بقلم - أحمد فؤاد أنور
أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مبكراً تأثير الإعلام في الرأي العام، وصناع القرار في إسرائيل، لذا احتفظ لنفسه لفترة بمنصب وزير الاتصالات ليخضع دوائر إعلامية كثيرة تحت نفوذه، وليقلل حدة هجماتها ضده، وقبل ذلك أطلق صحيفة مجانية من خلال أحد أصدقائه هي صحيفة «يسرائيل هيوم» التي نافست بالفعل الصحف الأكثر توزيعاً وتفوقت مراراً وبأرقام قياسية عن معدلات توزيعهم. وحين طلب رجل الأعمال الإسرائيلي نوني موزيس، مالك النصيب الأكبر من الأسهم في صحيفة «يديعوت أحرونوت» وضع حد لانطلاقة «يسرائيل هيوم» دخل نتانياهو بإرادته الحرة إلى حقل ألغام. فقد أبرم صفقة مالية شخصية مع مالك «يديعوت أحرونوت» لوقف صعود «يسرائيل هيوم» من خلال قانون جديد، ولائحة منظمة تضع حداً لانطلاق الصحيفة في معدلات التوزيع. فما هو دور الإعلام في إطلاق إشارة العد التنازلي لحياة نتانياهو السياسية بعد أن دانته الشرطة الإسرائيلية وأوصت بإحالته على المحاكمة لخيانة الأمانة وتلقي رشى في ملفين؟
أدى الإعلام دوراً في طرح القضية على الرأي العام لتحصين قائد الشرطة في مواجهة ضغوط نتانياهو، وهو ما برزت فيه القناة العاشرة التي يمتلك أسهماً مؤثرة فيها رون لاودر الأميركي اليهودي ذو الخبرة السياسية والذي يتمتع أيضاً بشبكة علاقات جيدة في مصر. ولأن الجميع يدرك تأثير الإعلام توجّه قائد الشرطة روني الشايخ (الشهير بالثعلب) إلى وسائل الإعلام ثانية، واختار أن يكون موعد إطلاق بياناته الرسمية هو موعد بث النشرة الرئيسية ذات المشاهدة الكثيفة في إسرائيل. واستعد نتانياهو بدوره لمخاطبة الرأي العام، بعد دقائق فقط من بيان إدانته وخرج ليؤكد أنه لن يستقيل، وأن الطرفين (الراشيين) في القضيتين لم يستفيدا منه! (مع ملاحظة أن القانون لا يفرق بين من قدّم خدمة بالفعل مقابل الرشوة أم اتفق فقط على المساعدة ولم ينفذ الاتفاق).
في المقابل خرج رئيس الوزراء السابق إيهود باراك عن صمته- بعد دقائق من بيان نتانياهو- بتسجيل يعلق فيه على ما خلصت إليه الشرطة الإسرائيلية وكأنه يستجيب أصوات تطالبه بالعودة للعمل السياسي بعد اعتزال طويل؛ ليقارن بين نتانياهو وبين عصابات المافيا، ويؤكد أن الإسرائيليين ليسوا حمقى ليوافقوا على فساد في هذين الملفين وملفات أخرى لم تفتح بعد.
مسؤولة ذات خبرة إعلامية مكثفة انبرت للدفاع عن نتانياهو عبر مداخلات مطولة مع الإعلام هي العميد احتياط ميري رجيف؛ الناطقة باسم الجيش الإسرائيلي والرقيبة العسكرية سابقاً ووزيرة الثقافة حالياً. لطمة أخرى وجهها الإعلام الإسرائيلي لنتانياهو حين أخرج له من أرشيفه لقاء تلفزيونياً؛ قال فيه منذ نحو عشر سنوات: لا يجب من الناحية الأخلاقية على رئيس وزراء غارق في التحقيقات أن يتصدى لقرارات مصيرية؛ لأنه قد يعلي مصلحته الشخصية التي تتمثل في الاحتفاظ بمنصبه ومستقبله السياسي على المصلحة العامة، وأن الحل هو الاستقالة وعقد انتخابات مبكرة.
وفي الاتجاه ذاته برز دور إذاعة الجيش الإسرائيلي، نظراً لأنها وجّهت كثيراً من الانتقاد إلى نتانياهو، وأتاحت كذلك لضيوف رافضين استمراره في منصبه شرح وجهة نظرهم بإسهاب، حيث بيّنوا أن نتانياهو يتشبث بمنصبه حتى ولو كان الثمن هدم مؤسسات الدولة. وفي شكل مواز؛ٍ قال يوآف سيغلوفيتش مدير إدارة التحقيقات السابق في الشرطة الإسرائيلية: «إن نتانياهو يتصرف كمشتبه فيه، ويتحدث كمشتبه فيه، ولو كان يعمل لمصلحة إسرائيل كما يدعي فعليه أن يتنحى». لكن الإذاعة سمحت في الوقت نفسه لمحامي نتانياهو؛ عاميت حداد بالدفاع عنه، حيث زعم أن التحقيقات تم توجيهها لأسباب غير موضوعية.
من ناحية أخرى قلّلت صحيفة «يسرائيل هيوم» من إدانة تحقيقات الشرطة لنتانياهو، حيث نقلت عن أحد أعضاء الائتلاف الحكومي نفتالي بينت وزير التعليم وزعيم «البيت اليهودي» قوله إنه واثق في نتانياهو وقراراته، وتجاهلت قوله: «إنه لا يجب على رئيس وزراء إسرائيل أن يتلقى هدايا كتلك من بليونير» (مجوهرات، وعلب سيجار، وكحوليات فاخرة). وخلص المحلل السياسي للصحيفة إلى أنه: «على الشرطة بعد انتهاء التحقيقات أن تصمت»! وأرفق الموقع الإلكتروني للجريدة التحليل ورد نتانياهو المصوّر فقط على الشرطة من دون إذاعة بيان الشرطة؛ في انحياز، وغياب كامل للمعايير المهنية الإعلامية. وقال نتانياهو في الكليب: إنه واثق من أن حكومته ستكمل فترتها، وأنه سيحول إسرائيل إلى قوة عظمى، بل وسيفوز في الانتخابات المقبلة.
وكما هو متوقع دافعت إذاعة المستوطنين (عاروتس شيفاع) عن نتانياهو بضراوة وذكرت أن قادة اليسار الإسرائيلي فعلوا ما هو أكثر فداحة مما فعله نتانياهو من دون عقاب، ووصفت إدانة الشرطة نتانياهو بأنها «فيك نيوز»؛ أي أخبار كاذبة على غرار العبارة الشهيرة لترامب ضد «سي إن إن».
وسادت موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» موجة من التغريدات الساخرة من انحياز بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى نتانياهو، بخاصة أن يائير لابيد الشاهد الرئيسي في القضية زعيم حزب «يش عاتيد» المعارض هو صحافي ومقدم برامج انتقل إلى السياسة كما فعل والده تومي لابيد، وأن قسماً كبيراً من الاتهامات يتعلق بالعمل الإعلامي أيضاً.
يذكر أن الاتهامات في حق نتانياهو تتعلق باتفاق مع رجل الأعمال ميلتشين على تلقيه هدايا بمليون شيكل نظير تسهيلات واستثناءات في خمسة بنود تتعلق بالإعلام في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأميركية (القضية رقم 1000)، كما تتعلق باتفاق مع رجل الأعمال موزيس لتعزيز مكاسب شخصية لنتانياهو في فترة شغله منصب وزير الاتصالات مقابل منع «يسرائيل هيوم» من إصدار عدد أسبوعي، وتقليص عدد النسخ التي توزعها، مع الضغط لشراء موزيس «يديعوت أحرونوت» (القضية رقم 2000).
وكان الشهر الماضي شهد تسريباً أثار ضجة في إسرائيل يقول فيه يائير ابن نتانياهو إن والده منح والد صديقه أموالاً بعد أن حارب في الكنيست لإتمام الصفقة! بخاصة أن التسريبات التي بثتها القناة الثانية الإسرائيلية كشفت أن نجل نتانياهو (26 سنة) ترافقه حراسة على نفقة الدولة يصطحبها حتى خلال سهره المتكرر في ملاهي الإستربتيز!
نقلا عن الجياة اللندنية