معركة الدولة في مصر ضد التنظيمات المتطرفة، بخاصة الموجودة في سيناء تشبه كثيراً في ملامحها تلك الحروب التي خاضتها في الأعوام 1956، 1967، 1973، أخذت هذه الحروب وقتاً وجهداً وتضحية، بعضها فرض على الدولة وبعضها أصرت من خلالها الدولة على استرداد هيبتها وكرامتها وأرضها معاً.
فمعركة تحرير سيناء من الإرهاب في عام 2018 لا تختلف كثيراً عن تلك المعركة التي خاضتها الدولة في تشرين الأول (أكتوبر) في العام 1973 ضد المغتصبين الإسرائيليين، نجحت الدولة في تحرير الأرض، ولكن دفع الوطن بعد ذلك ضريبة هذه الحرب لسنوات طويلة، وها هو يدفعها الآن إلى تحرير هذه البقعة الغالية من الوطن، تحرير ينال الأفكار الهدامة لهذه التنظيمات كما ينال كياناتها أيضاً.
لا بد من المراجعة الدائمة لخطط مواجهة الإرهاب التي تضعها الدولة حتى نطمئن إلى نتائجها أولًا، وإلى أننا ما زلنا على المسار الصحيح الذي ينتهي بنتائج مرضية في هذا الشأن ثانياً، بحيث لا تكون المواجهة فقط وقتية، ننشغل في التعامل مع الخطر السرطاني للتنظيمات المتطرفة لهدف سياسي، بينما يتوغل هو في جسد الأمة فيقوى ويقوى، وهو ما حدث على مدار ثلاثين سنة من الصراع مع هذه الأفكار المتطرفة.
وهنا يمكن القول أن أجهزة الأمن لم تراجع السياسات الأمنية لمواجهة التطرف في الشكل الذي يضمن لنا نتائج مرضية طيلة هذه الفترة، بحيث يختفي التطرف نهائياً ولا نلمح وجوداً للإرهاب، كما وقعت في خطأ ثانٍ، أنها تعاملت معه كخطر يواجه النظام السياسي، فتارة كانت تقسو عليه وتارة كانت تغض الطرف عن سلوكه، فساومت على دوره ونشاطه في الشارع، وهو ما أنتج سيطرة "الإخوان" على السلطة في مصر في حزيران (يونيو) عام 2012.
رأس الإرهاب واحد وخطره لا يمكن تحمله، وعلى كل مؤسسات الدولة أن تتحمل دورها في المواجهة بما في ذلك المجتمع المدني والأفراد، هذه المعركة هي الأولى، ويمكننا أن نقول أنها قبل معركة التنمية أو تسير معها بالتوازي، فلا يمكن أن تتحقق التنمية وهناك إرهاب في جميع مستوياته.
لا يمكن التشكيك في دور أجهزة الأمن في مصر، بل لا بد من تحيتها وفق ما قامت به طوال فترة التسعينات من القرن الماضي، لكننا في الشأن ذاته نلفت النظر إلى أن رأس الإرهاب الذي قطعته أجهزة الأمن في مصر نبت لها رأسان في سيناء، لذلك لا بد أن تسير هذه المعركة على رافعتين، مواجهة أمنية، ورافعة أخرى ممثلة في المواجهة الفكرية، ولا يمكن أن تكون إحداهما بعد الأخرى أو تتخلف عنها في أي شكل كان حتى نضمن نتائج مرضية في القضاء على التطرف والإرهاب.
سيناء كانت محفلاً للإرهاب في الستينات من القرن الماضي، وتغافلت عنها الدولة ولم تقم بمشاريع تعميرية وتنموية تضمن استقراراً اقتصادياً يتبعه استقرار اجتماعي وسياسي فيما بعد، كما لم يكن للمؤسسة الدينية والثقافية دور حقيقي عاصم ضد نمو الإرهاب والتطرف، حتى بات وضعها على ما نشهده خلايا لكل التنظيمات المتطرفة داخل سيناء، أصبحت سيناء حاضنة للإرهاب ومصدرةً له، كما أنها أصبحت معبراً لمرور هذه الخلايا أفكاراً وتنظيمات.
العملية الشاملة سيناء 2018 قاصمة ظهر الإرهاب في سيناء، لكنها تأخرت بعض الوقت ولعل الظرف السياسي كان وراء هذا التأخير، فوضى سياسية بعد ثورة 25 كانون (يناير) عام 2011، ووصول حركة "الإخوان المسلمين" على رأس السلطة عام في حزيران في 2012، فلم تتأخر فكرة المواجهة فقط وإنما احتضنت هذه التنظيمات وساعدت في نموها بالصورة التي نشاهدها الآن.
الانطلاقة الأخيرة لمواجهة الإرهاب لا بد أن تكون عبر مسارين أولهما من خلال الشفافية في عرض خطة المواجهة أو عرض ملامحها ومراجعة هذه الخطط بين الوقت والآخر بين المختصين حتى نضمن نتائج مرضية في القضاء على الإرهاب وحتى لا نفاجأ بنشاطه ينتقل إلى مكان آخر، ولا نفاجأ بأننا لم نأخذ الطريق الصحيح للمواجهة وبالتالي نحتاج إلى تعديل هذه الخطط، والوقت ليس في مصلحتننا والمجتمع مصاب مع سرطان الإرهاب بمرض نقص المناعة، هذان الخطران كفيلان بسقوط الدولة وهما ما تخطط لهما التنظيمات المتطرفة، فهي تعتقد أنها لن تستطيع أن تسيطر على الأرض إلا بنشر الفوضى فهي الضمانة لسقوط الدولة.
سوف تُعلن الدولة سيناء خالية من الإرهاب - على الأرجح الأقوال - في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2018 حتى تتشابك المعركتان، معركة تحرير الأرض التي اغتصبتها إسرائيل ومعركة المتطرفين الذين يحاولون السيطرة على الأرض بعدما سيطروا على عقول الكثير من النّاس، سوف تُصبح سيناء خالية من الإرهاب، مثل غيرها من المحافظات المصرية حتى في معدل تنفيذ العمليات المسلحة، ولكن لا بد للمؤسسة الدينية والثقافية أن تكون على المستوى ذاته من مواجهة المؤسسة الأمنية للإرهاب حتى نقضي على رؤوسه التي تخرج لنا بين الوقت والآخر.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع