توقيت القاهرة المحلي 00:11:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا واللحظة الحرجة!

  مصر اليوم -

سوريا واللحظة الحرجة

بقلم : يوسف الديني

شبح الحرب الأهلية وعودة التنظيمات المتطرفة في سوريا اليوم هو أشبه بلحظة استعادية «Déjà-vu» هذه اللحظة الحرجة للمنطقة كانت مفاجئة وصادمة، لكن اليوم يمكن قراءتها ضمن سياقات أوسع وهي معادلة الدولة وشبح الانزلاق في الفوضى.

من يقرأ السياقات منذ «طوفان الأقصى» وإلى حالة تراجع المشاريع التقويضية لمفهوم الدولة ذات الطابع التوسعي والشمولي، يستطيع إدراك أنَّنا بإزاء مرحلة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث؛ حيث تحولت العديد من دول المنطقة التي لم تستطع التعافي للوصول إلى حالة الدولة ذات السيادة الكاملة، إلى مختبرات تجريبية لصراعات تلك الأطراف في ظل ضعف المؤسسات الدولية وحالة الانكفاء والتخلي التي تعيشها الدول الكبرى، وهو ما بات يُلقي أعباء كبرى أمام الدول العربية، خصوصاً دول الاعتدال بقيادة السعودية إلى بذل كل الجهود للحفاظ على مكون الدولة مهما كان التحفظ أو النقد، وهو في معظمه كان صريحاً في المشروع العربي لإعادة سوريا إلى السياق العربي، الذي لا يمكن مهما حدث الخروج عنه، لا من حيث الضرورة التاريخية أو أقدار الجغرافيا والثقافة الضاربة بجذورها في عمق سوريا.

السياق الذي بدت فيه سوريا على الأقل خارج نطاق الفوضى منذ ما قبل «طوفان الأقصى»، بات اليوم يعيش منعطفاً خطراً بسبب أنَّها مطوقة بحدود ملتهبة وتراجع كبير في تحالفاتها للبقاء، التي طوقتها أيضاً بتحديات كبيرة على مستوى الجانب الأمني والاقتصادي والسيادي، وفي أول اختبار لتراجع المشاريع التقويضية يُطل اليوم شبح الفصائل المسلحة، التي يتقاطر عليها المقاتلون من كل حدب وصوب.

وساهم في ذلك تحولات كبرى في وضعية إيران، والبحث عن مقاربة تفاوضية مع الإدارة الأميركية المرتقبة، في ظل أيضاً مشاريع لخفض التصعيد والحوار مع دول الجوار، خصوصاً الرياض التي ضربت نموذجاً واقعياً وعقلانياً يقدم مصلحة المنطقة على كل الاعتبارات.

سوريا منهكة من التدخلات الخارجية من كلا الطرفين، وظلت ساحاتها أيضاً مرمى نيران إسرائيل في ظل شره نتنياهو للانتقام، وانشغال روسيا بحربها، وإيران بأذرعها، مما خلق فراغاً على الأرض سرعان ما استغلته التنظيمات المسلحة، في التحشيد ضد تحويل سوريا إلى منطقة فوضى، ربما لا يمكن أبداً - بسبب تعقيدات تموضعها السياسي والجغرافي - التنبؤ بما ستؤول إليه العواقب.

من جهة أخرى كانت الفرصة سانحة جداً مع مشروع إعادة التأهيل الذي قادته الدول العربية وبدعم كبير من السعودية، التي فتحت سفارتها مؤخراً بدمشق لإعادة تأهيل سوريا العربية ومنحها الفرصة للخروج من مأزق التدخلات الخارجية.

وقد كانت خطوة مهمة جداً لاستعادة سوريا، وبدء المفاوضات حول عودة اللاجئين وإصلاحات عميقة لضبط الأمن، وشبكات الحدود والجريمة المنظمة.

لا أحد يفكر في مسألة عودة سوريا إلى مربع الفوضى أو تلك اللحظة الاستعادية، التي رأينا فيها «داعش» و«القاعدة» وعشرات التنظيمات تعبث فيها، كما أن فكرة التقسيم غير واردة أبداً حتى لأكثر المختلفين مع سلطات دمشق.

من هنا فإن سياق الأحداث على الأرض لا يمكن أن يلغي فكرة ضرورة البحث عن حل تفاوضي وقرارات شجاعة، لقطع الطريق على عودة كابوس الفوضى منذ 14 عاماً، وما تبعه من تداعيات الاقتصاد الهش والأوضاع المعيشية، ورغم الخوف الكبير من تفاقم الأزمة، فإن المبادرة اليوم لتدارك ما حدث واستغلال المواقف العربية من جهة والمخاوف الدولية من عودة شبح التنظيمات المسلحة المصنفة على قوائم الإرهاب، التي لا يمكن أن تذهب بعيداً مهما غيرت من جلدها أو حاولت التلبس بقدرتها على تمثيل سوريا بمناطقها وتنوعها، وعلى الأقل ما رشح من مشاهد وصور وفيديوهات سيزيد من قلق المراقبين والقلقين على سوريا أكثر من أي وقت مضى.

هل يشبه الانسحاب الروسي والإيراني من سوريا نظيره أعني الانسحاب الأميركي، وترك البلد لطالبان كما يحاول بعض المحللين الغربيين استسهال قراءة الأشباه والنظائر السياسية؟

طبعاً لا كبيرة، فحجم التنوع وطبيعة الشعب السوري وعلاقته المعقدة بحدوده، إضافة إلى موقعه الجغرافي، كل ذلك يؤكد أن الحالة السورية أكثر حرجاً وتعقيداً من جهة، كما أن فكرة النسيج الاجتماعي المتنوع لا يمكن معها تخيل الانحياز للأمر الواقع وشرعنة عودة الأصولية المسلحة، وربما هذا ما يفسّر التنازلات الكبيرة التي قدمتها الدول العربية في مشروع دعم سوريا، على الرغم من كل التحديات المتصلة بطبيعة الأحداث والتحولات والتحالفات على الأرض، التي ربما أبطأت في الدفع بملف الاندماج في السياق العربي.

لا يمكن اليوم الخروج من مأزق الحالة السورية إلا بحل دبلوماسي وحوار جاد، وبناء رؤية عربية صلبة للخروج من المأزق الميليشيوي ومستقبل الدم المحدق بسوريا، بحيث تبدأ الفرصة بنقاش الملفات ذات الأولوية، مع الدول ذات العلاقة في مسألة الحدود، بضمانة الدول العربية ودعمها، وحلحلة ملف اللاجئين المؤرق والتسريع بعودتهم إلى ديارهم وصياغة مقاربة وطنية شاملة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا واللحظة الحرجة سوريا واللحظة الحرجة



GMT 00:01 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 00:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

صلاح وليفربول وباريس

GMT 00:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

كلاب وسط البلد

GMT 00:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

طب وأطباء فى حياتى

GMT 12:03 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 12:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!

GMT 11:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 11:56 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«كاستنج» والتنقيب عن بئر نفط المواهب

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 14:12 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 19:47 2021 الأربعاء ,23 حزيران / يونيو

منة فضالي تبهر متابعيها من احدث ظهور لها

GMT 17:17 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشيخ يوقع للزمالك بعد رحيله عن الأهلي

GMT 01:48 2020 الأحد ,30 آب / أغسطس

إصابة 3 لاعبين فى الزمالك بفيروس كورونا

GMT 18:09 2021 الخميس ,09 أيلول / سبتمبر

"حلم ليال" مسلسل ياسمين صبرى في رمضان 2022

GMT 09:05 2021 الأحد ,30 أيار / مايو

العملات المشفرة أمام عاصفة هبوط جديدة

GMT 10:19 2021 السبت ,20 آذار/ مارس

7 مواد غذائية أساسية تطيل العمر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon