يوم الأحد 24 يونيو (حزيران) الماضي، سجل الأمير ويليام حفيد الملكة إليزابيث الثانية ونجل ولي العهد الأمير تشارلز، بالزيارة الأولى له لساحة الصراع العربي – الإسرائيلي الذي تتحمل بريطانيا وزراً ما زال مرجأ التصحيح إلى أن يرتئي الجيل الذي يرمز إليه الأمير ويليام الذي سيكون ولياً للعهد أو ربما ترتئي جدته تصحيح هذا الوزر باجتهادات تعطي للشعب الفلسطيني بعض حقه وللشعب الإسرائيلي مشروعية عيْش آمن لا تعتدي حكوماته على جيرانها ولا تمس المقدسات.
على وقْع مصالحة بدت مستحيلة، لكن اعتماد المرونة والحاجة إلى التهدئة من جانب الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي جعلها ممكنة وتؤسس لمصالحات آتية، تمت جولة الأمير ويليام بدءاً بالأردن.
وتمت الجولة على وقْع تلك المشوِّقات التي حدثت قبل أن يتوعك الرئيس محمود عباس، ثم بعد التعافي واستئناف الأخذ والرد في «صفقة القرن» التي يكتنفها الغموض والتي عند طرْحها بغرض التسليم بها حلاً لا حل غيره لن تلبّي في أي حال وأي رسْم خرائط الحد الأدنى الذي هو الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف. كما تمت الزيارة بعدما جال جاريد كوشنر، وباغتتنا مندوبة الولايات المتحدة، نيكي هيلي، دائمة الابتهاج بمواقفها داخل المنظمة الأممية إلى جانب الباطل الإسرائيلي ضد الحق الفلسطيني بالإعلان يوم الأربعاء 20 يونيو 2018، عن أن الولايات المتحدة انسحبت من «مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان» وذريعتها المتجنية أن هذا المجلس «مرتع للتحيز السياسي وحامي منتهكي حقوق الإنسان، وإن التزامنا لا يسمح لنا بأن نظل أعضاء في منظمة منافقة تخدم مصالحها الخاصة وتحوِّل حقوق الإنسان إلى مادة للسخرية». ومن الطبيعي أن يكون رد فعل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على هذه الخطوة الصادمة لمغبوني الحقوق في العالم وبالذات الشعب الفلسطيني، الذي أصلاً لا ينال من هذا المجلس الحقوقي الإنساني سوى إدانات معنوية لمغتصبي حقه، متجاوزاً الترحيب إلى القول: «إن قرار الولايات المتحدة الانسحاب من هذه المنظمة المنحازة يشكِّل تصريحاً لا لبس فيه بأنه قد طفح الكيل، فعلى مدار سنوات طويلة أثبت المجلس أنه جهة منحازة وعدائية ومعادية لإسرائيل تخون مهمتها وهي الدفاع عن حقوق الإنسان...».
بدت جولة الأمير ويليام كأنها لوحة متقنة الإعداد الرصين وتبعث الطمأنينة في النفوس. بدأها في الأردن وكانت زيارة لمدة يومين ظاهرها اجتماعية سياحية لكنها في جوهرها مناسبة لبناء صداقة بين ولي عهد حالي هو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، حفيد الملك حسين (رحمة الله عليه)، وولي عهد آتٍ عندما تأذن مقتضيات الظروف في المملكة المتحدة بذلك. كلاهما من مواليد شهر واحد (يونيو). الأمير ويليام بن تشارلز من مواليد اليوم الحادي والعشرين والأمير الحسين بن عبد الله الثاني من مواليد الثامن والعشرين.
وإذا نحن أخذْنا بالتفسير الفلكي للأبراج فإن الأميريْن هما من برج السرطان. ومن معاني هذا البرج أنه من الأفضل لصاحبه عدم فرْض آرائه على الآخرين وممارسة سلطته بالقوة.
ومن دلائل الرغبة المشتركة في هذه الصداقة أن الأمير الشاب ولي العهد، جال في مدينة جريش الأثرية والتاريخية مع الأمير الشاب الذي سيصبح ولياً للعهد. هذا إضافة إلى مواقع ومراكز اجتماعية وتربوية وعسكرية. وفي جولاته هذه كان التفاف الناس حوله عفوياً يتباسط في الحديث معهم ويتذوق طعامهم ويلمِّح إلى أنه لطالما روت له جدته الملكة إليزابيث الثانية عندما زارت برفقة جده الأمير فيليب، الأردن، قبل أربعة وثلاثين عاماً، أحلى الذكريات عن الأردن شعباً وبلداً وأسرةً حاكمةً.
الجزء الثاني من الجولة حمل في طيات ساعاته الحافلة بالنشاط والمبادرات الشخصية أكثر من معنى. في تل أبيب خلت زيارته لها من الحميمية. عقَد لقاءات رسمية مع رئيس الحكومة نتنياهو ومع رئيس الدولة ريفلين الذي زوّده «رسالة سلام» إلى الرئيس محمود عباس وسمع من الاثنيْن كلاماً لم يرُدّ عليه بالمثل. زار نصب المحرقة وتوجه بعد ذلك إلى الشاطئ مرتدياً ثياباً رياضية ولَعِب كرة القدم مع حارس مرمى في الثالثة عشرة من عمره، وقال قبل أن ينتقل إلى رام الله إنه يتطلع «إلى فهْم الكثير عن المنطقة» كما يتطلع «إلى المساعدة في تحقيق السلام فيها».
كان أهل الحُكْم الإسرائيلي يتطلعون إلى أن تكون زيارة الأمير ويليام مناسبة لتوظيفها في موضوع هدية الرئيس ترمب غير المكتملة، ونعني بذلك نقْل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن الحكومة البريطانية وكذلك الملكة إليزابيث الثانية تنبَّهتا إلى الأمر سلفاً وإلى عدم توظيف إسرائيل للزيارة كون الزائر هو أول شخصية مهمة في العائلة الملكية البريطانية تزور إسرائيل ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. بل قد يجوز القول إن الأمير ويليام عن قصد أو غير قصد باغت الإسرائيليين بأكثر من لفتة. زار المسجد الأقصى وبدا منشرح الصدر في الصورة التي التُقطت له أمام المسجد، ووضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجدة الكبرى الأميرة أليس المدفونة في الطور والتي من مآثرها إنقاذ عائلة يهودية من المحرقة. وتصرَّف كمسيحي مستقيم الرأي من خلال الجولة في شوارع البلدة القديمة في القدس بعدما زار المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وتبادل مع الفلسطينيين الود وتذَّوق مأكولاتهم وحلوياتهم الشعبية وأنصت إلى موسيقى وأغنيات فلسطينية. وعندما كان لا بد من كلام فإنه خاطب الرئيس محمود عباس بعبارة «أشكركم على الترحيب ويسرّني جداً أن بلديْنا يعملان معاً بشكل وثيق وأنهما حققا نجاحات في الماضي في مجال التعليم والإغاثة...»، وقبل ذلك قال مخاطباً الفلسطينيين: «إنه لن يتم تناسيكم».
من الطبيعي أن تثور ثائرة نتنياهو ومَن حوله وهو يسمع حفيد الملكة إليزابيث الثانية يلفظ تعبير «دولة فلسطين» مرادفاً لـ«دولة بريطانيا»، ويقول بصريح العبارة إن الصفحة الفلسطينية لن تُطوى، وهذا معنى عبارة «إنه لن يتم تناسيكم يا فلسطينيين». كلمات فيها الكثير من جوهر مواقف عادلة وموضوعية لوالده الأمير تشارلز لعلها تنضج في الزمن البريطاني القريب الآتي، ويأخذ جيل الأحفاد على عاتقه تصحيح وزر ارتبط بالأجداد عندما ارتأى آرثر بلفور بمبادرة شخصية، أحرجت المَلِك أو بالتشاور معه لا فرق، تحبير تلك الرسالة المؤرخة الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 والموجهة إلى اللورد روتشيلد وبموجبها أهدت بريطانيا دولة احتلتها طويلاً إلى عصابات افتعلت عليها إنشاء دولة تستنزف الأمتيْن العربية والإسلامية منذ عام 1948.
وإلى أن يأتي اليوم الذي نسمع فيه أن جولة الصهر المحظوظ جاريد كوشنر على دول المنطقة لم تعد غامضة بمثل جولة الحفيد الأمير ويليام التي كانت واضحة وتمت مصادفة في شهر الوعد المشؤوم (نوفمبر) سيبقى الحذر على حاله مما يجري... ويحاولون بأكثر من ملعوب فرْضه على المنطقة.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع