توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كي يسلم لبنان

  مصر اليوم -

كي يسلم لبنان

بقلم: فـــؤاد مطـــر

كان بمثابة صاعقة نزلت قبل أيام على أدبيات التخاطب بين رموز العمل السياسي في لبنان؛ كون أطراف هذا التخاطب يشغلون المكانات السياسية والدينية والمجتمعية. ولقد أظهرت أنواع التخاطب بين هؤلاء الرموز أن كلاً منهم ليس بالحرص الكافي على إخراج الوطن من الهوة السحيقة التي بات عليها معيشياً ووطنياً، وإنما الذي يعنيه مقامه، حتى إذا كان على حساب كرامات الآخرين.

وعندما تكون هذه أدبيات التخاطب، وبالصوت الأعلى، مقروءاً في صحيفة أو مبثوثاً عبْر الأثير أو الشاشة أو مواقع التواصل، لا يعود مستغرباً أن الأزمة التي يعيشها لبنان طالت وتعقدت نتيجة مواقف تتسم بعض كلماتها بالتجريح، وأن كثرة التلاوم المتبادل؛ حيث هذا يلوم ذاك وأولئك يلومون هذا، لا تجدي نفعاً. كما أن كثرة التذكير، في مناسبات خطابية أو من خلال تصريحات، بفائض القوة، تتسبب بتباعد المشاعر الوطنية.
ونجد أنفسنا نرى أنه لولا الكلام الذي يقال بعضه أسبوعياً وبعضه الآخر في مناسبات من المرجعيات الروحية، لكان الميدان السياسي أشبه بحلقات مصارعة كلامية. ومع أن ما نسمعه من رموز المرجعيات الروحية يتسم بالنصح والحكمة والقول اللين، فإن هذه المرجعيات باتت، وقد تجاوز التعطيل المتعمد من جانب رموز العمل السياسي والحزبي حده، ترى، على ما تجوز قراءة النيات، اتخاذ وقفة تتجاوز النصح إلى الحزم، بل وما هو أكثر من ذلك؛ أي بما يجوز افتراضه تنعقد قمة روحية جامعة حاسمة تنتهي بما يشبه البلاغ رقم واحد في ظاهرة الانقلابات العسكرية، ويستتبع هذا البلاغ الحامل تواقيع المرجعيات، ما دام يطالب بتأدية الواجب وانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، استيلاد رئيس لها.
هذا مع الأخذ في الاعتبار أن بعض العبارات جاءت حازمة، مثل تلك التي صدرت من هذه المرجعيات على مدى أشهر سبقت خلو الرئاسة من شاغل، ثم بعد أن انصرف الرئيس الجنرال ميشال عون خاسراً التطلع إلى تمديد لرئاسته يحقق فيها مبتغاه بترئيس صهره الذي استمر يعيش 4 سنوات رئاسية في حلم أنه هو مَن سيزكيه «حزب الله» وليس سليمان فرنجية. ومن العبارات تلك قول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة قداس يوم الأحد، 19 فبراير (شباط) 2023، وبما يمكن اعتبار الكلمات بمثابة مفردات بلاغ روحي رقم واحد: «أيها المسؤولون السياسيون والنواب والنافذون والمعطلون بوجه أو بآخر؛ لقد حولتم عرس لبنان وشعبه وجمال طبيعته وغنى موارده إلى مأتم كبير، ووشحتموه برداء أسود من الفقر والجوع والحرمان والتهجير؛ تهجرونه من وطنه، وتفتحون أبوابه لمليونين وثلاثمائة ألف نازح سوري؛ ما بدا يفوق نصف الشعب اللبناني. ترفضون أي نصيحة من الدول الصديقة والحريصة على استقرار لبنان واستعادة قواه وكل دعوة ملحة لانتخاب رئيس للجمهورية، فتدعون ذلك تدخلاً ومساً بكرامتكم. إنهم يريدون حماية لبنان منكم؛ من كل عدو له يأتيه من الداخل، وانتشال الشعب من براثن أنانيتكم وكبريائكم ومشاريعكم الهدامة؛ فلا لبنان خاصتكم، بل خاصة شعبه، ولا الشعب غنيمة بين أيديكم، بل غنى لوطنه لبنان؛ فارفعوا أيديكم عن لبنان وشعبه. هذه الصرخة نستودعها رحمة الله... الإله العادل...».
ويندرج الكلام الجديد من حيث التحذير والخشية مع لاءات أطلقها البطريرك الراعي قبل بضعة أشهر (قداس يوم الأحد 11 سبتمبر/ أيلول 2022، في مقره الصيفي - الديمان)، وبدت من حيث الضغط النفسي الموجب لإعلانها بالصوت الأعلى كثيرة الشبه بلاءات القمة العربية الاستثنائية في الخرطوم (أواخر سبتمبر 1967). وأما اللاءات الراعية التي انتهت صرخة في وادٍ عكس لاءات القمة التي أبقت الوضع السياسي العربي على درجة من التماسك، فإنها «لا نسكت بل نرفض شل البلاد. لا نسكت بل نرفض تعطيل الدستور. لا نسكت بل نرفض استباحة رئاسة الجمهورية. لا نسكت بل نرفض الإجهاز على دولة لبنان وميزاتها ونموذجيتها ورسالتها في هذا الشرق وفي العالم...».
ما يجوز قوله إن الرمز الروحي للطائفة المارونية... طائفة رئيس الجمهورية، جعل من عظات القداديس في معظمها موقفاً سياسياً حازماً، وذلك نتيجة أن سياسيي الطائفة وزعماء أحزابها يغردون على أغصان أشجار حدائق تطلعاتهم الحافلة بكل أنواع ثمرات التحدي، غير هيابين أي حال بات عليها لبنان، التي أوجزها مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان (ومصادفة في اليوم السابق للبلاغ رقم واحد الروحي للبطريرك الراعي)، وبمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، بعبارة: «كل خدمات الدولة الوطنية وميزاتها سقطت في الأعوام الثلاثة الأخيرة. لقد صرنا أعجوبة العالم وفضيحته...». كما مصادفة قول متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة قبل ذلك: «ما نشهده تنازُع على السُلطة؛ يتبادلون الاتهامات، والكل متهم، والكل بريء».
كما أنه ما يجوز قوله إن سياسيي الطائفة وزعماء أحزابها يطرقون أبواب الصرح البطريركي من أجْل التقاط صورة مع سيد الصرح يوظفونها في أوساط جمهورهم أو تمييزهم بتناول الغداء إلى مائدته، وهذا توظيف مضاف من جانبهم لمكانتهم الانتخابية. وحتى إن حضورهم القداديس موسميّ. وعندما بدأ رمز المرجعية الروحية للطائفة يوجه النصح تلو النصح والتحذير تلو التحذير، فإنهم لم يقفوا إلى جانبه، معتبرين أنه فقط يستهدف بتحذيراته وتنبيهاته من الأعظم الآتي الطيف اللبناني الذي يوالي إيران، وفي الوقت نفسه يعكر العلاقة مع الدول العربية، مع أن مضمون التحذير يشمل رموز الطيف السياسي الماروني الذين في بقاء تحديات بعضهم لبعض، فارتهان بعض آخر لمشاريع لا تقتصر على الاستحقاق الرئاسي، ما يجعل الأزمة تزداد تعقيداً.
وعلى هذا الأساس، فإن مضمون ما حوته مفردات ما يُعتبر البلاغ رقم واحد الروحي، قد ينتهي إما إلى أن يأخذ الطيف السياسي والحزبي الماروني برؤى المرجعية الروحية، فيسلم لبنان، وإما سترفد المرجعية واجباً واضطراراً بلاغها الأول بالبلاغ الرقم الثاني مسمياً التعطيل بمسببه الممانع والمعاند.
عسى ولعل يأخذ النواب المسيحيون (الموارنة بشكل خاص) بما أبدى البطريرك الراعي في عظة قداس لاحق (الأحد 12 مارس/ آذار 2023) «الأمل منهم تأدية يوم رياضة روحية يكون صوماً وصلاة وتوبة ومصالحة...». وقصده أن يكون إفطار هذا اليوم اجتراح معجزة الاتفاق على انتخاب رئيس ينجي الوطن من الحالة غير الكريمة التي يعيشها في دنياه وينجيهم من العقاب الإلهي في آخرتهم. والسلام على مَن اتبع الهدى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كي يسلم لبنان كي يسلم لبنان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon