توقيت القاهرة المحلي 23:03:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صعود الميليشيات: هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة؟

  مصر اليوم -

صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة

بقلم - يوسف الديني

ربما كان استهداف ميليشيا «حزب الله النجباء»، وهي الجناح الأكثر جموحاً ومفارقةً للترويض من قبل الدولة، ردة فعل متوقعة باعتبارها أكثر الفصائل مسؤولية عن استهداف المصالح الأميركية في العراق، لكن سؤال الأسئلة اليوم هو ضرورة مراجعة نقدية لآثار وتبعات الضربات الأميركية على طريقة «الوجبات السريعة» في المنطقة، التي رغم أنها تلبي على المدى القصير إعادة موضعة مسألة الردع والقوة الأميركية، إلا أنها لا يمكن أن تحل المشكلة، بل على العكس ستزيد من العبء على الدولة العراقية، كما هو الحال في كل التدخلات ضمن تلك الاستراتيجية التي تعبر عن ردة الفعل، وليس كحل جذري ومستدام لمعضلة الحالة المتضخمة اليوم في المنطقة، وهي صعود الميليشيات وتجاوزها منطق الدولة.

والحق يقال إن معظم جراحات العراق الدموية منذ الاحتلال الأميركي وما بعده مرتبطة بشكل وثيق بحالة الاستعجال والإهمال والارتباك في المقاربة الغربية منذ لحظة سقوط نظام «البعث»، بحاجة إلى مراجعات نقدية ومساءلات طويلة حول المقاربة الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، في طرح مفهوم الدولة الشكلانية والتعامل مع مناطق التوتر عبر فرض الأمر الواقع وإطالة أمد الأزمة، ومحاولة الخروج بأقل قدر من الخسائر ولو بتوريث كوارث تحتاج إلى عقود، أو ما يمكن أن أصفه بـ«متلازمة أفغانستان» التي تشبه العودة الأبدية لحالة ما قبل الدولة.

فتّش عن الميليشياوية رعايةً وتأييداً ودعماً، وصولاً إلى حالة الإنكار والإهمال، وستعرف أن المنطقة للأسف تعيش أسوأ مراحلها، حيث تتحكّم الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، السنيّة والشيعيّة، في إنتاج الأزمات، والفعل المسلح الذي يؤثر بشكل مباشر على صناعة القرار واتخاذ ردات الفعل، إضافة إلى تفاعل المجتمع الدولي حيال ذلك من العراق إلى سوريا إلى لبنان ثم اليمن فليبيا وشمال أفريقيا، هذا بشكل مباشر ويومي وفاعل، وفي بقية المناطق حول العالم متى ما انهار منطق الدولة واستبدل به منطق الثورة وما يتبعه من اقتصاد موازٍ ومجتمع متفكك.

الإشكالية تتعمق في العراق بسبب اختلافات جوهرية على مستوى العلاقة بالدولة بين الجماعات المسلحة التي أصبحت واقعاً معيقاً لأي إصلاحات حقيقية. وعلى عكس كل الفصائل المصنفة على قائمة الإرهاب في العراق، منها مثلاً «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب سيد الشهداء»، فإن ميليشيا «حزب الله النجباء» لا تدخل ضمن سياق المجموعات المتصلة ولو شكلانياً بالدولة، فهي مستقلة ومنفصلة تماماً عن الدولة، بالتالي ليست لديها أي حسابات خاصة أو ما تخسره، ومن هنا يمكن فهم خطابها الغاضب، الذي وصف كل من سواها من الميليشيات بالجبن والخور وممالأة النظام والخوف من الولايات المتحدة التي قامت بتكرار نمطها المعتاد ضمن سياق ردة الفعل ورسالة الردع المحدودة باستهداف قيادي وهو مشتاق طالب السعيدي، المسؤول وفقاً للتقارير البحثية عن الإمداد بآخر الأسلحة الإيرانية المتطورة من الطائرات المسيّرة.

هذا النوع من الاستهداف، كما وصفته مراراً بـ«الوجبات السريعة»، قد يؤدي إلى انكسار مؤقت للميليشيا، لكنه سيساهم في صعود نجمها وقدرتها على التحشيد واكتساح شباك التذاكر في سوق الميليشيات باعتبارها أكثر تضحوية من غيرها، وسيساهم في سياق التنافس الميليشياوي إلى أن تحذو جماعات أخرى حذوها لمحاولة كسب الرأي العام داخل التنظيمات المسلحة والمضي قدماً في سوق التنافسية على التمثيل الرمزي لمكافحة الوجود الأميركي واسترضاء المركز في طهران.

في مقابل منطقة تعجّ بالميليشيات والاغتيال والدم تتمسك دول الاعتدال، في مقدمها السعودية، رغم كل التشغيب، بمنطق الدولة واحترام السيادة وقضية الاستقرار، محذرة أكثر من مرة من مغبة التساهل مع السلوك الميليشياوي وداعميه، الذي سيساهم في تدمير المنطقة، خصوصاً مع نمط الانسحاب وأمثولة كابل التي أعطت درساً كبيراً لدول المنطقة في مسائل تتصل بالسيادة والأمن الوطني وتمتين الداخل ومفهوم التحالف.

اليوم المنطقة مملوءة بخطابات محتقنة جداً، وتتجه نحو الشمولية، ليس ضد تثوير حالة السلم، إنما ضد العسكرة والتحشيد، يتم التصالح معها بشكل براغماتي ضيق من معسكرين؛ معسكر الأصوات الناقمة على الإدارة الأميركية السابقة في أميركا، التي تضغط على إدارة بايدن لخلق تفاوض هش، ومعسكر الباحثين عن فرص اقتصادية، ولو على حساب أمن المنطقة من بعض الأجنحة في الدول الأوروبية التي تسعى إلى الانتعاش الاقتصادي ولو عبر التصالح مع تلك العقيدة العسكرية، وغض النظر عن جرائم إيران ضد شعبها ودول المنطقة.

اليوم على العراق والخليج عبء كبير جداً بسبب تضخم حالة عسكرة المنطقة ومحاولة تطبيع واقع ناشز عبر القبول بالميليشيات، لذلك إعادة ترسيم أمن الخليج هي أولوية قصوى للمحافظة على مكتسبات «رؤية 2030» التي يتجاوز أثرها المملكة إلى عموم الشرق الأوسط بما تملكه من خطوط عريضة لمستقبل مزدهر. التحدي اليوم هو التعاون مع العقلاء في العالم لدعم مشروع الاستقرار المؤسس على أمن الأوطان الحجر الأساس في رفاهية البشرية، بالأخص شعوب المنطقة التي سئمت حالة التردي التي لا يمكن أن تستحيل إلى واقع مستدام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة صعود الميليشيات هل تنجح مقاربة الوجبات السريعة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon