بقلم - جمال طه
زيارات الرئيس الخارجية ليست للنزهة، ولا للسياحة، أهميتها وتوقيتاتها تتحدد بمعرفة أجهزة الدولة المعنية، والجهات السيادية، فى إطار خطة تحرك تحكمها أبعاد استراتيجية متعددة، لاموضع لتقييمها، لأنها أعمق من أن يتناولها غير المتخصصين، أو دخلاء الإعلام.. أى تجاوز، هو عبث فى موضع الجد، يستلزم الحساب، ويفرض العقاب.. إلى متى التسامح؟!.. زيارة الرئيس لسلطنة عمان استهدفت الدولة التى ساندت مصر إبان محنة المقاطعة العربية، هى دولة استثنائية، فى موقع استثنائى، بسياسات استثنائية..
سلطنة عمان تعتنق الأباضية، لاترتبط بالشيعة ولا بالسنة، ما يفسر ابتعادها عن الصراع الطائفى بالمنطقة.. هى جزء من مجلس التعاون الخليجي، تربطها علاقات متينة مع القوى الغربية، خاصة بريطانيا وأمريكا، وتجمعها بالهند روابط تاريخية، وبالصين علاقات تجارية، لكن سياساتها لا تلتزم بمواقف دول المجلس، ولا بالتحالف الغربى، ما يؤهلها للعب أدوار سياسية بالغة الأهمية؛ علاقات التعاون الاستراتيجى التى تربطها بإيران، مكنتها من أداء دور محورى فى ملف المفاوضات بين الأمريكيين والإيرانيين، التى بدأت فى إطار من السرية 2009، واستغرقت ست سنوات، ونجحت فى تسوية الملف النووى، ضمن صفقة سياسية شاملة، أخرجت إيران من عزلتها الدولية، وأطلقت يدها فى بعض دول المنطقة، مما سبب توترًا بين عمان والسعودية.. موقفها من المشكلة السورية يختلف أيضًا، فقد احتفظت بسفارتها فى دمشق، خلافًًا لمواقف دول الخليج، التى تدعم التنظيمات المسلحة، فى مواجهة النظام السورى الذي تدعمه إيران.. السلطنة، ليس لها حلفاء دائمين، ولا أعداء دائمين، فقد تبدو ضد إيران فى المشكلة السورية، وأقرب فى اليمنية، على النحو الذى لايمكن التشكيك فى حياديتها.
التواصل الدائم للسلطنة مع الحوثيين، عرضها لاتهامات تتعلق بتقديم مساعدات لوجيستيكية، تكفل وصول الدعم الايرانى لهم، لكن الموضوعية تفرض التذكير بأنها كانت الراعية للمفاوضات التي أنتجت اتفاق «السلم والشراكة»، وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء لم تقم بنقل سفارتها من صنعاء إلى عدن، أسوة بدول مجلس التعاون، واستقبلت وفودًا حوثية للمشاركة فى لقاءات مبعوث الأمم المتحدة، وعندما بدأ الحوار اقترحت نقله إلى السلطنة لحياديتها، لكنها عقدت فى الرياض، فلم توفق، وحاليًا تطرح خطة سياسية للخروج من الأزمة.. فى المقابل تنتقد عُمان أنشطة الإمارات جنوب اليمن، وما يتردد عن دعمها للحراك الجنوبي، الإمارات تبذل الدماء لحصار التمدد الحوثى، سيطرت على المناطق الجنوبية من «المهرة»، بوابة اليمن الشرقية، والعمق الحيوي للسلطنة، وتهتم بتطوير موانئها ومد خطوط سكك حديدية تربط دول مجلس التعاون، بدأت فى استقطاب القبائل والقيادات لمساعدتها، وأنشأت معسكر قوات «النخبة المهرية»، لتأمينها.. حساسيات السلطنة قد تكون مستحقة، وهو ماسيكون موضع تناول لاحقًا.
عُمان التزمت الحياد تجاه الأزمة القطرية، لم تؤيد العقوبات التى فرضتها رباعية مكافحة الإرهاب، ولم تشارك الكويت فى جهود الوساطة، لكن مصالحها الاقتصادية دفعتها لإمداد الدوحة بمختلف المنتجات التي تحتاجها عبر مينائى حمد وصحار.. وتأجير أسطول طائرات عماني لنقل الركاب العالقين من ميناء جدة إلى الدوحة، بعد منع الخطوط الجوية القطرية من دخول المجال الجوي السعودي، ووافقت على تدشين خط جوي جديد مع قطر.. ونظمت مؤتمرًا استضاف نحو 150 مستثمرًا قطريًا، وأبرمت مجموعة كبيرة من الصفقات.. هو حياد أقرب إلى الانحياز، لكننا نتفهمه، لأن المصلحة الاقتصادية للسلطنة تفرض أولوياتها على سياساتها.
السلطنة هى الدولة العربية الوحيدة التي تجري تدريبات عسكرية مع كل من السعودية وإيران، رفضت الانضمام إلى ما يسمى «التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب»، رغم ذلك شاركت ضمن عشرين دولة عربية إسلامية فى مناورات «رعد الشمال»، التى تم تنظيمها بعد شهرين من إعلان التحالف، وأكدت اهتمامها بالتعاون فى مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب في الجزيرة العربية، ثم أعلنت انضمامها للتحالف ديسمبر 2016، خروجًا عن حيادها التقليدى، لطمأنة السعودية، التى كانت قلقة من تدهور الحالة الصحية للسلطان، وتسرب أنباء عن وفاته، وخشيتها من أن تتحول السلطنة بعده إلى ملاذ للقوى المتطرفة المدعومة من إيران، وكذا مما تسرب من أخبار عن سماح السلطنة لإيران بتهريب الأسلحة للحوثيين، مما تسبب في انتقادات حادة لها من دول مجلس التعاون.
محاولة رأب الصدع فى العلاقات بين دولة الإمارات وسلطنة عمان على رأس موضوعات الاهتمام التى تجمع بين العاصمتين.. الخلافات بدأت تحت السطح منتصف السبعينات، عمان لديها تخوفات من محاولة الإمارات استقطاب مجموعات تنتمى لقبيلة «الشحوح» المقيمة بالمناطق المجاورة لإمارة رأس الخيمة، وإغرائهم بالتجنس بالإماراتية، تعمقت الأزمة باكتشاف الإمارات خلية من أربعة ضباط داخل شرطة أبوظبى ينتمون لأصول عمانية، ويعملون لحساب السلطنة، بدأت على أثرها عمليات تسريح آلاف من ذوى الأصول العمانية من السلك العسكري والشرطي والأمنى، السلطنة ردت بالإعلان عن كشف شبكة تعمل لصالح الإمارات، تتكون من عشرات الضباط والسياسيين الذين يشغلون مواقع حساسة، وتتولى التحضير لمرحلة ما بعد قابوس، بحيث يتم احتواء السلطنة ضمن اتحاد كونفيدرالي مع الإمارات.. مخاوف عُمان امتدت لشكوك تتعلق بدعم الإمارات لاحتجاجات «صحار» التى وصلت للعاصمة فبراير 2011.. وأخرى تتعلق بما تردد عن شراء الإمارات لأراضي وولاءات قبلية بولاية «مدحاء» شمالي السلطنة على حدودها المشتركة داخل أراضي الإمارات، وبمحافظة «مسندم» العمانية التي تطل على مضيق هرمز شمالي الإمارات، و«المهرة» على الحدود العمانية اليمنية.. السلطنة تواجه الأزمات بمعالجات رصينة؛ منحت الجنسية العمانية لأسرتي، سلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار، ومستشار الرئيس اليمني ورئيس أول حكومة في دولة الوحدة اليمنية حيدر أبوبكر العطاس، و69 شخصًا من أبناء الأسرتين، مما ساهم فى تقليل المخاوف، والحد من الهواجس.
الإمارات اختارت المشاركة فى حرب اليمن، تسعى للتواجد بمناطق ارتكاز مطلة على مضيق باب المندب، خاصة جزيرتي «سقطري» و«ميون»، اللتين تتحكمان في المضيق، كما تسعى لمنافسة الاستثمارات الصينية جنوب اليمن، خاصة مشروع ميناء «الدقم».. الخطط الموضوعة لدعم البحرية الإماراتية تستحق الاحترام، لأنها تستهدف توسيع دورها فى حماية الممرات البحرية فى مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي، خاصة أنه تم تعزيزها بإنشاء قاعدة عسكرية فى الصومال، وأخرى بميناء عصب فى إريتريا، وتسهيلات بمطار وميناء بربرة على باب المندب.. لكن ذلك يقلق الشقيق العمانى، لأنه يخشى مما يبدو محاولة تطويق إماراتية.
مصلحة مصر والعرب تنطلق من قناعة بأنه بعيدًا عن جو المؤامرات، فإن التصور الاستراتيجى الأمثل الذى ينبغى أن يأخذ مكانه، هو تحقيق التفاهمات السياسية بين الإمارات وسلطنة عمان، على النحو الذى يكفل وجود قوة عسكرية قادرة على تأمين منافذهما على الخليج وبحر العرب والمحيط الهادئ ويمتد إلى الحدود اليمنية، ويكون قادرًا على مواجهة التهديدات التى تتعرض لها الممرات البحرية، هذا المحور الهام يمكن أن يشكل أحد حلقات الدفاع الاستراتيجى على خطوط المواجهة الطويلة من الخليج إلى باب المندب وشرق أفريقيا حتى قناة السويس، وهى التى تضعها مصر فى قمة أولوياتها، ومما يعطى فرصة للتفاؤل أنه رغم التوتر فى علاقات الدولتين إلا أن هناك اتفاقًا على فتح الحدود وإتاحة حرية التنقل لمواطنيهم بالبطاقات الشخصية، وتلك مؤشرات إيجابية، تصلح للبناء عليها.. مستقبل السلطنة ربما يلفه بعض الغموض.. السلطان قابوس يجمع كل السلطات في يده، يعالج منذ سنوات من سرطان القولون، لم ينجب ابنًا وليس له أخ يخلفه، وليس له نائب، أو ولى عهد.. لكننى لا أرى مبررًا للقلق؛ السلطان وحد القبائل المتناحرة، أجرى مصالحات بعد تسوية الخلافات الطائفية، تغلب على تمرد الجنوب، وبنى دولة حديثة.. غيابه المستمر للعلاج منذ سنوات، والذى يتم بفترات طويلة تجاوزت الثمان شهور متصلة فى بعض الحالات، والقيود التى فرضتها حالته الصحية على نشاطه، وممارسته للسلطة، يؤكد أن هذا الرجل وضع من الآليات والشخصيات والمؤسسات ما سمح بإدارة كفء للدولة وسياساتها، دون اختلال، فما مبرر القلق؟!، القانون الأساسي ينص على أن الأسرة الحاكمة تختار سلطانًا جديدًا خلال ثلاثة أيام من شغور المنصب، بعدها ترجع لوصية السلطان بشأن من يخلفه، تقديرى أن الأسرة ستعطى أولوية لوصية السلطان، تكريمًا له، والأغلب أنه سيوصى بتنصيب يوسف بن علوي، الذي تولى حقيبة الشئون الخارجية للبلاد منذ 1994، وكان من أوائل أبناء الأسرة الحاكمة الذين تواصل معهم قابوس بعد توليه للسلطة.. سلطنة عمان دولة محورية فى الإقليم، استقرارها ينعكس إيجابًا على المنطقة، الاطمئنان عليها واجب، وتسوية خلافاتها مع شركائها المهمين فى الإقليم ضرورة وطنية، وإدماجها ضمن التوجه الاستراتيجى العام يمثل إضافة ضخمة لصالح الأمن القومى العربى.
زيارة الرئيس لمسقط، وأبوظبى، خطوة استراتيجية بالغة الأهمية.. فكيف نسمح للرويبضة بالتجاوز بشأنها، حتى لو اعتذروا مضطرين؟!.
عن مجله صباح الخير القاهريه