توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البشير وبشار.. وتحريك المياه الراكدة

  مصر اليوم -

البشير وبشار وتحريك المياه الراكدة

بقلم - جمال طه

عندما صوت السودان لصالح تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية نوفمبر 2011، صاح المندوب السورى معاتباً: «حتى أنت! ألم يكن الأسد أشد المدافعين عن البشير ضد ملاحقة المحكمة الجنائية؟»، رد وزير الخارجية السودانى على استحياء «كل الدول صوتت ضدكم، بقت علينا؟!».. الخرطوم لم تقطع علاقتها بدمشق، لم توقف الطيران المباشر، ولم تفرض تأشيرات على السوريين، بل أضافت لتعليم أبنائهم مناهج التاريخ والجغرافيا الوطنية.. ترحاب الأسد بالبشير فى مطار دمشق 16 ديسمبر ليس باعتباره أول رئيس عربى تطأ قدماه سوريا منذ 2011، وإنما كان تقديراً لحاكم لم يرتكب خطايا الآخرين فى حقه، وإن جاملهم أحياناً.. عندما أكد البشير أن زيارته «مقاربة جديدة للوضع العربى»، لم يكن يدرى أنها تخفى وراءها مجموعة من أهم المتغيرات السياسية فى الإقليم.

تكفُل المخابرات الروسية بتأمين رحلة البشير ذهاباً وعودة، واستقلاله طائرة «توبوليف 154» تابعة لوزارة الدفاع الروسية، أكد أن الزيارة تتجاوز أهمية طرفيها، وتندرج ضمن الصراع الدولى والإقليمى المحتدم بالمنطقة.. المشكلة السورية تديرها موسكو منذ تدخلها العسكرى نهاية سبتمبر 2015، نجحت فى تمكين النظام من الانتصار العسكرى، لكنها عجزت عن تحويله إلى مكاسب سياسية، نتيجة لعزلته عن المحيط العربى، لذلك سعت لتعزيز وضعه السياسى، اعتماداً على مبادرة البشير، الذى استقبلته رغم مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه، فى نوفمبر 2017، ويوليو 2018، حيث أبدى استعداده لتأسيس تحالف استراتيجى ولو ارتكز على قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر.. توجه يائس نتيجة لفقدان الثقة فى الدعم العربى، وانقطاع الأمل فى الدعم الأمريكى، ودخول الاقتصاد مرحلة حرجة، لكن الاستجابة اقتصرت على الإسراع بالإجراءات التحضيرية لمشروع روس آتوم لإنشاء محطة توليد كهرباء نووية، والتعجيل باتفاق «روس جيولوجيا» للتنقيب عن الغاز فى البحر الأحمر.. السودان ينشد الدعم الاقتصادى والنقدى، لكن رد الفعل الروسى لم يختلف كثيراً عن الأمريكى والعربى.. كل يسعى لمصالحه.

ترحيب إيران بالزيارة رغم مبادرة البشير بقطع العلاقات معها يناير 2016 مجاملة للسعودية، وخوض قواته البرية للحرب ضد وكلائها الحوثيين فى اليمن، يؤكد أن الترحيب يتجاوز موقفها السياسى، ليعكس موقف محور «موسكو، طهران، أنقرة»، كما أنها تعتبر الزيارة ثغرة فى جدار التحالف العربى الذى تترأسه السعودية فى اليمن، وتعزيزاً للنظام السورى الذى دعمت صموده.. تركيا الطرف الثالث فى المحور زارها البشير نهاية أكتوبر 2018، ليطمئنها إلى أن انفتاحه على مصر وسوريا لا يمس تحالفهما الاستراتيجى، فؤاد أقطاى، نائب الرئيس التركى، زار السودان 21 نوفمبر وتفقد جزيرة سواكن التى أصبح لبلاده حق الامتياز عليها.. ووزير الخارجية التركى حاول يوم وصول البشير دمشق تأكيد الاتساق مع موقف المحور الثلاثى بالإشارة إلى أن «بلاده قد تنظر فى إمكانية إعادة العلاقات مع إدارة الأسد حال فوزه فى الانتخابات».. تركيا تتفق مع إيران فى رؤيتها المتعلقة بانعكاسات الزيارة على التحالف العربى، خاصة أنها تدرك أن السعودية لن تغفر لها تشجيعها للنظام القطرى على مناطحة دورها القيادى داخل مجلس التعاون، وممارستها للابتزاز فى قضية خاشقجى.

الزيارة كانت لطمة روسية للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وجهها البشير، الذى قطع علاقاته بإيران وكوريا والتحق بالتحالف العربى لتحسين ملفه لدى الإدارة الأمريكية، لكنها خدعته، برفع العقوبات الاقتصادية مطلع 2017، مع إبقائه على قائمة الدول الداعمة للإرهاب، فظلت آثار المقاطعة كما هى.. وما ضاعف من وقع اللطمة، تزامنها مع قرار ترامب الأرعن بسحب قواته من سوريا، الذى استقال على أثره وزير الدفاع متصدراً قائمة من 22 مسئولاً رفيعاً فى الإدارة، رفضوا الانصياع لقرارات لا تندرج ضمن أهداف ومصالح الأمن القومى لدولة عظمى.. قرار الانسحاب جاء على أثر رفض السعودية طلب ترامب دفع تكلفة وجود هذه القوات، وتم دون موافقة الخارجية أو الدفاع، تاركاً حلفاءه الأكراد فريسة لتركيا، التى رفضت كل البدائل التى طرحها لتأمينهم، وهددت بـ«مواجهة عسكرية!!» مع الدوريات العسكرية الأمريكية الكردية المشتركة، التى بدأ تسييرها شرق الفرات.. والمأساة أن ترامب عرض إنشاء المنطقة الآمنة التى كان يحلم بها أردوغان، بطول حدوده مع سوريا، وبعمق 30 كم، لكنه رفض، لأن نفوذه قد تجاوز ذلك، فاضطر ترامب للموافقة على بيع نظام باتريوت للدفاع الجوى والصاروخى «3.5 مليار دولار»، الذى سبق لواشنطن رفضه بسبب تمسك أنقرة بنقل قدر أكبر من التكنولوجيا.. كل المؤشرات تؤكد أن أردوغان نجح فى الحصول على تفويض للقيام بدور الوكيل للمصالح الأمريكية بالمنطقة، إضافة لدوره الرئيسى داخل المحور الروسى، هذا التغير الاستراتيجى بالغ الأهمية والخطورة، ولا بد من مراقبة تبعاته خلال المرحلة المقبلة.

البشير عاد للخرطوم ليجد رئيس الأركان السعودى فى انتظاره.. رغم أنه لم يصطحب معه وزير الدفاع ولا رئيس المخابرات، حتى نتصور أن المسئول السعودى يطمئن على نتيجة اتصال ذى طابع عسكرى أو أمنى، لو كان الزائر وزير الخارجية لقلنا إن البشير حمل رسالة مصالحة، لكن إيفاد رئيس الأركان يؤكد أن الزيارة أحدثت قلقاً لدى المملكة من احتمال انعكاس تداعياتها على موقف الخرطوم من حرب اليمن ودول الخليج بصفة عامة، خاصة فى ضوء ما تردد أخيراً بشأن اقتراح السودان الاستجابة للضغوط الدولية ووقف حرب اليمن، وتزايد الدعوات من أحزاب وبرلمانيين لسحب القوات السودانية، فضلاً عن قيامه بمنح تسهيلات لتركيا فى جزيرة سواكن، ما يفسر مبادرة السعودية بتأسيس مجلس لتعاون الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر ديسمبر 2018.. زيارة رئيس الأركان امتدت لثلاثة أيام، حضر خلالها مناورة «نصرة الحق 1»، ونال موافقة البشير على استمرار المشاركة العسكرية فى التحالف العربى.

أيام قليلة بعد عودته، فوجئ البشير بمظاهرات تنشر الفوضى الداخلية، الإخوان خذلوه، وخرجوا عليه، وقوات الدعم السريع نفضت يديها من النظام، قبل أن يبدأ الإضراب العام.. موجة مؤجلة للخريف العربى، بدأت ضمن تداعيات اللطمة التى شارك فيها.. قد يعقبها اجتياح تركى لشرق الفرات، وربما عدوان إسرائيلى.. لكن زيارات القادة ستتوالى على دمشق، وزيارة الأسد لعواصم خارجية واردة، فقد حرك البشير المياه الراكدة، وأحدث تغيرات هامة فى الإقليم.. فهل تمكنه حنكته السياسية من السيطرة على تداعياتها؟!.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البشير وبشار وتحريك المياه الراكدة البشير وبشار وتحريك المياه الراكدة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon