بقلم - جمال طه
دول التحالف الغربى، بزعامة أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وجهت ضرباتها الجوية إلى «مفاصل» الجيش الليبى 2011، حتى نجحت فى تفكيكه، فانفرط عقد الدولة.. فتح مخازنه للسلب والنهب لم يكن عملاً إجرامياً، بل عمليات مخابرات قذرة، لتشكيل تكتلات جهوية مسلحة، على نحو ما تم فى «مصراتة» و«الزنتان».. ليبيا أضحت ساحة لجذب المهاجرين غير الشرعيين، وعصابات التهريب، وميداناً لتجنيد عناصر التنظيمات الإرهابية، وتصديرهم لدول المنطقة.. مصر تدرك أن التخلص من تلك المظاهر الفوضوية لن يتم إلا بعودة الدولة الليبية، وذلك لن يتحقق إلا بإعادة توحيد الجيش.. وتلك أهم معضلات المشكلة الليبية.
القوات المسلحة الليبية حالياً تنقسم إلى قسمين: الأول القيادة العامة بقيادة خليفة حفتر، نواتها 35 ألفاً من العسكريين النظاميين، الذين لم ينشقوا أو ينحازوا لتكتلات جهوية أو تنظيمات مسلحة.. الثانى رئاسة أركان قوات «الوفاق»، وتتبعها بعض الميليشيات، وذلك بخلاف التشكيلات الجهوية المسلحة.. مصر دعت وفداً من «مصراتة» يوليو 2017، لإقناعها بالانخراط فى مفاوضات توحيد الجيش، لكن الطموح الجهوى غلبها، لتبقى أحد ألغام الأزمة. مبادرة توحيد الجيش التى تبنتها مصر، حظيت بموافقة المهتمين بالشأن العام فى ليبيا خلال اجتماعهم بالقاهرة ديسمبر 2016، وتم إقرارها فى اللقاء السياسى الذى ضم عقيلة صالح، و«حفتر»، و«السراج» فبراير 2017.. اللجنة المخولة بوضع مشروع توحيد المؤسسة العسكرية تشكلت مارس 2017، انبثق عنها فى اجتماعات نوفمبر 2017 أربع لجان: الأولى لحل التشكيلات المسلحة والميليشيات، الثانية لتطوير ودعم الشرطة العسكرية والمخابرات، الثالثة لمحاربة الإرهاب، والرابعة لإعداد الهيكل التنظيمى.. ممثلو الغرب الليبى اقترحوا تعيين خليفة الغويل رئيس ما يسمى «حكومة الإنقاذ» بطرابلس، قائداً عاماً للجيش، سعياً لتمكين حكومة الوفاق من احتواء «الإنقاذ» المنافسة بالعاصمة، والتخلص من حفتر، لكن ذلك كان يعنى نسف المباحثات.. حكمة الوسيط المصرى احتوت الأزمة، واستبعد الاقتراح.
الجولة السابعة من مفاوضات توحيد الجيش انتهت فى القاهرة 24 أكتوبر، بإعداد مسودة جديدة لمشروع التوحيد، الجديد فيها اهتمام ممثلى «الوفاق» فى الغرب الليبى بإعادة تشكيل الحرس الرئاسى، لضمان حماية رئيس الدولة وأعضاء الحكومة.. حتى عندما يتعلق الأمر بجيش الوطن، تبحث «الوفاق» عما يثبت مكانتها، وسط متغيرات تكاد تعصف بها.
اللجنة اهتمت بعملية صياغة القوانين والقرارات التى تنظم عمل المؤسسة العسكرية بشكل تكاملى بين السلطة التشريعية والتنفيذية المختصة بإدارة المؤسسة العسكرية، واتفقت على أن يظل القائد العام فى منصبه لمدة 4 سنوات، قابلة للمد لعام واحد، وأن يكون القائد الأعلى هو الرئيس المنتخب، ضماناً لخضوع الجيش لسلطة اختارها الشعب.. مشروع الهيكل التنظيمى للقيادة يتضمن: مجلس الأمن القومى، وهو القيادة السياسية للمؤسسة العسكرية.. ومجلس الدفاع الوطنى، الذى يجمع القيادة السياسية والعسكرية، والمجلسان يعتبران بمثابة الأجسام القيادية العليا برئاسة رئيس الدولة.. ومجلس القيادة العامة، الذى يعتبر القيادة العسكرية الصرفة، والواجهة الرئيسية المعبرة عن الجيش الليبى، ويتكون من القائد العام، ورئيس الأركان العامة كنائب له، وعضوية قادة الأسلحة النوعية كافة، والإدارات المهمة، بالإضافة إلى آمرى المناطق العسكرية.. وزير الدفاع هو الممثل السياسى للمؤسسة العسكرية بمجلس الوزراء، يتولى تنفيذ السياسة الدفاعية للقوات المسلحة من خلال توجيهات القائد الأعلى وخطة الحكومة.. القائد العام هو أقدم ضابط عامل، يرأس المؤسسة العسكرية، ويعتبر المسئول الأول أمام القائد الأعلى.. لجنة الميليشيات وضعت منهجية للتعامل مع العناصر المسلحة، يتم بمقتضاها حل الميليشيات والجماعات المسلحة خارج إطار الجيش والشرطة، وتجريدها من السلاح، وإمكانية ضم العناصر المسلحة المؤهلة والمستعدة للانخراط فى المؤسسة الأمنية النظامية، على أن يقتصر ذلك على جهاز الشرطة، مع حظر ضم أى عنصر منهم إلى المؤسسة العسكرية، حفاظاً على نقاء قوامها، وقصرها على العناصر العسكرية التى خدمت سابقاً بصفوف الجيش.
عندما شرعت اللجنة فى وضع آليات التنفيذ فبراير 2018، وأهمها إدماج وزارة الدفاع بحكومة طبرق بالقيادة العامة للأركان التابعة لـ«السراج»، واجهت صعوبات نتيجة لعدم توافر قدر كافٍ من الثقة، يسمح بتقبل السراج تولى حفتر للقيادة العامة الفعالة للجيش بعد توحيده، وتخضع له مباشرة قيادة الأفرع الرئيسية فى المؤسسة العسكرية، وعدم اطمئنان حفتر إلى تولى السراج منصب القائد الأعلى للجيش باعتباره رئيساً للمجلس الرئاسى.. الاتفاق النهائى كان مقرراً توقيعه 20 مارس، لكن ذلك لم يتم.. ثم كان مقدراً إعلانه فى 24 أكتوبر، ولم يتم أيضاً.. والحقيقة أن ذلك يعزز التقديرات الخاصة بأن توحيد الجيش لن يخرج إلى حيز التنفيذ إلا بعد الانتخابات، لأن من مصلحة الجميع، فى ظل ظروف تعددت فيها الارتباطات والولاءات، الجهوية والدولية، داخل ليبيا، ألا يخضع الجيش الوطنى إلا لسلطة مدنية شرعية يتفق عليها كل الليبيين.
عدم الثقة بين سلطات شرق ليبيا وغربها، يرجع إلى اختلال التوازن بين قوة الجيش الوطنى فى الشرق، وضعف وتشتت الجماعات المسلحة بالغرب.. الجيش رغم الحظر المقيت على الأسلحة، حقق إنجازات وطنية بالغة الأهمية، بدءاً من تحرير بنغازى، والهلال النفطى، وتطهير القطاع الشرقى المجاور للحدود المصرية، وقطاعات بالمنطقتين الوسطى والجنوبية، وتحرير درنة، واعتقال هشام عشماوى قائد «المرابطون» التابعة للقاعدة، وهو صيد ثمين تتطلع إليه كل أجهزة المخابرات الدولية لدوره المحورى فى النشاط الإرهابى.. وفى المقابل هناك تدهور فى الأوضاع الأمنية بطرابلس نتيجة لصراع الميليشيات.. المظاهرات خرجت تطالب بطردها، ودخول الجيش، لفرض الأمن.. حكومة الوفاق لم تحقق من الإنجازات سوى تحرير سرت، اعتماداً على ميليشيات مصراتة كقوة برية، وبالاستعانة بالجهد الجوى والمعلوماتى الأمريكى.. ولعل ذلك هو السبب فى ذلك التلاسن بين الناطقَين باسم الجيش الوطنى والمجلس الرئاسى للوفاق، بشأن مسار مباحثات توحيد الجيش ونتائجها.. والحقيقة أنه يصعب التعويل على مؤتمر باليرمو 12 و13 نوفمبر، لأن إيطاليا تدعم حكومة الوفاق، وتسعى لعرقلة جهود توحيد الجيش، لتثبيت ما حصلت عليه من تسهيلات ووجود عسكرى بالغرب، ورغبتها فى التوسع بالجنوب، ومحاولة الضغط لإجراء انتخابات عاجلة، سعياً لاستبعاد حفتر، وتقنين وضع السراج.
الجيش الوطنى الليبى يصنع المجد، بأداء وتضحيات غير مسبوقة، وجماهيرية حققتها انتصاراته، وحنين الشعب للاستقرار والأمن.. وحدة الجيش مقبلة، وعودة الدولة تقترب، قلوبنا مع أشقائنا فى ليبيا، الظهير الغربى لأرض الكنانة.
نقلا عن الوطن القاهرية