بقلم - جمال طه
الغاز الجزائرى منافس شرس للغاز القطرى والإيرانى بالأسواق الأوروبية، نظراً لقرب الجزائر لأوروبا، وارتباطهما بأربعة خطوط أنابيب؛ الأول: إنريكو ماتـِّى «ترانس ميد»، يمتد من حقل «حاسى الرمل»، إلى إيطاليا عبر تونس وجزيرة «صقلية».. الثانى: خط «جالسى» لسردينيا ثم شمال إيطاليا وسلوڤينيا، الثالث: «ميد جاس» يمتد من «حاسى» حتى ميناء بنى صاف، ثم يتجه بحراً حتى شاطئ ألمرية بإسبانيا، الرابع: «خط فاريل» من «حاسى» براً عبر المغرب إلى «قرطبة»، ومنها لشبكتى التوزيع بإسبانيا والبرتغال.
الجزائر بدأت مد خط جديد سبتمبر 2018، تلبية للطلب الأوروبى المتزايد، ولتقليل الاعتماد على «خط فاريل»، نتيجة للتوجس من احتمال إغلاق المغرب له بنهاية التعاقد 2021، بعد تطوير كشوفاتها الغازية، وسعيها للتحول إلى منافس.. الخط الجديد طوله 200 كم، سعته 4.5 مليار متر3/عام، يربط خطى «ميد جاس» بـ«فاريل» قبل دخوله الأراضى المغربية، ما يسمح بضخ مليارى متر3 إضافية فى «ميد جاس»، لتصل طاقته الإجمالية إلى 10 مليارات متر3/عام، قابلة للزيادة إلى 12.5 مليار، دون الاعتماد على القطاع العابر للأراضى المغربية، ويدخل الخدمة 2020.. الجزائر اتفقت مع نيجيريا على مد خط أنابيب بطول 4128 كم، لتصدير 30 مليار متر3 من الغاز لأوروبا عبر النيجر منذ الثمانينات، تعثر الاتفاق حتى تقرر التنفيذ أكتوبر 2018، بتكلفة 20 مليار دولار.. اكتمال شبكة الأنابيب بخطوطها الخمسة، يمكن الجزائر من تلبية 30% من احتياجات أوروبا.
الجزائر تحتل المرتبة السابعة من حيث احتياطى الغاز، والخامسة عشرة من حيث احتياطى النفط فى العالم، أكبر منتج للغاز الطبيعى فى أفريقيا، ثالث مورد للغاز لأوروبا بعد روسيا والنرويج، المصدر الأول للغاز إلى دول جنوب أوروبا، أكبر مستورديه إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وتركيا، تمتلك 6 محطات للإسالة، تمثل أكثر من نصف المحطات الموجودة بأفريقيا، وتُعتبر فى المركز السادس أو السابع عالمياً من حيث تصدير الغاز المسال، ولديها خطط طموحة للتنقيب عن النفط والغاز فى عدد من الحقول البرية والبحرية، وبناء العديد من المصافى لتنشيط صناعة البتروكيماويات.. أهمية الجزائر فى مجال حرب الغاز ترجع إلى أنها دولة منتجة، تمتلك أكبر شبكة أنابيب تصدير لأوروبا، وأكبر طاقة تسييل، إضافة لكونها دولة ترانزيت لعبور الغاز النيجيرى لأوروبا، عنصر واحد من هذه العناصر يكفى لاستهدافها، فما بال ولديها كل العناصر؟.
أحد مبررات استهداف أمريكا للجزائر، يرجع إلى سعيها لضرب المصالح الفرنسية، فيها وفى مالى، وبالتالى وقف تدفق الغاز الجزائرى لأوروبا، واستبداله بنظيره الأمريكى، أو القطرى، على أن يتم ضخه عن طريق تركيا، ضماناً للتحكم فى سوق الغاز الأوروبية.. قطر تنفذ المخطط الأمريكى، بتقديم الدعم المباشر لـ«جبهة الإنقاذ» المتعاونة معها بالجزائر، التى نجحت فى ركوب موجة الاضطرابات، وتأجيج الشارع الجزائرى ضد بوتفليقة، حتى انتهت باستقالته.. وتزاحم النفوذ الفرنسى فى مالى، بفتح سفارة لها فى الشمال، وقنصلية فى الجنوب، وإقامة معسكرات لتدريب الإرهابيين، كما وفرت لهم الدعم المالى واللوجيستى، وأمدتهم بالسلاح والذخائر والمعدات، وفتحت منابر سياسية وإعلامية تخدم وجودها، المغرب اتفق مع نيجيريا على مشروع مد الخط الإقليمى لأنابيب الغاز بطول 5660 كم، ليضخ فى أوروبا، بعد مروره على بنين وتوجو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وجامبيا والسنغال وموريتانيا والمغرب.. دول العبور ستستوفى احتياجاتها من الخط، الذى تبلغ تكلفته 25 مليار دولار، وقدرته 30-40 مليار متر3/عام.
اضطرابات الجزائر تتزامن مع السعى الأمريكى للسيطرة على إنتاج الطاقة فى فنزويلا، بهدف إنشاء خط أنابيب يصل إلى أوروبا عبر مالى وموريتانيا، حتى تضعف الجدوى الاقتصادية لخط الغاز الروسى مع ألمانيا، وتعيد رسم خريطة الغاز بما يحقق الهيمنة الأمريكية، الجزائر تسعى لإقناع الشركات الأمريكية بالاستثمار فى تطوير حقول النفط الصخرى على أراضيها، لكنها حرب كونية، تقع دول غاز المتوسط فى قلبها.
الضغوط ضد الجزائر تتصاعد، إلى حد محاولة بعض المتظاهرين تصعيد الأمور بهدف الصدام مع الجيش، أملاً فى تدهور الموقف، ووقف إنتاج الغاز.. ما شهدته مواقع الإنتاج ومحطات الإسالة من عمليات إرهابية خلال السنوات الماضية، كانت تندرج فى هذا الإطار.. لكن التوقيت الراهن يشكل مرحلة حرجة فى تاريخ الجزائر، لأن معظم عقودها الخاصة بتوريد الغاز لأوروبا تنتهى 2019/2021، التعاقدات تكفل تزويد إسبانيا بتسعة مليارات متر3/عام لتسع سنوات، وتركيا بـ5.4 مليار متر3 لخمس، ولا تزال المفاوضات جارية مع إيطاليا، لأن هناك خلافات بشأن الأسعار وشروط التجديد، لذلك تراهن أمريكا وقطر على إخراجها من ساحة المنافسة قبل التسوية والتجديد للاستيلاء على حصتها.. وتراهن تركيا على أن ذلك قد يتيح الفرصة لتمديد «التيار التركى».. والحقيقة أن حسابات المنافسين لا ترتكز على قراءة صحيحة للموقف، فالحرب الأهلية خلال «العشرية السوداء»، لم تعرقل عمل قطاع الطاقة، بل ارتفعت خلالها صادرات الغاز والنفط، واتسعت الاستثمارات الأجنبية فى القطاع، واكتمل بناء خط أنابيب «فاريل» لإسبانيا، ذلك أن معظم منشآت النفط والغاز تقع بالمناطق النائية، الخالية من السكان، البعيدة عن العمران.. وحتى هجوم «القاعدة» ضد مجمع عين أميناس لإنتاج الغاز، الذى وقع إبان موجة النشاط الإرهابى الذى قادته قطر 2013، وأوقع 40 عاملاً قتلى، لم يؤثر لا على الإنتاج ولا على التصدير.
إغراق الجزائر فى مستنقع الجولة الثانية من «الخريف العربى»، محاولة أمريكية قطرية تركية، للإطاحة بها خارج دائرة المنافسة بسوق الغاز الأوروبية، مستغلين الانعكاسات السلبية لانخفاض الأسعار، الذى ساد على مدى السنوات الأربع الماضية؛ من تضخم وبطالة «28%».. تباطؤ معدلات النمو «1.6%».. تراجع قيمة العملة.. وانخفاض الاحتياطات النقدية من 117 مليار دولار 2014 إلى 67 ملياراً.. والأهم والأخطر، انتشار الفساد على نحو يمثل استنزافاً كبيراً للعائدات؛ فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، كسبت الجزائر قرابة تريليون دولار من مبيعات الطاقة، لكن 300 مليون منها على الأقل لم يتم تسجيلها!!.. الجزائر يتم استهدافها ضمن حرب الغاز الضارية، وهى تمر بأصعب الظروف، وتعانى أشد المعاناة، ما دفعنى لتجنب تناول أحداثها التى تعج بها الميديا، والاهتمام بعرض ما يؤكد أنها تندرج ضمن مخطط كبير لإعادة ترتيب الأوضاع، لأن «الجزائر فى أتون حرب الغاز».
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع