توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تكرار نوازع العظمة

  مصر اليوم -

تكرار نوازع العظمة

فـــؤاد مطـــر
بقلم - فـــؤاد مطـــر

هكذا بعد اثنتيْن وثلاثين سنة تكاد طبيعة الأزمات الشائكة تعيد نفسها.
ماضياً في عام 1990؛ تلك الأزمة التي عصف العناد المستحكم في شخص بادئها، فكان الغزو وإلحاق الأذى البالغ بالعلاقات العربية، ثم الحرب تلت ذلك، ونقلت الدولة العربية الرقم، أي العراق، من الصدارة بجانب دول شقيقة إلى مشارف حافة الهاوية، يراوح حتى بعد ربع قرن من الحرب الدولية عليه، والاحتراب الأهلي المتدرج على أرضه من جانب أهل الوطن الواحد، مكانه من عثرة إلى عثرات.
وحاضراً في الأزمة الروسية - الأميركية ودول القارة العجوز أوروبا التي يعيشها العالم، والتي كما مثيلتها العراقية - الخليجية التي انتهت حرباً وتقليصاً ممنهجاً للسيادة الوطنية، ربما في حال رجحت كفة ذرائع العناد، وتراجعت فرصة الحكمة تتسبب في الحاضر الدولي، بالذات الأميركي - الأوروبي منه، بما هو أفدح بكثير مما حدث في الغابر الخليجي.
في المشهديْن أوجه شبه كثيرة بين بطلي الدراما السابقة وتلك التي يمكن أن تتكرر. فالرئيس صدام حسين الذي خرج بنصر نسبي من حلبة الملاكمة الحربية على مدى ثماني سنوات مع آية الله الخميني الأشد عناداً منه، بدليل رفْض المساعي الإقليمية والدولية الكثيرة لإنهاء الحرب مع العراق والجلوس إلى طاولة التفاوض، لم يحصر اهتمامه بمداواة الجرح النازف في المجتمع العراقي، وإنما ركز على توظيف هذا النصر بما يحقق له الحلم الذي طالما سعى إليه، وهو أن يكون سيد الخليج العربي في الحد الأقصى أو الشريك الثاني في هذه السيادة، وذلك بعدما فتحت الإدارة الأميركية نوافذ أمام علاقة استراتيجية مع العراق الذي يقوده، وذلك من خلال زيارات قامت بها إلى العراق شخصيات ذات شأن في المجتمع المصرفي والمالي والصناعي، وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، أوحى بعضهم بإمكانية أن يكون العراق الصدامي جزءاً من الشأن الأميركي في المنطقة. ثم تأتي لحظة غلب فيها هوس الزعامة الأكثر رحابة على الحكمة، وحمل صدام حسين على القراءة من دون تروٍ في كتاب ما يعتبره «حقاً تاريخياً» في دولة الكويت سبقه إلى تقليب صفحات فيه موفور من أهل الحُكْم في العراق في الثلاثينات وما تلاها من عقود.
ظاهرياً كان الرئيس العراقي المعتز بفوائد «أم المعارك» مع إيران، يرى أن أميركا ودول أوروبا ستقف معه ما دام أوضح على الملأ النيات، فضلاً على العبارة التي تطمئن القارتيْن الأميركية والأوروبية، وهي أن عراقه لن يشرب النفط، أي بما معناه أنه لا خشية من صدام ولا مخافة على النفط، وهذا أمر يلقى الارتياح من جانب شركات النفط الأميركية والأوروبية.
في ضوء ذلك بدأ يتصور نفسه مالكاً أهم ثروة نفطية خليجية، نفط العراق ونفط الكويت باعتبار وافتراض أنه سينفذ خطوة في اتجاه استعادتها. ولم يتأخر. بدأ الحديث عن إجراءات حدثت. وأرفق الحديث بتحشيد قوات على الحدود.
بدأت غيوم الخشية من خطوة غير محسوبة تتكاثر في الأجواء السياسية للمنطقة، نشط سعاة التهدئة يتقدمهم الملك فهد بن عبد العزيز والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وبذل كل منهما سعياً حميداً كان من شأن الأخذ به أن يعالج صدام حسين أعباء ما بعد الحرب، وبحيث يتحول عشرات الألوف من الجنود الذين شاركوا في الحرب مع إيران إلى قوى تنشط في مشاريع تنموية وصناعات خفيفة. وهو حل أفضل بكثير من الذي رآه، وهو أن إشغال الجزء الأكبر من الجيش العائد من الحرب مع إيران بمهمة الإطباق على دولة الكويت يفي بالغرض، ويحقق عوائد لهذه القوات من المال الكويتي، باعتبار أنه بات بعد الذي جرى، وهو إعلان استعادة الكويت «فرعاً عاد إلى الأصل»، يمكنه الحديث حول الغزو بمفردات تحقيق الإنجاز الوطني.
لم ينفع النصح من كثيرين مع أن من حق الملك فهد والشيخ زايد عليه الإصغاء إليهما والأخذ برأيهما. يكفي ما حصل عليه صدام الحرب منهما ومن مصادر أُخرى مثالاً على المؤازرة. تساقطت الرهانات والتوقعات الصدامية. وسارت الأمور في الاتجاه الأسوأ. وهو بعدما كان يُمنّي النفس بزعامة تتجاوز حدود العراق وفي ضوئها يعيد النظر في أسلوب الحُكْم ويمضي في ضوء ذلك كونه في سن فتية نسبياً (في مطلع الستينات عندما غزا الكويت) عقديْن جديديْن من الحُكْم إنما هذه المرة كواحد من الرقميْن الأكثر أهمية في خريطة الحُكْم في العالم العربي.
هذا المنحى من التفكير يتسم به تفكير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحالم بأن يكون منتصراً جديداً، وبأن يعيد أوكرانيا ثم أُخريات باتت جمهوريات مستقلة إلى الحضن الروسي، وبحيث يقال أن الاتحاد السوفياتي الذي كان محكوماً بترويكا الرفاق الثلاثة عاد اتحاداً روسياً بصيغة الولايات المتحدة الأميركية وبرئاسة الرجل الواحد، تماماً على نحو ما يرنو إليه صدام.
ينتمي الاثنان إلى عالم فريد من نوعه. كلاهما غصنان في شجرة واحدة مسكونان بالعظمة وبالخشية والإحباط مما يمكن أن يصيبهما إذا هما اعتمدا حكمة التصرف والقبول بمَن يسدي النصح. كان صدام حسين سبّاقاً. غزا ودفع الثمن حُكْماً ثم وطناً.
وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يستنسخ السعي السعودي - الإماراتي، ويحاول السعي نفسه ولهدف مشابه، وهو إنقاذ أميركا بايدن من سقطة محرجة وإبقاء أوروبا في منأى عن عواقب الصراع في حال انتهى حرباً، وتخفيف نسبة التشتت في التوجه الأطلسي، وحفظ ماء وجه بوتين استباقاً لما قد يُقدِم عليه، وتتكرر نوازع العظمة إلى درجة يصبح اليوم البوتيني توأم البارحة الصدامية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تكرار نوازع العظمة تكرار نوازع العظمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon