توقيت القاهرة المحلي 07:14:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجذّر الميليشيات ومستقبل المنطقة

  مصر اليوم -

تجذّر الميليشيات ومستقبل المنطقة

بقلم: يوسف الديني

إذا ما أمكن تلخيص الحالة العربية، اليوم، يمكن القول فتّش عن الميليشياوية رعايةً وتأييداً ودعماً، وصولاً إلى حالة الإنكار والإهمال، وستعرف أن المنطقة للأسف تعيش أسوأ مراحلها، حيث تتحكّم الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، سنيّها وشيعيّها، في إنتاج الأزمات والفعل المسلح، الذي يؤثر بشكل مباشر على صناعة القرار واتخاذ ردات الفعل، إضافة إلى تفاعل المجتمع الدولي حيال ذلك من العراق إلى سوريا إلى لبنان ثم اليمن فليبيا وشمال أفريقيا، هذا بشكل مباشر ويومي وفاعل. وفي باقي المناطق، إما على شكل تهديد واستهداف، كما هو الحال للدول المستقرة، أو التي تحاول التعافي من مرحلة ما بعد «الربيع العربي»، أو على شكل تأييد واستتباع وتحالف كما يفعل حلف الأزمات بقيادة إيران ونظام إردوغان ونظام الدوحة في تبني تلك الميليشيات ورعايتها على سبيل الأذرع الفاعلة كقنابل موقوتة، أو على سبيل دعمها في أن تزاحم الخيارات السياسية المعتدلة، كما هو الحال في مناطق كثيرة يتم تصعيد منطق الميليشيا والقوى الصلبة للتيارات المتطرفة على حساب الفاعلين السياسيين غير المنتمين لتلك التنظيمات والميليشيات، في ظل ارتباك الحالة الدولية، وعدم وضوح الرؤية على مستوى التصنيف والقراءة الدقيقة لما وراء الشعارات السياسية والحقوقية، إلى طبيعة تكوين وتاريخ تلك التنظيمات وعملها ومؤيديها، والرعاة الذين يقفون وراء ضخ الحياة في أجسادها الموقوتة بالموت والدمار.
عادة تمارس الميليشيات في كل المناطق لعبة الأقنعة مع قوى المجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية والدول الكبرى التي تتأرجح بين الصمت والاستغلال البراغماتي، وصولاً إلى التواطؤ، كما رأينا في بعض المناطق (الحالة الليبية)، عبر الإنكار واللعب بازدواجية بين الادعاءات المتباينة.
هناك قناع ثوري يقدم لجمهور الميليشيا، وحتى بعض الدول التي تنظر لهم كطرف سياسي، من دون قراءة لحالة الاختطاف التي قاموا بها للحالة السياسية، بسبب الارتهان لشعاراتهم الدعائية ضد الدول المستقرة، أو حتى ضد الغرب بشكل عام، تلك الشعارات التحريضية والدعاية السياسية المضادة يتم عادة تقديم الاعتذار عنها من قبل العقل الميليشياوي، إذا مست الذات الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، ويتم نفي كل الجرائم والكوارث الإنسانية في اللقاءات الناعمة أمام المنظمات الدولية والحقوقية، واستبدال قناع المظلومية والأقلية المضطهدة به، إضافة إلى محاولة إظهار الملف الإنساني على أنها أزمات نزاعات أهلية مسلحة!
الميليشيا منظومة متكاملة أكثر تعقيداً من جماعات العنف، فهي ذات بعد سياسي واضح وقابل للتفاوض، ولذلك كانت فكرة التفاوض مع «طالبان» ناجحة، بينما تقترب من الاستحالة مع فصائل «القاعدة» التي تعيش حالة من إعادة تعريف ذاتها، بعد انهيار التنظيم العالمي الذي يمثله الظواهري، وظهور تنظيمات محلية أو عابرة للقارات، عبر مجموعات جديدة ليست لديها خبرة تنظيمية، ولكن لديها دافع عقائدي خلاصي، ورغبة في الموت - الشهادة كنهاية خلاصية وليس لتحقيق مشروع الخلافة.
صعود الميليشيا، منطقاً وثقافة وسلطة، بات أمراً واقعاً في رقعة كبيرة من الوطن العربي والإسلامي، لا سيما في البلدان التي خاضت تجربة ما عرف بـ«الربيع العربي»، وما تلاها لاحقاً من تهشم سلطات مركزية، بدءاً من انهيار سلطة الدولة المركزية، وصولاً إلى تفسخ عدد من المؤسسات العسكرية والدينية، وتراجع قدرتها على ضبط إيقاع الفضاء العمومي والمجتمعي.
وجود الميليشيا قديم يرافق وجود الدولة الحديثة، ويحدثنا التاريخ عن أنواع كثيرة من الميليشيات التي كانت تعبّر عن كيانات سياسية، كما أن الواقع اليوم يخبرنا عن تحول جذري، واندماج ميليشيات كثيرة في جسد الدولة كالميليشيا الفرنسية في حكومة فيشي، أو الميليشيا الروسية الريفية، التي تحولت إلى جزء من جهاز الأمن الداخلي في الاتحاد السوفياتي، وكانت تجربة الفرق التطوعية من المحاربين القدامى الألمان التي شكلت لاحقاً ميليشيا بيد النظام، وعبر التاريخ، كانت الميليشيا البديل الجاهز لمقاومة الاحتلال في حال انهيار الجيش النظامي للدولة، كما هو الحال في تجارب يوغوسلافيا والجيش الشعبي التابع لماوتسي، وربما كانت تجربة تنظيم «إيتا» الإسباني المثال الأكثر وضوحاً عن التطرف المسلح الدنيوي السياسي وليس العقائدي.
حالة الفراغ السياسي الذي يتحمل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الجزء الأكبر فيه، بسبب قدرتها على التأثير وحشد قرار سياسي دولي - هي ما تخلق ربيع الميليشيات، وتحول مكونات اجتماعية إلى مجموعات مسلحة قادرة على التأثير، وبالتالي فحتى مع التخلص من «داعش» وأخواتها، ولو عبر طائرات من دون طيار، أو حرب استنزاف، لا يعني نهاية القصة مع بقاء مسببات بقاء العنف بالبحث عن أعذار متوهمة.
أزمة الميليشيا اليوم وصعودها في عالمنا الذي نعيشه هي أنها تيارات تتجذر على الأرض، مسنودة بصمت الأكثرية غير المسيسة، التي تعتقد أن إدانة العنف خيانة للذات، من جهة أخرى دخلت على الخط مجموعات منتفعة من العنف عبر استغلاله سياسياً، سواء في تضخيم المسألة أو تحويلها إلى صراع أممي، وهنا تدخل على الخط إشكالية التقاطع مع الخارج... استخبارات ودول وكيانات مركزية وجماعات مسلحة عابرة للقارات، وهو ما زاد من تعقيد المسألة، وجعلنا ندور في فلك الميليشيات وتأثيراتها لنعالج الآثار والنتائج من دون أن نقتلع الجذور والمسببات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجذّر الميليشيات ومستقبل المنطقة تجذّر الميليشيات ومستقبل المنطقة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon