توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حماية منطق الدولة من تغوّل التكنولوجيا

  مصر اليوم -

حماية منطق الدولة من تغوّل التكنولوجيا

بقلم: يوسف الديني

الحروب الداخليّة المقنّعة التي كشفت عنها نزاعات منصّات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «تويتر» منذ اللحظات الأولى لصعود الشعبوية وتكثيفها عبر الترمبية Trumpism هي اليوم رأس جبل الجليد لسياق فلسفي عميق له جذوره السياسية والاقتصادية والإعلامية، فيما يخص علاقة المحتوى بالنزاعات والسجالات المجتمعية التي انتقلت من صالونات مغلقة إلى فضاءات الإنترنت ذات الذاكرة القصيرة التي عادة ما ترتبط بالأحداث وتستجلب المناصرين من دون أن تحظى بالتحليل والقراءة.
التأثير السياسي والاقتصادي لوادي السيليكون Silicon valley تحوّل إلى دولة كونية رقمية لا ينازع سلطتها سوى محاولات طموحة من الصين وبعض الدول الأخرى المستثمرة في سلاح البيانات، الذي بات اليوم وعقب كل الثورات والتحوّلات التي أحدثها في العالم أحد أهم محرّكات التغيير التي تتجاوز قوة المجموعات على الأرض؛ من التجنيد إلى التحشيد إلى صناعة المحتوى وإدارته مما التقطته كل المجموعات التنظيمية المعارضة والمسلحة والمناوئة لمفهوم الدولة، وكانت تجربة «تنظيم داعش» على سبيل المثال في نقل معسكرات التجنيد من الأرض إلى الفضاء الرقمي واحدة من علامات التحوّل الكبير، الذي نقل مداميك السلطة من الكتل الفاعلة في الأرض بممثليها إلى قوى رقمية لا تعكس سوى قدرتها على امتلاك البيانات، واللعب بها برمجياً عبر أسلحة جديدة من الخوارزميات إلى التسويق السياسي الرقمي وصولاً إلى التحكم في تدفق البيانات وشيوعها.
الخوف من الفوضى الرقمية وتأثيراتها هو اليوم هاجس مراكز البحث وخزانات التفكير في الولايات المتحدة والدول المتقدمة، كما هي الحال لدى الدول التي تسعى إلى الحفاظ على منطق واستقرار الدولة وسيادتها، وهو ما عبرت عنه كتابات العديد من أبرز مفكري العالم ومنهم فوكوياما وفريق عمله في جامعة ستانفورد، الذين ابتكروا منصّة لبرنامج بحثي عميق يناقش علاقة الديمقراطيات بالإنترنت، وهو في ظني ما تحتاجه دول المنطقة والخليج تتقدمها السعودية بمنصات مشابهة لحماية منطق الدولة وسيادتها من السلطة الصاعدة لاحتكار البيانات والإنترنت، من خلال فهم سياقها وتفكيكها وإيجاد صيغ قانونية لكبح جماحها، مما يضاف إلى الجهود الرقمية التي يمكن وصفها بالثورة في السعودية على مستوى التطبيقات والأمن السيبراني، إلا أن العمل على إيجاد محتوى مضاد داخل هذه المنصات التي من الصعب استنساخ بدائل خاصة بقوتها وحجم انتشارها قدر فتح باب النقاش معها ضمن المسارات القانونية والحقوقية، خصوصاً أنها بادرت بحملات ضغط ضد حقوق الملكية، وهو ما استجابت له أغلب الدول، بينما تعمل مجموعات الضغط المضادة للفوضى الرقمية في الولايات المتحدة على سبيل المثال على مساندة إجراءات مكافحة الاحتكار وتوازنات القوة ومعالجة التهديدات السياسية الناتجة عن تضخم المحتوى التضليلي، الذي تتنصل المنصات الكبرى لشركات التواصل الاجتماعي من مسؤوليته باعتبارها لا تدخل ضمن إطار مسؤولية النشر، مما فتح المجال لشيوع خطابات الكراهية ونظريات المؤامرة واستهداف استقرار الدول عبر خوارزميات غامضة مبرمجة من خلال تقنيات الذكاء الصناعي التي تعزز الربحية على حساب المضامين.
الفوضى الرقمية اليوم هي مأزق قانوني وسياسي قبل أن تكون معضلة حقوقية تتصل بشعارات لطالما تم استغلال مفاهيمها المتفق عليها لتمرير تطبيقات ومضامين تقويضية لاستقرار الدول. المسألة تتجاوز الموقف من الشركات أو احتكار «السيليكون» للبيانات إلى إعادة تقييم وتمييز لعلاقة العالم الموازي الرقمي بمفهوم النظام والدولة، وصعود المركزية والسلطوية العقلانية والحازمة، التي عادة ما تعبّر عنها السياقات الغربية باستخفاف ونقد للتجربة الصينية التي تنبهت إلى ذلك الاحتكار لكنها عالجته بإنتاج تجارب محلية بديلة لا يمكن أن تحظى بالاستنساخ العالمي أو على الأقل منافسته.
الاستفادة اليوم من وصول تأثيرات الفوضى الرقمية إلى قلب التجربة الديمقراطية في الولايات المتحدة رغم نتائجه المروعة وانكشاف حالة انقسام مجتمعي بالغة الخطورة، فرصة كبيرة لاقتناص اللحظة النقدية للدور السلبي لتلك المنصات وإعادة قراءتها ضمن تأثيرها على دول المنطقة، خصوصاً في مجالات التدخل السيادي.
هناك تراجعات ومراجعات هائلة اليوم على مستوى العولمة السياسية والقوميات العابرة للحدود لصالح السيادة الوطنية والاستثمار في الداخل، مع تحفيز نجاحاته إلى نماذج وشراكات عادلة مع دول العالم، حيث بات التدخل السياسي الذي مارسته على مدى عقود منظمات ومؤسسات ترفع شعارات برّاقة، بينما تشكّل برامجها وأطروحاتها تهديداً متنامياً لاستقرار الدول وازدواجية معايير حين يتم تطبيق تلك الشعارات على واقع بلدانها الأصلية أو الدول الكبرى.
النقد لازدواجية المعايير يجب أن يبدأ بتأكيد الإيمان وعدم الخلاف حول المفاهيم الإنسانية العامة؛ من العدالة إلى الحريّات وصولاً للحقوق، لكن الإشكالية ليست في المفاهيم وإنما في مضامينها وتطبيقاتها وتفاصيلها الصغيرة، حيث تعلمت دول المنطقة وفي مقدمتها دول الخليج منذ موجات الربيع العربي تحول شرارة تهديد فضيلة الاستقرار إلى برامج وحملات شرسة على منصات التواصل الاجتماعي من دون أن يحظى بالنقد، حتى بلغ الأمر كبرى الدول الديمقراطية ومنبع المفاهيم المعاصرة منذ الثورة الفرنسية... كلنا رأينا كيف أعادت باريس تقييم سياساتها منذ لحظة قيام السترات الصفراء الذي مسّ مهد الثورة التي قلبت وجه العالم، وصولاً إلى تنظيمات المحتوى الخاص بالشرطة، ولم يشفع للتحولات الجديدة خطابات القيم المتضخمة جميعها التي عادة ما تُلقى على شكل عظات وتصريحات منددة لدول العالم الثالث، بينما تعيش الدول الكبرى اليوم أولوية الاستقرار والسعي لازدهار اقتصادات السوق ومراجعة حدود علاقة السلطة والدولة بالديمقراطية والحريات وقيمها الأخرى، ومدى قدرة ذلك على تمثيل الأغلبية الصامتة، أو حتى الجماهير التي انتخبت وخاب أملها في نخبها التي لم تستطع إيصال صوتها.
بالنسبة للسعودية المتجددّة على وقع نجاحات التعامل مع ملف «كورونا» وتقديم رسائل إيجابية كان آخرها إصلاح سوق النفط عبر تقديم بوادر حسن النيّة وفض اشتباك الأسعار والإنتاج، فإنها تراهن على خيار التمسّك بمنطق الدولة ضمن منظور رؤيتها الإصلاحية 2030 من دون الالتفات إلى حملات الاستهداف التي لا يمكن أن تكون عقبة في سباق الاستقرار ودولة الرفاه ومكافحة الفساد، وتكريس خطاب الاعتدال الديني، رغم كل التحديات.
المستقبل والاستثمار فيه هو مشروع كل السعوديين اليوم، وهاجسهم وأملهم أن تقود رؤيتهم الواعدة إلى التأثير الإيجابي في اقتصادات العالم الجديد التي تتجاوز الاعتماد على قولبة السعودية كمنتج للنفط فحسب، بل كوجهة للعديد من فرص بناء شراكات استراتيجية تصب في صالح الاقتصاد الوطني، وكان آخرها «ذا لاين» الذي كان خطاً جديداً يكتب في صفحة مملكة المستقبل المتجددة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماية منطق الدولة من تغوّل التكنولوجيا حماية منطق الدولة من تغوّل التكنولوجيا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon