توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التلاحم ضد معارك التلاسن: درس الحكمة السعودية

  مصر اليوم -

التلاحم ضد معارك التلاسن درس الحكمة السعودية

بقلم:يوسف الديني

لكي نفهم التصريحات المتضاربة لإدارة الرئيس بايدن حول الزيارة المزمعة للسعودية، وقد أوضحت بعضها في مقال: «لماذا السعودية هي الدولة المنشودة؟»، علينا أن نأخذ مقاله الأخير في «واشنطن بوست» كعينة من خطاب أميركي داخلي، ضمن سلسلة ضاربة الجذور في حرب التلاسن بين الحزبين، لاقتطاع حصّة من الجمهور، أو ما يعرف في أدبيات الخطاب السياسي في الداخل الأميركي المقبولية للعنف السياسي «Acceptability of violence»، ويشمل ذلك التصعيد، وحالة الإقصاء، ومحاولة إرضاء النخبة الفاعلة والمتصدرة للصحافة والإعلام، لصناعة رأي عام حتى لو لم يمثل الأكثرية. نرى ذلك في السياسة وفي الخطابات المتطرفة لقيم الأقليات والجندر والإجهاض وحمل السلاح.
ماذا عن السياسة الخارجية؟! الأمر ازداد تفاقماً بعد التحول الشعبوي الهائل الذي أحدثه ترمب في قلب المعادلة، وشعاره إعادة عظمة أميركا مجدداً الذي اشتغل فيه على خطاب هيمنة متعالٍ، كان من الصعب دحضه مع بايدن وإدارته من خلال خطاب عقلاني واعٍ، فتم اللجوء إلى «تصدير قيم الديمقراطية» في شكل خطاب هجين، استفز الداخل الأميركي قبل الخارج، وحمل العديد من نقاط الضعف والتناقضات والانكشاف الكبير الذي خلف معضلة بحجم الانسحاب الكبير في أفغانستان.
مقال بايدن الأخير يصب في حقن الداخل الأميركي بجرعة تصعيدية من حرب التلاسن الداخلي، مع محاولة الحفاظ على الدبلوماسية، والتقدير الكبير للشرق الأوسط والدولة المحورية فيه اليوم، وهي المملكة العربية السعودية، فبات وكأنه يكتب مقالين في مقال؛ فقرة لإرضاء الأقلية المتطرفة «تيار المستيقظين» Woke culure، وفقرة يحاول فيها التأكيد على التنصل من كل الوعود الشعاراتية قبل الرئاسة، والاستهداف اللفظي لمكانة المملكة، والعودة للتصحيح باعتبارها شريكاً وحليفاً رئيسياً ومهماً لا يمكن تجاهله، مغلفاً ذلك برؤية حالمة لفصل جديد واعد في الشرق الأوسط أكثر أمناً وتكاملاً؛ لكن مع الإصرار على تمتين حبل الود مع السعودية، باعتبار أنه يريد توجيه العلاقات وليس قطعها «مع دولة كانت شريكاً استراتيجياً لمدة 80 عاماً».
وبعيداً عن تتبع المقالين في مقال الذي انتهجه بايدن في كتابته، فإن أصدق جملة فيما كتبه هي أن الشرق الأوسط «منطقة مليئة بالتحديات؛ برنامج إيران النووي، ودعم الجماعات التي تعمل بالوكالة، والحرب الأهلية السورية، وأزمات الأمن الغذائي التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، والجماعات الإرهابية لا تزال تعمل في عدد من البلدان».
في ورقة مهمة نُشرت في منصّة «www.journalofdemocracy.org» تتبعت راشيل كلاينفيلد بمهارة مسيرة العنف السياسي والتلاسن وصولاً للعنف، بسبب حالة التنافس بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة، وكيف خلق قوة كامنة للعنف تكونت من مجموعة متنوعة من الأحداث الاجتماعية التي تمس عدداً من الهويات المترابطة، وتم خلقها عمداً لأغراض سياسية حزبية ضيقة، والحال -كما تقول- أن العنف السياسي له تاريخ طويل في الولايات المتحدة، وتحديداً منذ أواخر الستينات من القرن الماضي، على يد مجموعات يسارية متطرفة، باسم القضايا الاجتماعية والبيئية والمتعلقة بحقوق الحيوان. ابتداءً من أواخر السبعينات ثم لاحقاً تحول العنف السياسي إلى اليمين، مع صعود جماعات تفوّق البيض ومناهضة الإجهاض والميليشيات. الإشكالية في الحزب الديمقراطي تبدو أكثر تناقضاً، بسبب أن قاعدة الحزب الديمقراطي غير متجانسة للغاية. لذلك يجب على الحزب أن يوازن بين المطالب المتنافسة، على سبيل المثال تلك الخاصة بالناخبين الشباب الأقل موثوقية الذين «استيقظوا» مع أولئك الذين يتمتعون بمصداقية عالية من رواد الكنيسة.
فيما يخص الرئيس بايدن، القصة أيضاً أعمق، بحسب ستيفن إم والت، في مقال تحليلي بـ«الفورين بوليسي» حمل عنوان «هل سياسة بايدن الخارجية فاشلة؟»؛ حيث أكد أنه عندما أصبح بايدن رئيساً، افترض الكثير أن أميركا ستدير علاقاتها بشكل متزن، وأنه سينتهي عصر التبجح الذي يهزم الذات والدبلوماسية بتغريدة على «تويتر»؛ لكن ذلك لم يحدث، ربما بفعل حنين استراتيجي لتاريخ السياسة الخارجية لعظماء مثل كيسنجر أو جورج كينان أو حتى زبيغنيو بريجنسكي، وهو ما بات يطرح بشكل كبير في المحتوى النقدي بالداخل الأميركي.
بعبارة أخرى، يمكن تكثيف أزمة اللغة والخطاب في السياسة الخارجية، والتي بدت واضحة في المقالين/ المقال، بأن هناك أزمة اتساق فكري، بحسب عبارة والت.
اليوم يفهم المراقبون ويقدرون الحكمة السعودية والتقاليد العريقة لبيت الحكم، في تلقيه العقلاني لمخرجات حرب التلاسن الانتخابية، مع إدراك ووعي كبير لسياقها ومخرجاتها، والتركيز على لغة الدولة العاقلة التي تستهدف المؤسسات لا الأشخاص، وتؤكد على السيادة وتثمن التاريخ المتجذر للتحالف ولا تشخصن الأزمات؛ بل تضعها في سياقها.
درس الحكمة السعودية هو نتيجة قصة تلاحم كبرى بين القيادة السياسية والشعب، واليوم هو تلاحم حول الولاء لمشروع رؤية متكامل، يتمحور حول المواطن ورفاهيته، ويسعى للمستقبل، وينشد التغيير من أجل الأصلح، بعيداً عن أي سياق آخر خارجي، أو حتى طلب تقدير هذا التحول الكبير يعيشه السعوديون اليوم، ويلمسون آثاره في حياتهم اليومية، وتجاوزهم للتحديات والصعاب والمنعطفات التاريخية، وكان آخرها حملات الاستهداف، ثم أزمة «كورونا»، وصولاً إلى التبعات الاقتصادية الصعبة للأزمة الروسية- الأوكرانية، وفي كل منعطف لا ادعاءات بالكمال أو التفوق؛ بل إصرار كبير على التلاحم المستمد من تاريخ طويل، والطموح الذي يطول عنان السماء!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التلاحم ضد معارك التلاسن درس الحكمة السعودية التلاحم ضد معارك التلاسن درس الحكمة السعودية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon