توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مستقبل سوريا ما بعد الأسد

  مصر اليوم -

مستقبل سوريا ما بعد الأسد

بقلم : يوسف الديني

لم تتكشف كل أركان قصة سقوط نظام الأسد المفاجئ للجميع، حيث بدا الطريق إلى دمشق قصيراً. مجموعات من المقاتلين غير متجانسة من حيث الأهداف واللغة، ومن خلفيات وجنسيات مختلفة منضوون تحت «هيئة تحرير الشام» أخذوا لقطة الختام لنظام فقد كل أسباب البقاء لدى حلفائها قبل خصومه، لكن هذه المجموعة التي يعاد إنتاجها الآن إعلامياً، خصوصاً في المقاربة التركية بدرجة أولى والغربية بدرجة ثانية بكثير من البراغماتية، معتمدة على رصيد هائل من كوارث النظام السابق تحاول جاهدة طمأنة السوريين والمجتمع الدولي حول السردية الجديدة تجاه مستقبل سوريا.

سوريا التي يتجنب وصفها القادمون الجديد مستخدمين ما اعتادوا عليه «بلاد الشام»، وهي تسمية ستطرح الكثير من الأسئلة والمخاوف، خصوصاً بعد أن يستيقظ السوريون من نشوة التخلص من النظام الذي تسبب بكل هذا الفقر والخوف والتشريد والقتل والتهجير، كما ستتكشف مع الوقت تفاصيل قصة ما تصفه الجماعة بأنه فتح أو تحرير بينما تصرّ الدول التي كانت حاضرة في سوريا أكثر من النظام نفسه على أنه نتيجة انتقال للسلطة من خلال التخلي عن نظام بشار الأسد بعد أن استنفد كل الفرص ولم يقم بأي خطوات حول الملفات الأساسية ومنها اللاجئون.

الإرث الدموي لنظام الأسد ولّى إلى غير رجعة؛ لذلك فإن الاتكاء على متنه المتوحش والاستثمار في تفاصيله لا يمكن أن يمنح القادمين الجدد الشرعية ما لم تضمن الأساسيات للسوريين وتطمئن العالم، خصوصاً دول المنطقة المستقرة حول المستقبل، ولا يمكن للخبراء والعارفين بالأصولية والتطرف والإرهاب الاعتماد على دعاوى التحول والخطاب المعلن للقادة من دون معرفة خطة واضحة من أنه ليس براغماتياً ومصلحياً، ويعبّر عن تقية حركية ألفناها منذ انبعاثها مع بدايات القرن العشرين بكل نسخها السنية والشيعية، كما سلوك القفز على كرسي السلطة مختلف عن خطاب التمكين وتقاليد ابتلاع التعددية والتعايش مع المكونات والانحياز للوعد الإلهي.

المخاوف مشروعة ويعزّزها خارج تصريحات القادة أمران: الأول ما يرشح من المتن المقلق جداً لمحتوى المقاتلين الموجود على منصات التواصل من اعتبار أن تحرير الشام خطوة أولى، خصوصاً من المقاتلين غير السوريين. والآخر: خطاب الأنصار والمعجبين بما حدث، خصوصاً أنه قدّم على أنه نتيجة نصر سريع وحاسم وليس حسابات وتوافقات معقدة مبنية على هشاشة النظام وخروجه عن حالة «الدولة» منذ سنوات وارتهان مصيره إلى حلفائه الذين لم يعد يشكل بقاؤه أولوية لهم.

وفي حال استبشر أهل المنطقة بتراجع هيمنة المشروع الإيراني في سوريا، لكن لا أحد سيغتبط باستبداله بهيمنة تركية ذات مطامح لاستعادة العثمانية ولو رمزياً.

ما حدث كان مؤشراً على أن سلطة نظام الأسد أضعف مما كان يتخيل الجميع، خصوصاً في الدول الغربية التي ظل ملف المهاجرين مؤرقاً لها، وكذلك الدول العربية التي منحت النظام الكثير من الفرص؛ طمعاً في إعادة تأهيل النظام وإنقاذه من نفسه وتبعيته لمشاريع خارجية، وصحيح أن إيران وروسيا تقلّص نفوذهما، لكن القدرة على عقلنة تدخلات تركيا إردوغان سيكون مسألة ملحّة في مستقبل سوريا ومحيطها، خصوصاً مع استحقاقات إعادة الإعمار ومآلات معضلة غزة الملف الفلسطيني والترقب لمقاربات الولايات المتحدة، خصوصاً مع إدارة ترمب وطريقة تعاملها مع تنظيم ما زالت تصنفه ضمن قوائم الإرهاب، ووضعت مكافأة مالية لزعيمه أبو محمد الجولاني قبل أن يظهر كأحمد الشرع على شاشة CNN فيما بدا لكثير أنها رغبة في تجنب عقدة العراق وأفغانستان وانهيار مؤسسات الدولة ومحاولة العمل مع كل الأطراف الفاعلة، لكنه أيضاً مثير للقلق للمراقبين الذين يدركون فوارق الجغرافيا والتاريخ والتركيبة السكانية والنسيج الاجتماعي.

سوريا مستقرة مكسب للجميع يمكن بدعم دول الاعتدال بقيادة السعودية أن تلهم كل المنطقة للخروج من مأزق ما بعد الدول الفاشلة، لكن فضيلة الاستقرار تتطلب ما هو أبعد من الدبلوماسية أو النوايا الحسنة أو إعادة تسويق التنظيمات المسلحة بناءً على خطاب معلن لقياداتها الذي يحتاج إلى معالجة لكل الملفات والقضايا العالقة من خلال مقاربة متوازنة واستراتيجية متوسطة وطويلة المدى ومزيج من الدعم الإنساني وتحسين الحالة الاقتصادية وتعميم ثقافة التسامح وتعايش المكونات الوطنية باعتبارهم شركاء في المواطنة وليسوا مجرد أقليات يتم استعطافهم أو الاستثمار في رعايتهم.

من المبكر أن تسرع في الأحكام رغم أن الأغلبية في العالم العربي شعروا بأن أهلنا في سوريا خرجوا من نفق مظلم وطويل، وأن عليهم وحدهم تقرير مصيرهم ومستقبلهم وصناعة بديل سياسي توافقي من دون وصاية قادر على خلق وحدة وطنية.

درس ما بعد «الربيع العربي» يتعزز اليوم أكثر من أي وقت مضى مع نهاية صفحة نظام الأسد السوداء، وحاجة المنطقة إلى فضيلة الاستقرار ومؤسسات دولة قوية ومواطنة تسع الجميع بما فيهم المغلوب على أمرهم ممن عمل مع النظام السابق عبر إيجاد قاسم مشترك فيما بينهم بعيداً عن كل الأدبيات القيامية ونهاية الزمان التي يتم التحشيد عليها الآن في الإنترنت المظلم للإرهاب!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل سوريا ما بعد الأسد مستقبل سوريا ما بعد الأسد



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon