توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهوية وسؤال الاقتصاد: قراءة في الانتخابات التركية

  مصر اليوم -

الهوية وسؤال الاقتصاد قراءة في الانتخابات التركية

بقلم - يوسف الديني

حسم الناخبون الأتراك قرارهم وفاز الرئيس إردوغان الذي حصد 52.14%، بولاية ثالثة حتى 2028، هي الأخيرة له بموجب دستور البلاد الذي يمنعه من الترشح لولاية رابعة.

ولا يمكن الحديث اليوم عن الانتخابات كحدثٍ بقدر المفارقات المتصلة بالنتيجة التي لا تعكس حالة التذمر السابقة من الاقتصاد التركي، وانخفاض قيمة الليرة إلى درجة توقع إقالة الرئيس إردوغان بعد الأزمات المتتالية، لكن ما حدث أظهر بجلاء مرونة الأحزاب القائمة على آيديولوجية وشعارات طوباوية على تنحية الاقتصاد والتنمية بعيداً عن التأثير على صناديق الاقتراع، رغم أنها قد تؤثر عليه وبشكل سلبي كما حدث مع تراجع الليرة التركية إلى 20.05 مقابل الدولار مع إعلان الفوز.

معظم المعارك الانتخابية اليوم لا تدار على الأرض، فحضور الدعاية الانتخابية الرقمية أصبح كبيراً ولا يمكن التشكي من السيطرة الإعلامية غير الرسمية، فضلاً عن الاستعانة بأصدقاء الخارج المؤثرين خصوصاً في التسويق للمنافسة الديمقراطية على أنها مسألة حق وباطل وليست خيارات انتخابية، وهو ما يعيدنا مجدداً إلى أزمة حقيقية في الشكلانية الديمقراطية «الصندوقراطية» والتي من المفترض أن ينحاز الجمهور فيها إلى الاختيار بين البرامج الانتخابية، ومنها ملف الاقتصاد وتحسين المؤسسات ولو على شكل وعود وليست معارك الهوية والمهاجرين، وهو ما يعني قراءة كل تجربة سياسية في سياقها الخاص أو ما تُعرف في الأدبيات السياسية بمعضلة السلوك الانتخابي وتأرجحه بين الهوية والانتماءات المناطقية والدينية والآيديولوجية وتأثيرها على الولاء السياسي، حيث الحفاظ على القاعدة الانتخابية لا يحتاج إلى أبعد من الشعور بالخوف على الذات لا المستقبل، وهنا مفارقة ثانية فحزب «العدالة والتنمية» ظهر كمنقذ من سؤال الاقتصاد والمستقبل، بعد تعثر الاقتصاد وآثار الزلزال المدمر، وفشلت الحكومة الائتلافية لأجاويد في إنقاذ الوضع، وبعدها في 2002 برزت نجومية «العدالة والتنمية»، ليس بسبب سؤال الهوية أو الشعارات، وإنما من خلال الإجابة عن سؤال الاقتصاد والبحث عن الاستقرار عبر هدنة مع الفرقاء وحتى الخصوم، ومنهم حزب العمال، وهو ما بلغ أوجه في 2010 مع معدلات نمو كانت مثيرة للإعجاب حتى في الأطروحات الغربية.

لم يستمر الحال منذ ذلك الصعود، لأن الحزب ذاته تخلَّى عن سؤال الاقتصاد، وحاول القيام بإجراءات اقتصادية تعزز سؤال الهوية وتلبّي طموحات الشعارات وفلاشات الشعبوية، فكانت النتيجة ارتفاعاً كبيراً في معدلات الفائدة، وجاء الزلزال ليعمّق الفجوة الاقتصادية بشكل كبير مع تذمر من التعامل مع الأزمات بدا واضحاً في جغرافية الناخبين.

اليوم يتساءل الغربيون وبالأخص مراكز الأبحاث وخزانات التفكير ووكالات التحليل، لتقدير الموقف، عن الفوز ولو بفارق ليس كبيراً مع تحديات هائلة على مستوى الملف الاقتصادي وإدارة الأزمات، وجاء عنوان «فورن بوليسي» مشككاً في مقولة جيمس كارفيل، المستشار الاستراتيجي لحملة كلينتون ذائعة الصيت: «إنه الاقتصاد يا غبي»، وتحولت لاحقاً إلى عناوين مقالات وكتب ودراسات تؤكد تأثير الاقتصاد على ما عداه من النظريات إلى الشعارات وما بينهما، وهو تفسير -حسب التحقيق- تبسيطي مبنيٌّ على اختزال كبير للتحليل الماركسي للبنية التحتية التي تقوم بتشكيل كل البنى الفوقية ومنها السياسية.

اليوم هناك اتجاهات كبيرة في محاولة قراءة سلوك الناخبين على ضوء الشعارات وملف الهوية، خصوصاً في أحلك الأوقات الاقتصادية قتامة، ويمكن هنا مراجعة الأطروحة المهمة جداً التي طرحها المؤرخ الفرنسي والفيلسوف السياسي البارز مارسيل غوشيه في كتابه المهم «الدين في الديمقراطية» حيث ناقش إشكالية مسألة الهوية والشعارات الدينية وعلاقتها بالسياق السياسي كإشكالية بدأت منذ البدايات مع اليونان، ولم تختفِ حتى في عصور التنوير الأوروبية، بل تم استبدال المرجعية الدينية والهوياتية بالآيديولوجيا، ولم تنجح عمليات تمدين الحالة السياسية ومأسستها بعيداً عن الشعارات وانطلاقاً من مبدأ المصلحة العامة، والتي بالمناسبة لها تأصيل في غاية الأهمية لدى فقهائنا الأوائل لا سيما المقاصديون منهم، وهو ما بات مفقوداً اليوم في الشكلانيات الديمقراطية بحكم أن الفصل بين الحقل المدني والسياسي والديني والثقافي يكاد يكون مستحيلاً في سياقات خارج التجربة الفرنسية، أو ما وصفه روسو بـ«السيادة المطلقة» ووصفه غوشيه بـ«الحياد الديمقراطي».

نعيش اليوم عصر الهويات كما تؤكده هذه الأطروحة وغيرها كثير، فهناك روابط بين الأفراد والفضاءات الاجتماعية لا يجمع بينها سوى تحالف الهويات الصغيرة، وليست بالضرورة تعبيراً عن التعددية السياسية والانتخابية أو ديمقراطية الهويات، حسب غوشيه.

النتائج التركية اليوم كانت متوقعة في سياق مسألة انفجار الهويّات الصغيرة والفرعية، متى ما عجزت أي دولة مهما كان نظامها السياسي عن الاستثمار في أمرين: المواطن والبنية التحتية والمؤسسات، وليست الكوتة المبنية على محسوبية الناخب في النظام الهجين المتأرجح بين الرأسمالية والاتكاء على الهوية التاريخية.

النموذج الذي تحتاج إليه المنطقة اليوم منشود في التجربة السعودية الصاعدة بدمج الرؤية في بنية التشريعات والمؤسسات في الدولة والاستثمار في المواطن، وتحويل الهوية والثقافة إلى رساميل ثقافية مرتبطة ببنيتها الاقتصادية وأدائها، مع تعظيم مسألة المحاسبة والشفافية والهدر للمال العام، ومكافحة الفساد، كما هي الحال في تحويل الهويات الصغيرة إلى عوامل جذب تنافسية تصب في الهوية الأم «المواطنة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهوية وسؤال الاقتصاد قراءة في الانتخابات التركية الهوية وسؤال الاقتصاد قراءة في الانتخابات التركية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon