بقلم: يوسف الديني
أصبحت كل أزمات المنطقة مرتبطة بشكل جوهري بوضعية دولة الملالي في طهران التي ترسل أذرعها لتهديد المنطقة عبر الميليشيات التي تدعمها في العراق ولبنان، وبشكل مركز الآن في اليمن من خلال ميليشيات الحوثي.
تركز إيران على استراتيجية نقل المعركة إلى الخارج لتخفيف أزمتها مع المجتمع الدولي في الملف النووي، مستغلة أنه لا يأبه بغير المصالح الاقتصادية. ربما لهذا السبب تحديداً تدرك دولة الاعتدال وفي مقدمتها السعودية أن دولة الملالي، الراعية للإرهاب في المنطقة والمتحالفة مع دول التصعيد ضد استقرار ومنطق الدولة وفي مقدمتها تركيا وذراعها الإعلامية قطر - «الجزيرة» -، تحاول إدارة أزمتها عبر استثمار حالة «الفزع» التي يعيشها المجتمع الدولي تجاه ملفات المنطقة وحضيض الوضع الأمني والاقتصادي وانتعاش الميليشيات، إذ يحاول الملالي في لغتهم مع الدول الأوروبية الضعيفة أمام إمدادات النفط استخدام الشعارات البلاغية في إيصال حقيقة لطالما بشروا بها وهي تفجير الأوضاع في المنطقة واللعب على إمدادات النفط، وكان آخرها، نقل تصعيد ميليشيا الحوثي من الصواريخ إلى الطائرات المسيرة التي قاموا بتدريبهم عليها، بسبب قدرتها على التخريب بأقل الإمكانات في ظل صمت المجتمع الدولي عن إعادة موضعة الميليشيا كمنظمة إرهابية، وليس كطرف نزاع حتى بعد تغير الأوضاع في اليمن واختطاف الدولة وتغيير هويتها السياسية، فإيران تعتبر نفسها كياناً ثورياً عابراً للقارات محكوماً بمنطق الميليشيات والحرس الثوري، وليس الدولة التي تداعب أحلام الدول الأوروبية حول صيغة توافقية في ظل ارتباك البيت الأبيض في اتخاذ خطوات حاسمة تجاه الوضع في إيران، بسبب عامل الوقت والانتخابات. الملالي يرون في المنطقة جغرافيا يجب حرثها من جديد عبر التخريب، بحيث لا تبقى مستقرة في حال انهيارهم الداخلي أو قدرتهم على جر المنطقة إلى حرب كبرى لا يريدها أحد.
في السياسة لا مجال للعاطفة أو التحليل المبني على معطى رمزي عادة ما يتم الحديث عنه بنرجسية بالغة، وهو الوطن العربي الكبير الذي تحول إلى أوطان مهددة بانقسامات صغيرة وهشة، واللافت في الموضوع أن رمزية «الوطن» غير المقسم وبطريقة عاطفية هي الحجة التي يرفعها أنصار الشرعية في اليمن، لكنه لم يرتق إلى مستوى الحتمية التي يجب الحفاظ عليها عبر مصالحة شاملة بين كل الأطراف، خصوصاً الفاعلين في الجنوب الذين لا يرون أبعد من تجاوز إخفاقات صالح في إدماجهم بعد الوحدة القسرية.
الأكيد أن سيناريو التقسيم هو هدف ميليشيا الحوثي والملالي لتفرد ذراعهم بالشمال وتهديد أمن المملكة، وهو ما تدرك السعودية مبكراً خطورته، كما تدرك بالتالي مسؤوليتها في حث الفاعلين في الجنوب على المصالحة، وإيجاد صيغة تفاوضية عادلة تمكنهم من اقتسام السلطة دون استئثار الشمال الذي اتخذ أشكالاً متعددة من رحيل الاحتلال البريطاني.
المعطيات الجديدة التي أفرزتها لنا الأزمة اليمنية التي لعب فيها صمت المجتمع الدولي وتباطؤه وتقاعسه عن طرح حلول جادة أو التفكير خارج صندوق المصالح الضيقة تبدو كارثية جداً، ويوماً بعد يوم تزداد الفجوة بين الأطراف المؤثرة في اليمن بسبب حالة الشره السياسي، وتركة صالح الثقيلة من الانقسام وضعف مستوى النخبة السياسية، وهي معطيات لا يمكن للتحالف تحمل مسؤوليتها دون اليمنيين.
يجب على الفاعلين في اليمن الخروج من ثنائية منطق القوة والغنيمة، من خلال التأثير على وضعية الداخل عبر استثمار التقدم على الأرض كل في سبيل أجندته السياسية وليس الوطن الواحد الموحد، ومن هنا فإن الانفصال بين «الثوار» أو المقاتلين الفاعلين على الأرض، وبين من يتحدثون باسمهم في الخارج، يبدو كبيراً في حالة قد تلقي بظلالها على مستقبل اليمن بشكل جذري وغامض.
النظام الإيراني يهمه نفوذه وسلطته في المنطقة أكثر من وضعيته المتراخية مع المجتمع الدولي التي يلعب فيها على عامل الزمن، وفيما يخص اليمن يحرص على تقوية وضعية ذراعه في الشمال عبر سيطرة ميليشيا الحوثي على أكبر قدر من الأرض، واستمرار تهديدها العبثي والفوضوي للتخفيف على إيران مما يعرض أمن منطقة الخليج إلى حالة التهديد الدائم، لكن ما لم يدركه الملالي في ظل هذا الصلف والتمادي هو أن الوضع الآن انتقل من تهديد أمن الملاحة الدولية إلى إمدادات النفط التي لا يمكن التعامل معها بذات الوضعية المتراخية للملف النووي، وهو ما يعني المزيد من فرص الانقسام في اليمن، ليس بفعل وضعية التحالف، وإنما نتيجة أخطاء فادحة من التيارات السياسية والفاعلين الذين لا يفكرون أبعد من أرنبة مصالحهم.