بقلم - يوسف الديني
الحضور السعودي على كل المستويات لافت للانتباه منذ انطلاق «رؤية 2030»، أهم مشروع تحديثي للتحول نحو المستقبل شهدته منطقة الشرق الأوسط وأصبح مثار الكثير من الاستهداف واللغط والأوهام، ومع نجاحاته المتكررة نشهد اليوم موجات اعتراف وإشادة على كل المستويات، وفي الجانب الآخر انتقل مشروع الاستهداف بعد فشله إلى «الاختزال Reductionism». الاختزال عادة مرتبط بالمهاترات الشعبوية والشغب الشوفيني المقنّع بالسياسية، وهو اليوم انتقل إلى ملف الرياضة والاستثمار الرياضي بشكل خاص بعد أن طالت الرؤية العظيمة هذا الملف في مسيرتها نحو المستقبل، وقد سبقه ملفات تشريعية وقانونية وثقافية وإصلاحات تتصل بالتعليم والمرأة والدبلوماسية الثقافية، لكنه بسبب جماهيرية تأثيره وطبيعة حجم الاستثمار فيه والأضواء المتصلة بهذا الملف أعاد موجات الاستهداف لكن في شكل اختزال التحول السعودي والاستثمار في المواطن في استقطاب لاعبين في كرة القدم رغم أن كرة القدم - بحسب مراقبين دوليين أيضاً - ليست إلا جزءاً صغيراً من المشروعات الرياضية التي هي جزء اليوم من الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة السعودية، حيث يستثمر صندوق الاستثمارات العامة أضعاف ذلك في الفورمولا1، ورياضات الملاكمة، والمصارعة، والغولف، والرياضات الإلكترونية، كما قامت أيضاً بالاستثمار في شركات مثل «ميتا - فيسبوك» و«ديزني»، إضافة إلى بناء بنى تحتية كاملة للترفيه في أكثر من 14 مدينة سعودية كجزء من فلسفة الرؤية في الاستثمار في المواطن، خصوصاً في المستهدف الذي تندرج فيه هذه الاستثمارات «جودة الحياة»؛ مما يساهم في تعزيز السياحة الداخلية وبالتالي الاقتصاد، وبالتالي لا علاقة بالموضوع بما يشاع من مفاهيم «تحسين الصورة»، وما إلى ذلك من أوهام الاختزالية التي تعاني منها الكثير من الخطابات التي لا تقرأ هذه الاستثمارات ضمن الصورة الكلية «مشروع الرؤية».
الاستثمار الرياضي ليس موضة عابرة، وبحسب بول ماكينيس من «الغارديان»، فإن «نطاق طموح المملكة العربية السعودية في الرياضة العالمية واسع للغاية لدرجة أنه يصيب بالدوار»!
الهدف الاستراتيجي للاستثمار الرياضي هو جزء من منظومة كبرى ورؤية شاملة لمشروع «رؤية 2030» يهدف إلى التموضع حول الداخل والاستثمار في المواطن، ومن هنا ما يحدث اليوم في عالم الرياضة وحدث قبله في الاقتصاد والثقافة والهوية والدبلوماسية ضمن استراتيجية تفصيلية، وبحسب عبارة ديف مليتزر محرر نشرة
«Wrestling Observer» الإخبارية في المجال الرياضي، استراتيجية أكثر شمولية من أي مكان في العالم، كما أن ردة الفعل متوقعة والتي عادة بالإنكار ثم الجدل حولها، ولاحقاً التسليم بزيادة النفوذ والتعامل معه كأمر واقع حديث، ذلك أيضاً وفي مدة قياسية في رياضات غير كرة القدم، وأبرز مثال الغولف، وسباقات السيارات والرياضات القتالية، كما أن النجاحات والسمعة العريضة لكرة القدم مقدمة لمشروعات كبرى مستقبلية، وأبرز مثال لها دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 والتي ستقام في «ترويجانا»، أحد مشروعات الرؤية العملاقة بجانب «نيوم» و«ذا لاين»، حيث من المقرر بناء منحدرات تزلج على جبل اللوز في سعي لتحويل الحلم حقيقة كما هو الطموح السعودي الذي عنانه السماء كما هي عبارة مهندس الحلم سمو ولي العهد، الذي يتابع تحقيق الرؤية في كل تجلياتها وتطبيقاتها على أرض الواقع.
الأكيد، أن ما يحدث اليوم هو جزء من رؤية كبرى للاستثمار في الرياضة سبقتها تحولات هائلة على صعيد الانفتاح المؤسسي وشخصية المواطن وبيئة الاستثمار Eco system، الاستثمار الرياضي ليس نزوة أثرياء أو موضة عابرة، بل مقاربة مختلفة في سياق طويل من التحول والتفكير في المستقبل ومقدرات البلاد طمعاً في تحقيق مستهدف الرؤية الأهم، وهو جودة الحياة وما يتصل بها من الصحة والرفاهية والتفاعل النشط وما يتبعه من مشروعات ذات عوائد على الناتج والاقتصاد المحلي، وانتقالاً لإنعاش المنطقة، وليست كرة القدم إلا الرياضة الأكبر شعبية في السعودية والعالم إلا مثالاً على الرؤية السعودية للمستقبل.
ما حدث سابقاً ضد الرؤية ومشروعاتها يحدث اليوم وبشكل اختزالي في مسألة الرياضة، وهو جزء من محاولة ترحيل مشكلة الفشل لكثير من المشروعات والمؤسسات الغربية في التشغيب على التفوق والصعود السعودي في واقع مبني على المنافسة والعرض والطلب والمصلحة الوطنية ذات الأولوية القصوى، وما عدا ذلك مجرد أوهام تذروها رياح الواقع.