بقلم - جمال طه
قبرص أعلنت اكتشاف حقل غاز «جلافكوس» البحرى، باحتياطى مبدئى بين 5 و8 تريليونات قدم3، يبعد 180 كم جنوب غرب «ليماسول»، بمنطقة امتياز «المربع 10»، التابعة لشركتى «إكسون موبيل» الأمريكية و«قطر للبترول» بنسبة 60% للأولى و40% للثانية.. الكشف يضاف إلى الاحتياطات الواعدة لحقل «أفروديت»، الذى اكتشفته «نوبل إنرجى» و«شل» الأمريكيتان و«ديليك» الإسرائيلية 2011 باحتياطى 4.5 تريليون قدم3.. وحقل «كاليبسو» باتجاه الشرق، اكتشفته منذ عام شركتا «إينى» الإيطالية و«توتال» الفرنسية، باحتياطات تقدر بين 6 و8 تريليونات قدم3.. قبرص دعت «توتال» و«إينى» و«إكسون موبيل» إلى مناقصة للحصول على حق التنقيب بمنطقة «البلوك 7» ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها فى أكتوبر الماضى.. لكن الكشوفات الغازية للجزيرة أشعلت حرب الغاز شرق المتوسط.
المحاور السياسية التى نشأت نتيجة لاكتشافات الغاز لا تزال فى مراحلها الأولى، لم تتبلور بعد، وقابلة للتغيير، ما يحدث على صعيد علاقات قبرص مع دول منتدى غاز شرق المتوسط «كلوب ميد» يؤكد تلك الحقيقة، ما يفرض المتابعة اللصيقة، فمستقبل مصر الواعد يتوقف على الغاز، الذى تقدر بعض المصادر قيمة احتياطات «ظهر» وحده بـ240 مليار دولار.. حماية مصالح الشركات الأمريكية فى مواجهة التهديدات التركية فرضت على «واشنطن» التعهد لقبرص بتأمين الأنشطة الاستكشافية قبالة سواحلها.. تريستان أسبراى، نائب رئيس «إكسون»، كشف عن مفاجأة «إن إقامة منشأة لإسالة الغاز بقبرص، قبل تصديره، أصبحت خياراً وارداً».. و«بومبيو»، وزير الخارجية الأمريكى، قرر المشاركة فى القمة الثلاثية لقبرص واليونان وإسرائيل 20 مارس الحالى.
الموقف الإسرائيلى لم يكن داعماً لقبرص كالأمريكى؛ يوفال شتاينتز، وزير الطاقة، نبه المسئولين القبارصة خلال زيارته «نيقوسيا» مايو الماضى، إلى الادعاءات الخاصة بتداخل بئر «يشاى»، بمنطقة امتداد «أفروديت»، مع حدود المنطقة الاقتصادية لإسرائيل، طالباً تسوية الخلاف خلال ستة شهور، وإلا سيرفعه للتحكيم الدولى، مرت عشرة شهور والخلاف لا يزال قائماً.. إنتاجية البئر محدودة، لكن إسرائيل تضغط به على قبرص، وتوظفه سياسياً، رداً على موافقة «نيقوسيا» مؤخراً على الاتفاق الذى وقعته مع «القاهرة» سبتمبر الماضى، لإنشاء أنبوب تحت البحر لنقل غاز «أفروديت» إلى معامل الإسالة بمصر.. صحيفة هآرتز الإسرائيلية اتهمت مصر بالمسارعة ببدء بناء خط الأنابيب القبرصى قبل اتفاق إسرائيل النهائى على خط «إيست ميد» لتحقق السبق، وتضمن التحول إلى مركز لتوزيع الطاقة المنتجة بالمنطقة، بما فيها الغاز الإسرائيلى، على العملاء والمستهلكين فى أوروبا والشرق الأوسط.
القلق الإسرائيلى تتعدد أسبابه، وأهمها قلة الاختيارات المتاحة لاستثمار الغاز المستخرَج من حقولها.. كانت فى صدارة الدول التى اكتشفت الغاز شرق المتوسط 2009، لكنها حتى الآن لم تستخرج قدماً مكعبة واحدة، بينما مصر آخر من ظهر فيها الغاز 2015، حققت الاكتفاء الذاتى، وبدأت التصدير.. إسرائيل تواجه تهديدات وضغوطاً عديدة تتعلق بحقول الغاز؛ ما يفسر تنظيمها لمناورة بحرية فى الأسبوع الأخير من يناير استمرت أسبوعاً، تضمنت التدريب على إغراق سفينة تحمل إرهابيين، باستخدام لنشات صواريخ، وتحت غطائها تم تثبيت عواميد الأساس لمنصة حقل غاز «ليفياثان»، على النحو الذى يسمح ببناء أماكن الإقامة ومهبط المروحيات، ومعدات التشغيل، وبدء الإنتاج قبل نهاية العام.. المناورة الإسرائيلية كانت مدفوعة بمخاوف وتهديدات «حماس» و«حزب الله»، بشن هجمات تعرقل تشييد المنصة، التى تعتبر حتمية لإتمام كل العمليات المتعلقة بالغاز فى عمق البحر، بعيداً عن البر الإسرائيلى، تجنباً لضغوط داخلية تتعلق بالتأثيرات البيئية الضارة والمحتملة لمشاريع الغاز، التى وصلت إلى حد تهديد «يائير لبيد»، زعيم حزب «ييش عتيد»، بأنه إذا فاز فى انتخابات التاسع من أبريل سيوقف مشروع «ليفياثان»!!.
إسرائيل وهى تنتظر استقبال زعيمى قبرص واليونان و«بومبيو» لتوقيع عقد الاتفاق النهائى الخاص بمشروع «إيست ميد» لنقل الغاز من إسرائيل لأوروبا، فوجئت وفوجئ الجميع بالاكتشافات القبرصية التى أضيفت لمستجدات الموقف والتى أربكت الحسابات، وقد تزعزع المحاور.. «إيست ميد» تهدده رهانات مصر على «استراتيجية الممكن والمتاح»؛ «القاهرة» راهنت على أن الانتهاء من دراسات الجدوى والخطة التنفيذية للمشروع الإسرائيلى قد تستغرق ما بين عام وعامين، من تاريخ تكليف المفوضية الأوروبية بتقييمه، خلال اجتماع بئر السبع ديسمبر الماضى، بين إسرائيل وقبرص واليونان.. وخلال هذه الفترة تكون مصر قد انتهت من تشييد خط الأنابيب الذى ينقل الغاز القبرصى لمحطات الإسالة، لتبدأ عملية التصدير، ربما قبل الشروع فى تنفيذ الخط الإسرائيلى، وبتكلفة قرابة المليار دولار، مقابل تكلفة تقديرية لـ«إيست ميد» قد تصل لـ12 مليار دولار.
تصديق قبرص على اتفاق مد خط الأنابيب لمصر قد يُضعِف الجدوى الاقتصادية لخط أنابيب «إيست ميد»، فى ظل تكلفته الباهظة والتحديات الهندسية نتيجة للأعماق السحيقة التى سيرتكز عليها، ما يعطى أولوية للإسالة والتصدير عن طريق مصر، مقارنة بكافة الخيارات الإسرائيلية، لأن البديل لذلك إنشاء معمل للإسالة ورصيف للشحن فوق منصة الغاز البحرية التى شيدتها أخيراً، ولكن ضخامة التكلفة ربما يجعلها من المستحيلات.. هذا بخلاف أن إنشاء معمل إسالة فى قبرص، إذا ما تقرر، يهدم فكرة «إيست ميد» من أساسها، ويخلق منافساً خطيراً لمصر، وقد يجهض الاتفاقيات المتعلقة بنقل الغاز القبرصى لدمياط وإدكو.
مجموعة العمل المنبثقة عن الدول المؤسسة لـ«كلوب ميد»؛ قبرص، اليونان، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، فلسطين، مصر، وممثل الاتحاد الأوروبى، عقدت اجتماعاً بالقاهرة 6 مارس لوضع إجراءات استكمال التأسيس، ورفع توصياتها إلى الاجتماع الوزارى الذى يعقد أبريل المقبل، لتكون مهمته تحقيق الاستغلال الاقتصادى لغاز المنطقة، وبنيتها التحتية، وإنشاء سوق إقليمية، بأسعار تنافسية.. هذا المنتدى أصبح ضرورياً لبحث نتائج وتداعيات قمة «إيست ميد» فى إسرائيل، والارتباك فى حسابات ومحاور دول المنطقة، خاصة ما يتعلق بالاختيار القبرصى -المحورى لمستقبل المنطقة- ما بين استكمال تعاقداتها مع مصر لتصدير غاز حقل «أفروديت» بعد تسييله، أو تلبية الاحتياج الأوروبى له فى حالته الغازية، من خلال «إيست ميد».. الانحياز لأىٍ من البديلين ينعكس على المشاريع الغازية، سواء إنتاج أو نقل أو تصدير، القائمة حالياً والمقبلة بالمنطقة.. كما يناقش آليات احتواء الخلاف المحتمل نتيجة لمنح لبنان حق التنقيب لكونسورتيوم «توتال»، قرب منطقة الخلاف مع إسرائيل، والمناورات التركية غير المسبوقة فى ضخامتها.. لكن ذلك موضوع المقال التالى.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع