكري. فهناك كثير من الشكوك حول الدعاية الضخمة للقدرة الإيرانية على الردع كما هو الحال في قدرة إسرائيل على تحمل تكلفة الحرب الطويلة اقتصادياً. ومن زاوية الرأي العام بسبب الفشل في أهدافها عدا تدمير واستهداف المدنيين وبشكل حوّل مأساة غزة إلى قضية رأي عام مؤرِّقة في كل مناطق العالم وتنوعاته السياسية والفكرية ومواقفه المسبقة، فما يفرّق الناس اليوم توحِّده صور القتل والتجويع والحصار واستهداف الأطفال والنساء وكبار السن وحتى عمال الإغاثة والعاملين في المؤسسات الدولية.

المشروع الثالث، بين هذه المشاريع التدميرية، والذي يتطلع إلى المستقبل وتعمل عليه دول الاعتدال وفي مقدمتها السعودية، يعيش فرصة تاريخية كبيرة لترسيخ مفهوم الدولة وفضيلة الاستقرار والأمن والتمسك بالمؤسسات الدولية والإصرار على الحلول ضمن نطاق القانون والعدالة، لأنه يدرك أيضاً أن الحرب هي مشاريع تقويضية. فخيار المنطقة الوحيد هو الاستثمار في الاستقرار وهو ما يعبّر عنه نبض الشارع في الأطراف المتنازعة كما ترصده اليوم الآلة الضخمة للمحتوى على منصات التواصل من حديث الشعوب الواقعة تحت حالة اللا استقرار عن التوق لنموذج مختلف لا تتسع فيه الهوّة بين المجتمع والدولة التي من المفترض أن تسعى لرخائه وازدهاره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار تحولات الحرب وفضيلة الاستقرار



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon