بقلم : فـــؤاد مطـــر
تتزايد المكايدات على مستوى كبار القوم صانعي السياسات وراسمي الخرائط في زمن «كورونا» التي لا تهدأ صولاتها ولا يقوى أهل العِلْم واختراع الوقائيات على وضْع نهاية قريبة لاجتياحها وكيف لا تميز من المصابين إنساناً على آخر، وأحدث هؤلاء على مستوى أهل القمة الرئيس بوتين الذي جرَّب الحظْر بضعة أيام تأكد فيها لا شك في ذلك أن شأنه القوي يضعف إلى درجة الاستسلام أمام فيروس، وذاق مرارة الحجْر الإجباري، هذا السجن الذي يبقى سجناً وإن كان مذهَّباً، ثم انطلق إلى الطبيعة صياداً يتباهى كما صيادي مواسم القنص بأنه أمات برصاصة طائراً لا حول له ولا قوة. وبعد بوتين تأتي الأنباء من عمان تشير إلى أن ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني أُخضع للحجْر وكذلك والدته الملكة رانيا نتيجة إصابة بـ«كورونا»، حماهما الله.
قبْل رئيس الدولة العظمى التي يكايد الرئيس إردوغان رفيقه الأطلسي الرئيس بايدن من خلالها بالتلميح إلى أنه سيشتري المزيد من أنظمة الدفاع الجوي (إس 400) وعلى نحو مكايدة بايدن نفسه للرفيق الأطلسي ماكرون المصدوم من الفعل الغَّواصي الذي فعله بايدن بفرنسا، كان هنالك كثيرون من أصحاب المقامات الرسمية قد حجروا أنفسهم مرتعدين من أن تفعل بهم الجائحة فِعْلها المعطِّل وربما المميت. ونتذكر أسبوع الهلع الذي أمضاه الرئيس ترمب محجوراً في البيت الأبيض مصاباً إلى جانب الارتفاع المقلق في درجة الحرارة بارتفاع يفوق التحمل في «فيروس» التخوف من أن يطول الحجْر فيقصُر تبعاً لذلك هامش السعي للبقاء ولاية رئاسية ثانية. وهو في أي حال لم ينل ما يتمنى رغم أنه خرج معافى من الحجْر ليدخل في معركة قائمة على التحديات بدل الإنجازات ثم ينتهي به المقام في حجْر آخر هو فقدان الرئاسة، يعاني على مدار الساعة من كوابيسه ومن دون أن يأخذ في الاعتبار جوهر الحكمة القائلة: خيراً تعمل خيراً تلقى...
ولم يحدث هذا الكم والنوع من المكايدات على جميع المستويات ولدى بعض دول العالم في زمن «كورونا» مثل الذي يحدث في بعض دول الأمتين العربية والإسلامية، وإلى درجة أن فيروس المكايدة يسير في اتجاه أن يتكرس كحالة مستقرة في هذه الدول.
في لبنان لا تغيب المكايدة ولو لبضع دقائق من ساعات اليوم. وبات الذين من واجبهم حفْظ أمن الوطن وكرامة الشعب مثل الفرق الكروية يتبارون في دوري، ما يدك البنيان الوطني حجراً تلو حجر؛ ينال من القضاء ذلك السياج الذي يقي المواطن وبالتالي الوطن من شرور الاستباحات والفوضى الجارفة إنما في حال لم يدخل أهل السُّلطة على المسار القضائي وبقي قصر العدل بأهمية القصور الرئاسية بمعنى السمعة والفاعلية وليس بمعنى البنيان والأبهة. وهكذا فإن تحديد ضربة مَن يسيء أكثر تُعد «الإنجاز الوطني». وحيث إن الوقائع الشريرة وأشخاصها الشريرين أكثر من أن تُحصى، فإن الذي أصاب اثنيْن من القضاة بفعل غلبة إشهار سيف الويل والثبور من جانب مَن إذا هم هددوا نفَّذوا التهديد على القاضيين الملتزميْن بالقَسَم الذي أدّياه، مثال لا يحتمل التشكيك فيه على هذه الممارسات. وها هي المكايدة ترتفع وتيرتها في اتجاه أن تبتلع حيتان السُّلطة الأسماك التي تحلم بعودة بحيرة العمل السياسي اللبناني على درجة من الصفاء، كما حالها في أزمان مضت قبْل أن يقتحم فيروس الولاءات الخارجية الساحة ويمعن فتكاً بصيغة الميثاق الوطني والعيش الطوائفي ويتبين أنه فيروس لا ينفع فيه الحجْر وإنما البتْر عندما ينتفض الحس الوطني على العابثين بالمصير.
وفي تونس تسجل المكايدة المزيد من الجولات التي تعكس انطباعاً بأن الرئيس قيس بن سعيد يؤسس لنفسه «زعامة قيسية» إذا جاز القول تشبه في ملامحها «الزعامة البورقيبية» معتمداً في ذلك على أنه في صدد تحقيق الاستقلال الثاني لتونس في الزمن الراهن ليس من الأجنبي إنما من الحزبية التي مرجعيتها خارجية، ويعزز اعتماده كما يثبت عزيمته التفويض الشعبي الذي من خلاله ومن دون أن يوظف المال الذي أصلاً لا يملكه كما سائر أساتذة الجامعات في العالم، أنه بات رئيساً للجمهورية متفوقاً على حيتان حزبية بعضها عريق ويعيش رموز القيادة فيها معاناة صعبة تتزايد في صفوف الحزبيين والمتحزبين قد تنتهي إلى مصير أقرانهم في المملكة المغربية، وبات أيضاً يفاجئ المجتمع التونسي الذي ينتظر منه دوام مقارعة الفساد والمفسدين باختيار امرأة من نبع العِلْم والثقافة الذي ارتوى منه لتكون رئيسة للحكومة، مسجلاً بذلك خطوة غير مسبوقة في العالم العربي وفي ظروف ترئيس تختلف تمام الاختلاف عن تجربة باكستان التي تمثلت بترؤس بي نظير بوتو للحكومة تعويضاً معنوياً عن اغتيال والدها ذو الفقار الذي كان يبذل قصارى الجهد من أجْل باكستان نموذجاً للبلد الإسلامي المتقدم. وبالنسبة إلى حواء التونسية فإن ترئيسها كان بمثابة إشارة إلى أنه سيعزز أكدمة أعمدة عهده، بمعنى الاستعانة بالمزيد من الأكاديميين التي نجلاء بودن من هذا العالم المنزّه عن الألاعيب الحزبية. كما أن ترئيسها يشكِّل ذروة المكايدة من جانب الرئيس لديوك العمل السياسي والحزبي كما حال هؤلاء في لبنان الممعنين في رمي الوطن بالصراعات التي تُنتج حِقداً وتعطل تنمية. وغداً بعد نجاح تجربة أول رئيسة حكومة في العالم العربي ستحذو أنظمة كثيرة حذو تونس فتعمد إلى توسيع هامش مشاركة المرأة في صناعة القرار السياسي، وهي خطوة يُذكر بالخير بادئها على درجة أقل عندما فاجأ الرئيس جمال عبد الناصر المصريين بتعيين حكمت أبو زيد وزيرة طال بقاؤها في المنصب عكس وزيرة الزعيم عبد الكريم قاسم «الرفيقة» في الحزب الشيوعي نزيهة الدليمي لكنها كانت وزيرة عابرة لم يستقر بها المقام طويلاً فانصرفت عن الوزارة وعن العراق. كما يعزز الرئيس قيس من أجْل الاستقلال الثاني أن المؤسسة العسكرية مع سعيه موقفها ضمناً من الحزبية يلتقي مع رؤيته. وهذه المؤسسة ماثلة أمامها التجربة غير المنزهة التي ارتبطت بالعسكري الذي تمدن ليترأس زين العابدين بن علي وأحدثت خللاً في المؤسسة العسكرية لأنه أراد أن تصون السياج الذي يحمي نظامه، لكن المؤسسة المضطرة للتفهم زمنذاك كانت متنبهة في الوقت نفسه، وعندما حدثت الانتفاضة الشعبية فإنها لم تقمع على نحو ما طُلب منها ثم تصرفت بالحسنى من خلال تسفير الرئيس كي لا يبقى أسْره المحتمل كما وضْع الرئيس عمر البشير في «كوبر» حالة مقلقة سواء بقي إلى آخر العمر سجيناً أو قضى خلال جلسة استجواب كالذي حدث للرئيس المصري الإخواني محمد مرسي، أو تم من جانب رفاق السلاح تسليمه إلى محكمة دولية وتصبح الخطوة سابقة لا تحبذها المؤسسة العسكرية في السودان التي تعيش منذ أن استقر بها ترؤس البلاد حالة من المكايدة مع الطيف المدني الشريك في الحكم... مكايدة فريدة من نوعها وتستوجب من كاتب وصحافي تشكِّل التطورات السودانية منذ الستينات حيزاً رحباً من الاهتمام والمتابعة لديه، الإضاءة بإفاضة عليها بعدما تكاثرت النقاط وباتت الحروف عسيرة على صياغة الكلام المفهوم في انتظار وضْع الحروف عليها. والله المعين.