بقلم : يوسف الديني
الهجمات الأخيرة لميليشيا الحوثي الإرهابية التي استهدفت السعودية بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية هوجاء هي بمثابة رصاصة الإدانة لازدواجية معايير المجتمع الدولي وفي مقدمة ذلك الدول الغربية وارتباكها غير المبرر في مقاربة ميليشيا الجريمة واستهداف الأطفال والمدنيين بأدوات حربية صنعت في إيران وتم تدريب عناصر الميليشيا الذراع الأكثر نشاطاً وتفضيلاً من قبل ملالي طهران مؤخراً بسبب سهولة الاستثمار في حالة اليمن، حيث تعم الفوضى واللادولة، بينما تستيقظ الدول الإقليمية التي تحاول فك ارتباطها بالهيمنة الإيرانية فيما يشبه المعادلة «الاقتراب من الدولة» هو ابتعاد عن مشروع إيران التوسعي والتدميري والطائفي، وهو ما يفسر لنا التوقيت الاستباقي للسياسة الخارجية السعودية في مباحثاتها الأمنية مع العراق واستقبال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف في إشارة إلى مستوى المباحثات وحجمها ومآلاتها، حيث الملف الأهم؛ ملف مكافحة الإرهاب وضبط الحدود وتبادل الخبرات الأمنية، وهي رسالة واضحة عن تمايز تحولات المنطقة ومستقبلها إلى مشروعين؛ مشروع «رؤية 2030» الطموحة وبناء المستقبل ليس للداخل السعودي بل ومشاركة دول الإقليم في تعميم نموذج التجربة الناجحة وضمانة حمايتها، والمشروع التدميري الذي تحاول الدول التي حاول ملالي طهران ابتلاعها طويلاً الخروج من مأزقها بعد أن وصل الرفض إلى عمق الكتل التي كانت تاريخياً تميل لمشروع ثورة الملالي التي آلت إلى الدمار والفقر وغياب التنمية.
وعوداً إلى المحاولات الآثمة لاستهداف المملكة من قبل ميليشيا الحوثي الطيعة لأوامر «الحرس الثوري» فإن أدق وصف لهذا السلوك الأرعن جاء على لسان العميد الركن تركي المالكي المتحدث باسم وزارة الدفاع الذي قال إنه همجي ولامسؤول، وهو ما يعكس تدهور موقفها في واقع سير العمليات العسكرية على الأرض وفقدانها لقيادات ميدانية مهمة.
الأجندة الإيرانية اليوم تبحث عن ملاذ لتنفيذ مشروعها ولا أجدى من خرائب الحوثيين التي تعتمد على الاقتصاد الموازي من الجريمة وتهريب السلاح وإجبار الأطفال على القتال وتجنيدهم وزرع الألغام ضد المدنيين في اليمن، وهو يعني تجاوز السؤال عن امتلاك ميليشيا الحوثي لقرار الحرب والسلام إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو ما الذي تبقى في الاستخدام الرخيص من قبل الملالي لهم على حساب اليمن الذي يعيش أكثر أحواله تدهوراً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ودوله الكبرى التي تدرك أن انهياره سيكون أكثر تجذراً لولا إصرار التحالف، وخصوصاً المملكة، على إنقاذ اليمنيين من ميليشيا الحوثي رغم كل التحديات ومن أهمها الأصوات النشاز التي تحاول إعادة موضعة ميليشيا الإرهاب كفصيل سياسي وتصمت ببلادة تجاه جرائم الحرب التي يقودها ضد المدنيين والأطفال من أبناء اليمن ويحاول من دون أن ينجح إرضاء الملالي باستهداف أمن الخليج وممرات التجارة الدولية.
رعونة الميليشيا حالة كاشفة لضرورة وأهمية «عاصفة الحزم» وأسباب قيامها وتداعيات تدشينها وأنها ضرورة لليمنيين قبل دول المنطقة لكبح جماح تدخلات ملالي إيران السافر في السيادة اليمنية، ومحاولة إتمام مشروعها الآيديولوجي الكبير والشمولي والمتمثل في تصدير الثورة، وبناء تجارب سياسية قائمة على «التشيع السياسي» الذي يتجاوز المسألة الطائفية إلى مشروع انقلابي متكامل يحاول معانداً ثوابت التاريخ والجغرافيا والمكانة محو الهوية اليمنية والخليجية والعربية وتجريفها.
والحال أن إصرار ميليشيا الحوثي على بقاء ما وصفه العميد المالكي بالهمجية من خلال استهداف السعودية بالصواريخ الإيرانية الفاشلة، هو رهان يتخذ مسارين؛ الأول محاولة إرضاء طهران والتماهي مع استراتيجيتها الحربية التي تتوسل الأذرع والكيانات الإرهابية التابعة لها، ومن جهة ثانية محاولة تضخيم قدرات ميليشيا الحوثي لإعادة تموضعها في الذهنية الغربية والخطاب الدولي ولو عبر الاستهداف الفوضوي الذي رغم الاستثمارات الهائلة فيه لا يحدث فوارق نوعية على الأرض بل يزيد جميع الأطراف العاقلة في المنطقة ثقة بأن معضلة اليمن لا يمكن أن تؤول إلى حل من دون قطع الصلة بين الميليشيا الإرهابية الطيعة لخيارات طهران وبين أي مستقبل سلام في اليمن، وهو أمر يدرك الحوثيون واليمنيون أنه مسألة وقت تطول أو تقصر، وإطالتها ليس إلا زيادة في إنهاك الحالة المتردية لليمن بسبب حالة الوصاية والجباية القسرية للحوثيين واجتراح اقتصادات الجريمة لإنعاش خط الإمدادات والأسلحة من إيران.
وللمترددين في مقاربة ميليشيا الحوثي الإرهابية من المجتمع الدولي بدوله ومنظماته، فإن صواريخه الأخيرة التي طالت الأطفال والمدنيين أكدت أنهم يحاولون عبثاً تلميع كيان إرهابي يرتكب جرائم حرب ضد الشعب اليمني ودول الجوار وفي مقدمتها السعودية، ولا يمكن لطرف كهذا أن يتحول فجأة إلى كيان سلمي وسياسي، يتم التفاوض معه لمجرد أنه خسر آخر صاروخ إيراني من إمداداته أو حاز المزيد منها.
الحوثيون كانوا ولا يزالون أحد أخطر الكيانات العسكرية المؤدلجة عقائدياً، التي تسعى إلى بناء مشروع ماضوي طائفي شأنه كـ«داعش» و«القاعدة» وأخواتهما لا فرق بينها إلا في الأقنعة.