توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جراح معنوية على مستوى القمة

  مصر اليوم -

جراح معنوية على مستوى القمة

بقلم - فـــؤاد مطـــر

عايشنا كصحافيين، يتابع كل في نطاق اهتمامه وخياراته الأحداث على مدى نصف قرن عربي ودولي حافل بالصراعات، وما يتبعها من أنواع التخاطب بين أطراف متربعة على قمة السلطة، تعقبها حالات من الاحتراب على نحو ما هو حاصل منذ سنتين في روسيا، ومنذ سنة في السودان، وغالباً ما يسبق الاحتراب ما لخّصه الشاعر العربي بعبارة «الحرب أولها كلام». وفي هذه المتابعة، سجّل رؤساء حالة من الغضب على رئيس أو أكثر لدواعٍ مختلفة، وأجازوا لوسائل الإعلام من صحف وإذاعات ثم محطات تلفزيونية باتت فضائيات أن يقولوا من الكلام الجارح أحياناً في حق رئيس فاجأهم بخطوة صاعقة أو بخروج عن التفاهمات، إلا أنهم حرصوا على أن يبقى العتاب أو الغضب في منأى عن سلاطة اللسان. ثم ها هو الرئيس الأميركي جو بايدن يسجل، عشية بدء الحرب الروسية الأوكرانية ذات المسحة الأطلسية سنتها الثالثة، ومن دون ملامح على قرب نهايتها، عبارة توصيفية في حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يسبق أن قالها رئيس في حق رئيس خصم. هذه العبارة التي صدمت سامعيها أو قارئيها هي: «لدينا.. الرجل بوتين وآخرون غيره، حيث علينا دائماً أن نخشى من اندلاع نزاع نووي، لكن التهديد الوجودي للبشرية هو المتاح...».

ومع أن هذه النبرة ليست جديدة على بايدن الذي سبق أن أطلق على بوتين وصف «سفَّاح» و«مجرم حرب» إلّا أن التوصيف الجديد يحفر في الوجدان، فضلاً عن أنه مألوف لدى متخاصمين في أوساط الدرجات الاجتماعية الدنيا، وفي لحظات من الثمل، لا يسيطر بسببها السكارى على الغضب وهم داخل مقاصف وبارات وملاهٍ ليلية، وفي هذه الأوساط كثيراً ما تحدُث جرائم قتل، كأن يردي شخص شخصاً آخر قتيلاً لأنه تفوه بعبارة ترمي أمه بأسوأ تهمة تقال عن امرأة.

ونلاحظ أن بوتين الذي يترجم عادة من يستفزه إلى «بالغ الحدة والمخاطرة»، التزم الكياسة من دون أن يعني التزامه هذا أنه لم يتألم من هذا الجرح المعنوي، تاركاً للناطق باسم الكرملين الردّ، وبكلمات واغزة، إنما بتأدب، قائلاً: «هل استخدم الرئيس بوتين كلمة واحدة مهينة لمخاطبتكم؟ إن استخدام رئيس الولايات المتحدة لمثل هذه اللغة عن رئيس دولة أُخرى من غير المرجح أن يسيء إلى رئيسنا الرئيس بوتين، لكنه يحطّ من قدْر أولئك الذين يستخدمون مثل هذه المفردات، التي ربما كانت نوعاً من المحاولة للظهور كراعي بقر في هوليوود. لكن بصراحة لا أعتقد أن ذلك ممكن...».

وهذا الرد المدروس بعناية ومن دون ذِكْر بايدن بالاسم، ربما تجهيلاً، وليس إغفالاً، لا يعني أن الكرملين من خلال لسان سليط... لسان ديمتري ميدفيديف، الذي قدَّم الترؤس لصديقه بوتين عام 2012، وبقي إلى الآن خير سند لصديقه، وأشرس مدافع عن الزعامة البوتينية، قال عن الرئيس بايدن إنه «مصاب بالخرف ومستعد لخوض حرب ضد روسيا، وإن التهديد الوجودي للعالم يأتي من كهول عديمي الفائدة...».

وعندما نقول إن التلاسن الرئاسي من جانب البعض بقي - رغم السلاطة في التعبير - لا يصل إلى نقطة المحرمات، كوصف الرئيس بايدن للرئيس بوتين فإننا نتذكر ما قاله الرئيس أنور السادات عن الرئيس معمَّر القذَّافي، في حالة غضب عاصفة، إنه «مجنون ليبيا». وما قاله عن انتفاضة شعبية في المجتمع المصري؛ إنها «انتفاضة حرامية». وعن سجين سياسي مرموق؛ إنه «قاعد في السجن زي الكلب». لكن رغم أن هذه أوصاف لا تصل إلى المحرَّمات، وبالذات ما يتعلق بالأم، التي تجاوزها - من دون وجه حق أو منطق - الرئيس بايدن في حق خصمه اللدود الرئيس بوتين، إلا أنها نالت من سمعة قائلها ورصيده من دون أن تحقق ما يتباهى به.

كذلك نتذكر في السياق نفسه، غضب الرئيس حافظ الأسد من الرئيس السادات لزيارته إسرائيل وإلقاء خطاب، وكيف أنه، رغم غضبه الشديد مِن فعله وهو شريك له في الحرب، سرعان ما تناسى تلك الشراكة، وأبقى على لسانه لا يصل عند التعبير عن موقفه من الفعل الساداتي إلى ما لم يعتمده على سبيل المثال الرئيس بايدن من تعبير يتسم بالسلاطة في حق الرئيس بوتين وقوله: «إنه ابن زانية».

ولقد عبَّر الرئيس حافظ الأسد عن غضبه من الفعل الساداتي بمطالعة ضمن خطاب مبثوث ألقاه في مثل هذا الشهر قبل 43 سنة (الأحد 18 مارس - آذار 1981)، أمست محطة مهمة في تاريخ العلاقات العربية - العربية ومحاولات التضامن والتحالف، جاء فيها قوله: «زارنا السادات قبل يومين من زيارة الخيانة، والتقيت معه لمدة 7 ساعات، وروى لي خلال اللقاء كيف تكونت لديه فكرة الزيارة، وبطبيعة الحال لم يقل شيئاً من الحقيقة، لا من بعيد ولا من قريب. روى لي نُتفاً من قضية هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة. بل هي الخيال بعينه، لدرجة أنه أراد أن يقنعني أن الفكرة بكاملها تولدت لديه وهو في الجو في الطائرة، وربما لسوء حظه أنني كنت فيما مضى طياراً وما زال عندي بعض الذكريات، وربما ساعدني هذا في فهْم ما نواه...».

خلاصة القول إن هذا التخاطب، الذي يعتمده في لحظة غضب مَن هم في مستوى القمة ويتحملون مسؤولية البلاد والعباد على حد سواء، يلقي ظلالاً على مهابة كل قائل كلاماً أقرب إلى التجريح منه إلى الموقف. وفي أدبيات وأخلاقيات مرجعيات روحية وفكرية عربية في التاريخ ما يضيء على أهمية تعفف اللسان، مثل قول الرسول (ص): «الجمال في الرجل اللسان»، وحكمة للإمام عليّ: «المرء مخبوء تحت لسانه وقوله يدل على عقله». ومثل هذه الحكمة يحتاجها الجلساء في القمة أصحاب القرار، وبالذات الذين يقولون في لحظة غضب ما هو مستهجَن قوله، واعتبره الرئيس الأميركي بايدن في حق الرئيس الروسي بوتين أمراً طبيعياً... مع أنه ليس كذلك على الإطلاق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جراح معنوية على مستوى القمة جراح معنوية على مستوى القمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon