توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«رؤية 2030»: انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية

  مصر اليوم -

«رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية

بقلم: يوسف الديني

تعريفات الهويّة في الفلسفة والعلوم الإنسانية تربو على المائة بحسب زاوية تناولها، لكن ما أعنيه هنا بالهويّة، التي أود التعليق على انبعاثها في الداخل السعودي بالتزامن مع المشروع الهويّاتي، قبل أن يكون الاقتصادي أو السياسي، «رؤية 2030»، التي يتم ظلم عظمتها وتأثيرها في حصرها في جوانب محددة، الهويّة التي تقدمها لنا الرؤية أنها أكسبت رابطة المواطنة المجتمعية طابعاً ثقافياً، وأثرت التمايزات الفرعية والاختلافات المناطقية ثراءً وطنياً كبيراً من القهوة إلى المذاقات والفنون واللباس، وصولاً إلى إعادة إحياء التراث في أشكال احتفالية بسيطة للأسف يتم قولبتها في مقاطع سيارة للسوشيال ميديا، التي تلتقط المثير والسلوكي، بينما يستطيع الباحث والمتأمل أن يخرج بنتائج بحثية مذهلة في حال حاول مشاهدة الصورة الكلية، ما فعلته أني في يوم التأسيس، الذي كان يوم عطلة واحتفال ونقاشات وطنية في المجالس وعلى منصات التواصل الاجتماعي، حاولت مشاهدة مقاطع عبر خيارات تحديد المكان والوقت والنوع من كل مناطق المملكة، لأجد أن النتيجة نحن أمام مشهد يؤكد انبعاث الهويّة الوطنية والشخصية السعودية المدعومة بقوة الرؤية وشموليتها وكفاءتها في عدم التمييز والقطيعة مع التطرف والتعصب والخطابات المأزومة، هناك احتفال كبير بسؤال «الذات» دون شوفينية كما في بعض التجارب التي عاشتها دول وتجارب أخرى، وذلك لأسباب كثيرة ليس هذا محل بحثها، لعل من أبرزها أن الهوية في السعودية المتجددة، وليست الجديدة فقط، مرتبطة بمشروع فكري وهوياتي ورؤيوي ضخم وبملامح واضحة مرتبطة بالتحولات التي تصنعها الأجيال السعودية الشابة، الذين يعكسون هذه الاستعادة للهويّة دون أقواس آيديولوجية أو اختطاف خارج التجربة/ الكيان وربطه مباشرة بمفهوم الاستقرار والرفاه والمستقبل، واللافت بالنسبة لي في قراءة المحتوى العفوي - العضوي (Organic content) أن الفئة العمرية في تلقفها للرؤية وانبعاث الهويّة والشخصية الوطنية تختلف، حيث الأجيال الجديدة التي لا تهتم بصراعات الشرعية أو الأفكار أو المحاكمات لثنائيات ما زالت مرتبطة في أذهان الأجيال الأكبر سناً كثنائية الدعوة - الدولة، التراث - التجديد... إلخ هناك انحياز كبير للمستقبل لدى الجيل الجديد لكنه أكثر انحيازاً للاعتزاز بالتاريخ والذات من دون الدخول في تفاصيل التحيز الثقافي أو معارك تاريخية ليست ذات جدوى، هم أقرب لفهم أن تلك أمة قد خلت وأن السياق (context) مهم جداً لفهم التاريخ وليس تمثله.

السعوديون يعبرون في كل احتفال وطني منذ انطلاق الرؤية بشكل مختلف ومتميز يشبه كثيراً ما أحدثته الرؤية من لغة وأهداف وتطلعات حيث الرابطة الوجدانية تتقدم على الانحياز المناطقي، والاعتزاز بالتقاليد والثقافة المحلية، والعودة النوستالجية المرتبطة بالحنين، ونجد ذلك في رمزيات اللباس واللغة والفلكلور والطعام، وهو ما يخفيه المضمر من الاحتفالات على الظاهر الذي ينتقده البعض بشكل انتقائي ويظلم السياق الكلي والعدد الأكبر.
الهويّة الاستعادية التي قدمتها الرؤية مثيرة للتأمل والتساؤلات والكثير من التركيز على ضرورة رعايتها وتحويلها إلى مشاريع ومبادرات وطنية تحافظ على مكتسباتها، وأهمها الشعور بفضيلة الاستقرار والرفاه والثقة العالية بمخرجاتها، وإذا كانت الهويّة الوطنية في الأطروحات التقليدية تنتج عن الاشتراك في اللغة والأرض والمنافع، فإنها اليوم تستمد قوتها من التطلع إلى مستقبل مختلف والمنظومة القيمية الجديدة والمفاهيم المشتركة هي أبعد بكثير من مجرد وضع اقتصادي، فمنطق الدولة اليوم مقدم على كل ما عداه، والشعور بالمصلحة الوطنية دون ادعاءات شوفينية أيضاً حاضر وبقوة، حيث الكثير من المحتوى المعبر عن الاعتزاز بالسيادة والتراث والوعي الاجتماعي بالمتغيرات ونشوء مناعة ضد الاستهداف لا تخطئها العين، وإن كانت بحاجة إلى الكثير أيضاً من البرامج والمبادرات التي تعززها، خصوصاً فيما يخص المجال الثقافي والتاريخي والسياسي، وبلغة وطرائق يفهمها الجيل الجديد، وهم الذين يشكلون رواد الصف الأول اليوم فيما يخص مسألة انبعاث الهويّة.
أهم من كتب من المعاصرين في نظري عن الهويّة بهذا المعنى، لأنه فض الاشتباك عنها وعن مفارقاتها، الفيلسوف الكندي شارل تايلور، الذي يعتبر أن الهويّة تفاعل ذاتي أكثر من كونه استجابة طيعة لمدخلات خارجية، فهو كائن يؤول ذاته ولذلك لا يمكن الحديث عن هويّة مقطوعة عن جذرها الثقافي، وبهذا الفهم يمكن فهم حالة القطيعة التي يتم التعبير عنها بشكل واسع اليوم في السعودية، حيث الهويّة الجديدة المرتبطة بـ«رؤية 2030» تسحب البساط من الهويّات الأصولية الراديكالية، وأيضاً لا تتماهى مع الهويّات الحداثية أو المعولمة ومفهوم «المواطن العالمي»، أو بحسب تعبير تايلور لا يمكن عزل الإنسان عن المكونات التي تشتغل على دواخله العميقة، فهويّة البشر اليوم ليست منغلقة وكأنها مشاعر جوانية عمياء، لكنها مشدودة إلى ما يتجاوز المصلحة الذاتية، والمواطن اليوم مرتبط كفرد بمسؤولية الجماعة الثقافية التي في داخله، والتي تحضر بشكل ملموس في شكل «وطن» ومستقبل لا حدود لطموحات المؤمنين به من جيل الرؤية!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية «رؤية 2030» انبعاث الهويّة والشخصية الوطنية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon