توقيت القاهرة المحلي 18:47:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جيش واحد أو الفوضى العارمة

  مصر اليوم -

جيش واحد أو الفوضى العارمة

بقلم: فـــؤاد مطـــر

ما هو طبيعي أن يكون لكل دولة جيشها الوطني بتعدد أفرعه أرضاً وجواً وبحراً، وأن يكون هذا الجيش حامي الوطن والذائد عن الأخطار الطارئة، وأن يكون جاهزاً عند إعلان النفير لكي يؤدي الواجب على الوجه الأكمل، كما يكون تسليحه بالأحدث والمتطور في صناعة السلاح إذا توافرت القدرات المالية.

وعندما يكون الجيش على النحو الذي نشير إليه، فإن استقرار الدولة يتأمن وطمأنينة الشعب تتحقق. ولا تقتصر هذه الطمأنينة على طيف دون آخر؛ وذلك لأن المؤسسة العسكرية مثال على وحدة الوطن؛ إذ الأفراد من كل المناطق، وإن كانت هنالك نسبة منطقة تزيد أو تقل عن أُخرى. المهم أن التمثيل شامل، وبذلك تبدو المؤسسة العسكرية وكأنما هي البرلمان الثاني للوطن، مع خصوصية تتعلق بالجيش، وهي أن الفرد ينفِّذ أمر القيادة، في حين أن البرلماني ينشغل بالمناقشة أكثر. أما الذي ليس طبيعياً، فهو أن يكون في الدولة الواحدة أكثر من جيش، أو على وجه التحديد «جيش ثانٍ» أو «جيوش»، وفي هذه الحال تصبح الدولة في ارتباك ما بعده ارتباك، وينتهي الأمر بالوطن عرضة للمخاطر على أنواعها. كما أن «الجيش الآخر» أو «الجيوش» بتنوع تسمياتها لا تؤدي الدور الوطني المتعارف عليه، وإنما تصبح وسيلة من وسائل الذي يتزعمها للعبور إلى مفاصل الدولة بغرض الكسب أو تحقيق طموحات سياسية؛ أي بتحديد أكثر دقة يمارس ذلك المتزعم الدور كلاعب سياسي ببذلة عسكرية وقبضة سلاحية وابتكار «عقيدة» و«مبادئ» نضالية.
ما نشير إليه بالنسبة إلى «الجيش الثاني»، أو «الجيش الآخر»، أنه كانت هنالك تجربة لم تكتمل، وتتمثل في السبعينات بما سُمي «سرايا الدفاع» ابتكرها الرجل الثاني القوي في النظام السوري رفعت الأسد شقيق الرئيس (الراحل) حافظ الأسد، الذي أنشأ هذا «الجيش» بالتسمية المشار إليها على أساس أنه للدفاع عن نظام شقيقه. وخطوة تلو خطوة بات هذا «الجيش» بالمئات، ثم بعشرات المئات، وصولاً إلى أنه أصبح يتجاوز الخمسين ألف فرد، كما بات مجهزاً بأحدث أنواع السلاح، ويتخذ من الإجراءات والمواقف ما توحي بأن ما يرمي إليه الشقيق رفعت الأسد هو أن يرث شقيقه حافظ بعدما وقف على الحالة الصحية الدقيقة للرئيس الشقيق غير المعلَن عنها، وفي ذلك يقتدي بصيغة كاسترو (فيديل) وشقيقه (راوول) الذي بعد اشتداد مرض شقيقه الرئيس التاريخي، تولى الحُكْم وبقي يترأس كوبا الدولة والجيش والحزب من عام 2008 وحتى عام 2018، مع ملاحظة أن كرسي رئاسته بدأ يهتز بعد رحيل الشقيق فيديل يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 الذي كان السند له الداعم لشرعيته.
لكن ما سعى إليه الشقيق رفعت وخطط له لم يثمر؛ وذلك لأن الرئيس الشقيق وبمجرد أن بات الابن البكر (باسل) في الوضع الذي يؤهله لكي يرث الوالد حافظ، قام بخطوة كتلك التي يحاولون حديثاً الأخذ بها في العراق كعلاج لازدهار «الجيوش» التابعة لتجمعات «ميليشياوية» تملك كل أنواع السلاح، وذلك بإدماجها بالجيش الرسمي (الذي جنى على العراق حاكمه الأميركي بريمر بإلغاء هذا الجيش)، مع ما في الدمج من تعقيدات؛ إذ إن عقيدة الجيش الرسمي الوطني تتناقض مع عقيدة «الجيوش» الميليشياوية بتنوع تسمياتها وأغراض إنشائها، ومَن هو المنشئ ومبتغاه.
ولقد تمثلت خطوة احتواء الرئيس الشقيق (حافظ) لـ«جيش» شقيقه رفعت بأنه أصدر قراراً في عام 1984، وبعدما كان «جيش رفعت» المسمى «سرايا الدفاع» الذي أنشأه عام 1971 بلغ من الشأن درجة المحاذير؛ يقضي بدمجه في الجيش الرسمي وتحت تسمية «الفرقة الرابعة» التي هي الحرس الجمهوري. وعملياً بات الرجل القوي الثاني في النظام منزوع الشأن كرقم طموح وصعب المراس باحثاً عن شأن جديد له في الحياة العامة. ومن هنا تصويبه نحو التطلعات المدنية كرجل أعمال خارج سوريا. وبقي النظام كما أراده صانعه الرئيس الأب حافظ يورثه إلى الابن الثاني الرئيس بشَّار بعد رحيل الابن البكر باسل في حادث مأساوي وهو في طريقه إلى المطار مسافراً. ومثل هذا التوريث كان ضمن «أجندة» الرئيس (الراحل) صدَّام حسين، وكان الابن البكر عدي اقتبس صيغة «سرايا الدفاع» تحت تسمية «فدائيو صدَّام»، لكن الأقدار كانت مأساوية هي الأُخرى؛ إذ عصفت الريح بالصدَّامية أباً وابنين (عدي وقصي) ونظاماً كاملاً، وبدرجة أكثر قساوة بكثير من العصف الذي أصاب رفعت الأسد وسراياه.
بعد أكثر من ثلاثة عقود تتجدد الحالة في لوحة السلطة في العالم العربي، ونجد في هذه اللوحة مشهديْن بالغَي التعقيد تهدأ أحوال المنطقة العربية في حال استنباط صيغة جذرية لهما: المشهد الأول يتمثل في أن «الجيش الثاني» في لبنان، ونعني بذلك قوات «حزب الله» ذات السلاح والتدريب المتوازي وربما بأهمية ما لدى الجيش الوطني، بدأ كحركة مقاومة في ظروف أوجبها العدوان الإسرائيلي على لبنان، لكنه بات ورقة في يد رمز قيادته تزيد نسبة التعقيد للأمور السيادية عند استعمالها. وحيث إن هنالك انفراجاً ملحوظاً في العلاقات السعودية – الإيرانية لا بد أنه سيترك مفاعيله على «حزب الله» في لبنان و«جيش» هذا الحزب؛ فإن الآمال معقودة على الأخذ بصيغة الدمج التي اعتمدها الرئيس حافظ الأسد لاحتواء «جيش» شقيقه رفعت، وبذلك يطوي لبنان الارتباك الذي يعيشه وينطلق من جديد في اتجاه القبول به وطناً مستكيناً، بدل احتوائه وطناً مسكيناً. هنا تستوقفنا المفردات المعدلة واللافتة في إطلالات السيد حسن نصر الله ما بعد الانفراج المتقدم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران.
وأما المشهد الثاني، فيتمثل في الذي يعيشه السودان منذ سنتيْن، وهو مشهد قريب الشبه بالذي حدث في سوريا، مع الأخذ في الاعتبار أن الحسم الذي جرى في سوريا وقضى باحتواء «جيش» الشقيق في الجيش الوطني، ليس من اليسير بمكان الأخذ به في السودان الراهن. وعلى هذا الأساس، فإن صيغة حُكْم الفريقيْن (بمعنى الرتبة العسكرية) عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ومحمد حمدان (دقلو) قائد «الجيش الآخر» المسمى «قوات الدعم السريع»، سائرة إلى مواجهة هي الأُولى من نوعها في السودان الذي أتعبته المغامرات الانقلابية.
وهنا تكون ورقة السودان المدني الواقف بثبات وإجماع وصمود إلى جانب شرعية الجيش الرسمي للدولة، هي التي تحول دون الصدام الذي في حال حدوثه ستكون حرب الجيشيْن في السودان؛ جيش الدولة الرسمي والعريق، وجيش الظروف الطارئة المسمى «الدعم السريع»، كثيرة الشبه بحرب داحس والغبراء في الحد الأقصى، وحرب سودان الجنرال جعفر نميري ضد سودان الجنرال جون قرنق في الحد المقلق. ويكون السودان عرضة لما هو أعظم من انفصال جنوبه عن شماله.
والله الولي والمالك والمانع والهادي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جيش واحد أو الفوضى العارمة جيش واحد أو الفوضى العارمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة
  مصر اليوم - مصر وإيران تبحثان تطورات الأوضاع في لبنان وغزة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon