توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التمثيل المذهبي بكيانات مذهَّبة

  مصر اليوم -

التمثيل المذهبي بكيانات مذهَّبة

بقلم: فـــؤاد مطـــر

هذا الذي أصاب العراق ثم سوريا وعلى أهبة أن تشمل الإصابة لبنان وفي الطريق إلى إلحاق ليبيا بالمصابين، هو في واقع الحال نوع من التمثيل المذهبي بكيانات أراد الله - سبحانه وتعالى - أن تكون مذهَّبة بمعنى الثروات الطبيعية أو النفطية والمعادن الثمينة على أنواعها. والتمثيل المذهبي هنا هو توأم التعامل مع جثث مَن لا يكتفي القتلة بإزهاق أرواح أصحابها وإنما أيضاً التمثيل بالجثث لإزالة بريق معالمها وربما ابتسامة على شفاه المقتول كانت اللحظة ما قبل الأخيرة للإماتة من قاتل.
من الكيانات المذهَّبة هنالك على سبيل المثال لبنان الذي حباه الله على مساحة العشرة آلاف كيلومتر مربع موقعاً استراتيجياً وتاريخاً تراثياً وطبيعة جنَّاتية فيها معظم أنواع الشجر إلى جانب السهول الخضراء والجبال التي تكللها الثلوج وبضعة أنهار ومناخ من الحرية والديمقراطية يتماهى مع المناخ الطبيعي. كما أن التنوع الطوائفي وبشتى مذاهبه ومدارسه وطقوسه كان بمثابة حالة تميُّز له على صعيد العيش المشترَك. وفي ظل هذه المذْهبة أبدع اللبناني وأدى قسطه للقضايا العربية والوطنية. ولا نغالي إذا نحن قلنا إن هذا الوطن الصغير ساهم في الحراك الوطني في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر وضحى من خلال استضافة المقاومة الفلسطينية على أرضه وعلى صفحات صحفه وفي شوارع مدنه. وأيضاً لا نغالي إذا نحن قلنا إن هذا الوطن الصغير ساهم في تحرير الجزائر من الإطباق الفرنسي على أنفاس نضالها للاستقلال، وذلك من خلال الكتابات والمؤتمرات والحناجر الهاتفة خلال المسيرات والمظاهرات، بل إن الجنرال ديغول الذي تنشَّق وهو يعيش في منزله في قلب العاصمة بيروت نسائم الجهادات اللبنانية من جانب جيرانه المسيحيين والمسلمين المحيطة منازلهم بالمبنى الذي سكن في إحدى شققه، ارتأى عندما بات في موقع اتخاذ القرار أن يرى ضرورة رفْع اليد الفرنسية عن الجزائر.
هذا الواجب الوطني الذي أداه لبنان منذ الأربعينات وحتى السبعينات كان بمثابة جوهرة في تاج المذْهبة التي تكلل سمعته. بل إنه في الزمن الذي كان لبنان يؤدي هذا الواجب الوطني وبالذات الواجب تجاه فلسطين قضية لا تغادر الوجدان وشعباً وجد الملاذ الأخوي، كانت كل من إيران الشاهانية وتركيا الأتاتوركية غارقتين في عميق العلاقة مع الكيان الإسرائيلي الحديث الاستيلاد الذي اغتصب وطناً وشرّد شعباً. ولم يحدُث أن إيران ولا تركيا أدَّيتا كدولتيْن الأُولى كمسلمة شيعية والأخرى كمسلمة سُنية الواجب إزاء ما حدث للوطن الذي اغتصب وللشعب الذي انتهى لاجئين وجدوا الملاذ والحنو لدى العرب في لبنان وسوريا والأردن والعراق ودول الخليج. وليس في إيران ولا في تركيا. فالعرب هم الأهل وليس الفرس والعثمانيون.
وهذا النأي بالنفس وعدم أداء الواجب من جانب كل من إيران وتركيا وظَّفتْه إسرائيل لمصلحتها، بمعنى أنها أكدت أمام المجتمع الدولي أن كثرة من المسلمين غير العرب، وخاصة الدولتين الأهم إيران الشيعية وتركيا السُنية تقيمان أفضل العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. ومن الطبيعي أن تكون لهذه الثغرة مفاعيل على صعيد وحدة الصف تجاه القضية الفلسطينية.
ما هو لافت للانتباه أن إيران منذ أن غدت جمهورية إسلامية أوحت بتحويل مقر السفارة الإسرائيلية في طهران إلى «سفارة» لفلسطين أنها من خلال الإمساك بجزئية من الورقة الفلسطينية تهدف إلى إزالة السمعة السيئة للموقف الإيراني ماضياً من الموضوع الفلسطيني... إنما بمعزل عن الدور المباشر وتستعمل لهذا الغرض لبنان؛ وبذلك لا تتأذى ولا يتحقق في الوقت نفسه ما من شأنه وضع القضية في المسار الذي ينتج حلاً موضوعياً. وبسبب هذه الصيغة التي اعتمدتْها، وهي أن تكون أرض وطن طالما أدى الواجب نحو القضية من دون تمنين ساحة لها، فإنها أغرقت لبنان بكل أنواع السلاح. وأما على صعيد القوات، فإنها لا تحتاج ما دام هنالك الألوف من أبناء الطائفة الشيعية باتوا جيشاً صغيراً من حيث العدد بالمقارنة مع جيش الدولة، قوياً من حيث الاقتدار واستيعاب التدريب واستعمال السلاح الخفيف والثقيل على أنواعه.
حتى الآن، وربما حتى إشعار آخر ليس في الأفق ما يؤكد مصير هذا السلاح بمعنى هل سيستعمله «حزب الله» ضد إسرائيل، أم هل إن إسرائيل قد تنجح في تدميره، أم هل إن إيران ستستعيد في ضوء الضربة الأميركية القاصمة للظهر الثوري القاسمي السليماني وبموجب صفقة تسوية مع الإدارة الأميركية تشمل إسرائيل، هذه الترسانة الضخمة من السلاح وتعتبر واقعة تصفية اللواء قاسم سليماني قرة عين المرشد خامنئي فرصة لإعادة قراءة الوضع بنسبة عالية من التأمل والهدوء وبما يجعل إيران الثورة تبدل بالتدرج عباءتها الثورية والشروع في بناء دولة أهدأ ثورية وتدخلات تصون البلاد وتلقى الامتنان والرضا من العباد.
ما يقال حول إيران وما يصيب لبنان هذا الكيان المذهَّب من مشروعها المذهبي وأمامنا كارثة المشهد اللبناني سياسياً ومجتمعياً، هو قيد القول عن المشروع الإردوغاني القريب الشبه بالمشروع الإيراني الذي يقضي بتطويل اليد والتدخل في الشؤون الداخلية لأوطان آخرين. وهنا الغرض واحد، وهو إحياء الإرث الإمبراطوري: إمبراطورية شيعية يعمل من أجْل تحقيقها النظام الثوري الإيراني مستعملاً القدس ومن دون أن تعنيه فلسطين في الدرجة الأُولى، ورقة يغطي بها أغراض مشروعه، وإمبراطورية عثمانية يعمل من أجْل تحقيقها المرجع السياسي الأعلى «الإخوان المسلمين» بتنوع مسميات جمعياتهم رجب طيِّب إردوغان. وكما فعلت إيران المرشد خامنئي بلبنان واستقرت ثم حقق لها التذبذب الأميركي وجوداً فاعلاً في القرار بالنسبة إلى العراق ذلك الكيان المذهَّب أرضاً وسهلاً ورافديْن وذهباً أسود وقبْل ذلك في القرار السوري الكيان المذهَّب ثروات وتراثيات، فإن الرئيس إردوغان بدأ السير بخطى مماثلة وبحيث تكون ليبيا المنطلق لاستهداف مصر كما استهداف إيران للسعودية ودول الخليج من خلال ما استطاعت تحقيقه بصيَغ مباشرة حدودية، أو كلام عبْر الأثير من جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن. وكما الذريعة الإردوغانية الواهية بالنسبة إلى التدخل في ليبيا، وهي أن هنالك بضعة ألوف من أصول تركية وهذا يوجب عليه التدخل وإقامة قاعدة عسكرية، فإن الذريعة متوفرة إزاء لبنان في حال قرر أن يهيئ لعلاقة تقوم على التدخل حتى إذا تطلب الأمر إقامة قاعدة عسكرية مستقبلاً، ذلك أن في لبنان الألوف من أصول تركية لجهة الأم في الوسط البورجوازي كون البعض استطاب المليحات التركيات للزواج منهن على بنات الوطن، كما هنالك ألوف السياسيين ورجال الأعمال لجأوا ماضياً إلى إسطنبول وطلاب عِلْم درسوا في مدارس تركية أو تخرَّجوا في جامعاتها. كما هنالك أيضاً عسكر أتراك سبق أن عملوا في زمن السلطنة وخلال فترة سيئ الذكر السفاح جمال باشا وتزوجوا غصباً أو اغتصاباً من لبنانيات، فضلاً عن القول، إن «الإخوان» حضوراً فاعلاً في لبنان وبأكثر من تسمية ينشط هذا التنظيم حاله في ذلك حال الجماعة في ليبيا وتونس التي يحاول إردوغان جعْلها منصته.
خلاصة القول: للتحرش والتدخل سواء من الجاريْن البعيديْن جداً إيران وتركيا ذرائع ونوايا غير طيِّبة. وما يفعله الطرفان هو التمثيل وفق قاعدة مذهبية بالكيانات المذهَّبة التي من سوء طالع شعوبها أنها مغلوبة على أمرها وتحت سمع المجتمع الدولي وبصره... أو بالتواطؤ ضمناً وغض النظر علناً. والله أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التمثيل المذهبي بكيانات مذهَّبة التمثيل المذهبي بكيانات مذهَّبة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon