توقيت القاهرة المحلي 22:45:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لحن القول: دعاة الإثارة والتكفير السياسي

  مصر اليوم -

لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي

بقلم - يوسف الديني

اهتممت بظاهرة الدعاة الجدد والمسيّسين منهم، لا سيما في الحالة الكويتية منذ نشأة الظاهرة واشتداد عودها قبل عقد من الآن تقريباً، وحينها صدرت العديد من الدراسات، أبرزها «إسلام السوق» للباحث السويسري باتريك هايني، أو ظاهرة ما بعد الإسلاموية بحسب أوليفيه روا، وكتبت عنها أكثر من دراسة نُشرت في مراكز أبحاث معنية برصد ظواهر وتجليات الإسلام السياسي، لكن الظاهرة اليوم تتجاوز ما سميته «الوظائف الدعوية» الوسيطة والتي برزت مع مصطلحات لم تعرفها التقاليد العريقة في الحضارة الإسلامية، لا سيما في المدرسة السنية المحافظة، من الداعية الذي عرفه الإسماعيليون والباطنية أو الراقي والمصلح... إلخ. تجاوزت ذلك إلى ما يمكن تسميته نزع الشرعية عن مفهوم الدولة القطرية الحديثة والاستقرار السياسي لصالح فكرة الأممية والشمولية الإسلاموية العابرة للحدود، ومن هنا يمكن أن نفهم تغريدة السويدان الجدلية ليس في سياق الخطأ، وإنما في ظاهرة أكبر، وهي المضمر والمسكوت عنه، الذي هو جزء من متلازمة الأصولية التي وصف الشاعر الفيلسوف الفرنسي فولتير صاحبها بـ«الأرثوذوكسي/ الأصولي الشخص الذي اعتقد أن روح القداسة التي تملأه فوق القانون».
من هنا تبدو الأصولية باعتبارها آيديولوجيا مغلقة، أحد أشد الأنماط الفكرية عداء لفكرة «التعددية»؛ ذلك أنه يعتبر الحقيقة التي يعبر عنها مطلقة ومتعالية على الواقع، حتى لو اقتضت الممارسة المصلحية (البراغماتية) التنزل مع الخصوم على مستوى الوسائل، لا الغايات، ومن هنا تبدو الأصولية أكثر الأفكار إحرازاً للتقدم في زمن الاضطرابات السياسية والاحتجاجات التي تتخذ شكل الثورة أو تتوسلها باتجاه الفوضى، هذا التقدم ليس معبراً بشكل حقيقي عن قوة الأصولية على الأرض أو الواقع؛ إذ لا تشكل رقماً كبيراً في بعض البلدان، أو تكون قارة وكامنة في شبكاتها الاجتماعية الضيقة «المنعزلة» في نماذج أخرى، لكن سبب تقدمها هو منطقها، تلك اليقينية الباذخة في حديثها، وهي ما تحتاج إليه الحشود الحائرة .
الأصولية التي يجسدها سويدان وأمثاله هي أصولية سياسية وتكفير سياسي إذا صح الوصف، باعتباره نزعاً لشرعية الدولة وإن لم يمكن بمضامين دينية، هي أصولية تحمل ميكانيزم بقائها في داخلها عبر آلية العنف، وهو ليس بالضرورة عنفاً محصوراً في «السلاح»، بل ثمة أسلحة معنوية لا تقل عنه خطورة كالتكفير والحصار الفكري واختراق السلام المجتمعي، عبر آليات الطرد بمعايير دينية حتى في أكثر المسائل دنيوية!
من هنا الحديث عن تسامح الدعاة الجدد الاجتماعي أو السلوكي لا علاقة له بما نتحدث عنه من أصولية سياسية وراديكالية فكرية، فهناك الكثير من النظريات والمقولات حول طبيعة الشخصية الأصولية من زاوية سياسية، وأنها غير مرتبطة بدين أو حالة تدين، بل تستخدم الشعارات الدينية كقناع مفاهيمي لتمرير آيديولوجيتها نحو السلطة، وربما كانت دراسة الباحثة كارين آرمسترونغ عن الأصولية في الأديان التوحيدية، أحد أهم المؤلفات في تلمس جذور الأصولية في الخطابات المتطرفة التي تتكئ على رافعة الشعارات الدينية، لكن ذلك أيضاً ليس مقتصراً على أصوليات الأديان، بل يتخطاها إلى أصوليات وضعية ربما كان من أشهرها نظرية العنف الثوري التي عرفتها الشيوعية في منحنياتها الحادة.
أزمة الدعاة الجدد اليوم ليست الشرعية الدينية أو فشل محاولة إدماجهم داخل الجسد الديني بفضائه وتقاليده وحقوله، بل في خطورتهم على الشرعية السياسية والاستقرار بحكم أنهم يحاولون المنافسة خارج المجال الديني وداخل الفضاء العام والسياسي والمجتمعي منه بشكل خاص، ويحاولون إبداء وجهة نظر حتى في القضايا والملفات السياسية الكبرى، هم عادة شبان تلقوا تعليماً غير شرعي، وحاولوا الاستفادة من تقنيات حداثية على مستوى الإلقاء والخطابة، وحتى التسويق والتشويق، وغيرها من المهارات التي لا يمكن إنكار دورها في تضخيم قيمة ما يقدمه هؤلاء النجوم الجدد على الساحة الإعلامية، لكنها في ذات الوقت تعكس أزمة مضمون وتعيدنا إلى الصراع الذي نشب في التسعينات على خلفية أحداث أزمة الخليج، حيث دار الجدل حول مجموعة من الوعاظ والدعاة المسيّسين ومحاولة فهم طغيان نجوميتهم آنذاك، وتفوقها على قيمة المرجعيات الدينية في شكلها المؤسسي كالأزهر وهيئات العلماء، أو حتى على الفقهاء والعلماء الذين كانوا يتحفظون على تلك الظاهرة، كما هو حالها اليوم، مع كل تصريح يخرج من ربع فقيه أو داعية مسيّس؛ لكونها تمثل تبسيطاً مخلاً للمضمون الديني كخطاب له مدارسه وتقاليده العريقة التي ظلت متوارثة منذ البدايات المبكرة لنشأة المدارس الفقهية والاتجاهات الكبرى للفكر الديني العريق بمدارسه ورجالاته.
فلتات اللسان والمضمر ونظريات التلقي والخطاب مهمة اليوم في قراءة ما يمكن وصفه بـ«لحن القول»؛ بمعنى البناء اللغوي والألسني للخطاب الأصولي بثقافته ورموزه ودلالته، وهو أمر نحن بحاجة فيه إلى تضافر تخصصات كثيرة، وبداية لأرشيف مهم لجزء من تاريخنا الوطني وتحدياته في العالم العربي والخليج بشكل خاص، فدون هذا النوع من التحليل والقراءة يجعلنا كمن يعيد إنتاج التاريخ من المحكومين بتكراره؛ لأنهم لم يقرأوه جيداً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي لحن القول دعاة الإثارة والتكفير السياسي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon